الفراعنة في أرض كنعان

الفراعنة في أرض كنعان

11 ابريل 2016
+ الخط -

ما سبق هو عنوان المعرض، الذي يقيمه "المتحف الإسرائيلي" لنحو 800 قطعة أثرية مصرية وكنعانية لقصّ "حكاية لم ترو" من قبل، على حد تعبير القائمين على المعرض. لا شكَّ في أنه معرض ضخم بكل المقاييس. هذا عدد هائل من القطع الأثرية التي تعود إلى الألفية الثانية ما قبل الميلاد. لا أدري إن كان هناك معرضٌ يساويه في الضخامة والتنوّع، بصدد تلك الفترة الزمنية. ليست كل القطع المعروضة من "المقتنيات" الإسرائيلية، سواء التي عُثر عليها في أرض فلسطين، أو التي استعيرت من متاحف غربية كبرى.. دعونا لا ننسى أن إسرائيل تولي الأوابد، المادية والمعنوية، أهميةً لا يوليها كيان آخر في العالم، فهي الكيان الوحيد القائم على هذه الفكرة: الأوابد. ولكن، من دون أن يعثر، لحسن الحظ، على ما يؤكد وجوده بحقٍ فيها. ودعونا لا ننسى أن بعض قادة إسرائيل العسكريين انقلبوا آثاريين، أو اهتموا بالآثار اهتماماً بالغاً، مثل يغائيل يادين، ثاني رئيس هيئة أركان للجيش الإسرائيلي، وصاحب البحث الطويل، الفاشل، عن آثار "المسادا" (مسعدة)، وقائد الجيش الإسرائيلي في حرب يونيو/ حزيران 1967، موشي ديان الذي كان يهرع، في كلِّ مكان يصل إليه الجيش الإسرائيلي، إلى سرقة آثاره.

إذن، لا غرابة أن تهتم إسرائيل بأمرين اهتماماً وجودياً: الأوابد والسلاح. ففي الأولى بحث عن شرعيةٍ من عظامٍ ومستحثاتٍ وألواحٍ تشير إلى مرور قوم قدماء، يسمون بني إسرائيل في فلسطين. وفي الثانية، تكمن ضمانة الوجود الراهن. ولا غرابة، كذلك، أن يكون بحث إسرائيل الآثاري منصبَّاً على الوصول إلى عظْمةٍ أو لوحٍ يرفعان برهاناً على "وجودٍ قديم". وهذا ما ترمي إليه عبر معرضها المصري – الكنعاني الضخم، فهي تمهد الأرض لإيجاد صلةٍ بين وجود موسى وقومه، في الفترة الزمنية التي يتحرّك فيها المعرض، في مصر، ومجيئهم، بعد طردهم، إلى أرض كنعان. هذا هدف واضح، ولا غرابة فيه، فليس على إسرائيل أن تهتم بالآثار المصرية، أو الكنعانية، أو تأتي بها من كلّ مكان في العالم، ما لم يكن هناك هدف يخدم روايتها تاريخ المنطقة. ولكن، ما يستشفه المرء من معرضٍ كهذا ليس فقط ما يطمع به السرد الإسرائيلي لتعزيز تماسك روايته، بل شيئاً آخر قد لا يكون لصالح المصائر الواقعية لهذا السرد. فالمعرض يرينا، من دون أدنى شك، أهمية فلسطين، وبلاد الشام عموماً، في الحياة المصرية وأمنها. ففلسطين (أرض كنعان) كانت معبراً للاحتلالات، ومحاولات الاحتلال التي تعرضت لها مصر عبر التاريخ. كان ملوك مصر القدماء يعون الأهمية الاستراتيجية لهذا المحيط، فيحاولون تأمينه، سواء عبر علاقات تجارية، وحسن جوار، أم بإرسال الجيوش والاحتلال. وهو ما تتحدث عنه قطعٌ كثيرةٌ يضمها المعرض الإسرائيلي. إنها ترينا ألواحاً مصرية كانت منصوبةً في مدخل بيسان، إحدى ثلاث نقاط رئيسية للتمركز العسكري المصري، كما تعكس لنا بعض القطع أهمية غزة (آثار أم العجول)، أو يافا.

حاكمان مصريان حديثان أوليا الجغرافيا السياسية أهمية مماثلةً لما فعله ملوك مصر القدماء، هما محمد علي باشا وجمال عبد الناصر. وبصرف النظر عن الدعاوى القومية الناصرية، فقد كان عبد الناصر يعرف، معرفةً شخصية، أهمية فلسطين في الأمن القومي المصري. كان ضابطاً في الحرب وقارئاً للتاريخ، وكان صاحب مشروع. عندما تكون مصرياً وصاحب مشروع، فأنت، بلا شك، مدركٌ أهمية محيطك، بصرف النظر عن الروابط الثقافية التي تربطك به. لم يول حاكم مصري، بعد عبد الناصر، أهميةً لمحيط مصر، وهذا يعني الكثير لدور مصر في منطقتها العربية والأفريقية. ظلَّ هذا الدور، لسوء حظ المصريين والعرب، يتقزَّم ويتقزَّم حتى وصل إلى حجم عبد الفتاح السيسي. 

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن