الغياب والحضور العربي في ملف غزة

عدنان الحسني

avata
عدنان الحسني
26 اغسطس 2018
F1D244B8-3DF7-4826-A7EB-A2FD9A768EB7
+ الخط -
كان يعاب على النظام السياسي العربي الرسمي في موقفه من القضية الفلسطينية اكتفاءه بالشجب والتنديد ردا على أي عدوان إسرائيلي، ولم يكن يدور في فكر ووعي المُنكرين للأمر أن الموقف العربي سيغيب حد التلاشي عن القضية الفلسطينية، ولن يقترب منها إلا للمرور صوب تل أبيب، وسيصبح الضغط العربي الرسمي جزءاً من ترويض المقاومة الفلسطينية وستصبح القضية حكراً على الذين سمحت لهم إسرائيل بالتواصل مع المقاومة من أجل ترويضها وتمرير الرسائل وإطفاء الحرائق.
التقطت بعض العواصم العربية خيط التهدئة والتسوية واختصت وحدها باستدعاء الفصائل من أجل ذلك، والسؤال أيهما أهم القدس والتهويد والأرض والثوابت والحقوق وبناء موقف دولي إسلامي داعم أم تمثيل دور وكيل إسرائيل ووسيطها لدى المقاومة الفلسطينية.
لم تعد فلسطين قضية العرب الأولى بكل بساطة، على الرغم من ارتباط القضية تاريخيا بمعادلة غاية في الأهمية وهي أن من يريد قيادة النظام الرسمي العربي عليه تبني القضية الفلسطينية، لكن الحاصل الآن هو تغليب الابتعاد عن القضية لصالح قضايا وحسابات ومعارك داخلية أخرى، والمفارقة أن السعودية مثلا تبحث وتسعى لتقود النظام العربي والوصاية عليه لكن دون أن تكون جزءاً من المعادلة أو كلفة الاقتراب من القضية الفلسطينية، وهذه مفارقة غير مسبوقة، وربما اكتفت بتفويض الأمر للقاهرة لتلعب هي الدور كاملاً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وهو الحاصل.
لكننا أمام نتيجة حساباتها مختلفة وتداعياتها كذلك، فالاقتراب من واشنطن وتل أبيب على حساب الابتعاد عن فلسطين أدى لتشكل سؤال شعبي مشروع أثير أخيراً وأصبح حديث مواقع التواصل الاجتماعي ومادة لمقالات الرأي ومفاده "لماذا تكره الشعوب العربية السياسة السعودية الرسمية؟! هل لكونها اختارت الاقتراب من واشنطن في الوقت الذي تغولت فيه واشنطن وأوغلت في أقدس مقدسات المسلمين بعد مكة والمدينة، القدس، حتى بدا وكأنها توافق على الخطوات الأميركية؟ أين المواقف العربية الحقيقية والرافضة أو حتى المنددة بالتغول الأميركي على القضية الفلسطينية؟".
هل غياب العرب هو المسؤول عن تشكل هذه المعادلة بكل تفاصيلها وهو المسؤول عن ذهاب واشنطن لهذا الحد تجاه فلسطين والقدس؟ ولماذا بعض العرب وصل بهم الحال حد التماهي مع واشنطن وترامب وبعضهم قرر الانسحاب حد الغياب والتلاشي؟ لماذا قرر العرب الغياب عندما بات الأمر يتعلق بمكونات القضية الفلسطينية كنقل السفارة الأميركية للقدس وتقليص دعم أونروا وتصفيتها؟ ما الذي حدث من سبعينيات وقف تصدير البترول العربي إلى الآن؟ ثلاث حروب شنتها إسرائيل على قطاع غزة والرابعة تلوح في الأفق ولم يفكر النظام العربي الرسمي بالاعتراض أو بمعاتبة واشنطن.
إن فلسطين عموماً وغزة تحديداً تعكسان حالة النظام العربي، قدرته وفاعليته وآلية تعاطيه مع العالم وآلية تعاطي العالم معه، لكن الواقع الحاصل يعكس حالة هوان غير مسبوقة.
تُقاد غزة الآن لتوقع على اتفاق هدنة أو تهدئة مع إسرائيل برعاية مصرية، وهي مجبرة ولا تمتلك حرية رفض ما هو معروض عليها. ومتابعة الخطاب الإسرائيلي عن الدور المصري في ذلك مهولة جدا، حتى بدا أنه يعكس تماهياً أفضى للقول إن معبر رفح لا يفتح إلا بموافقة وتنسيق مسبق ما بين القاهرة وتل أبيب. غزة الآن تقاد بالعصا والجزرة، والسبب غياب العرب، حتى في ما بينهم اختلفوا على كيفية الاقتراب من غزة والوقوف معها وتُركت لتلاقي مصيرها ومسيرتها وثورتها.
بعض الدول العربية تُقدم الدعم المالي للسلطة مثلا دون أن تسأل هل يصل هذا الدعم لمستحقيه في قطاع غزة أم يُلوح به كعقاب لغزة وموظفيها...! الغياب العربي لم يفض لتغول واشنطن وتفرد مصر، بل أدى لبناء حالة فكرية فلسطينية تقول إنه لا يمكن ولم يعُد ممكناً الرهان على العرب بالمطلق، وتطور الأمر أخيراً حتى تشكل فهم فلسطيني يقول إن العرب باتوا جزءاً مما يحدث لفلسطين وفي فلسطين. ببساطة ماذا لو قررت الفصائل الفلسطينية في غزة رفض الوساطة المصرية في الذهاب لتهدئة إجبارية؟ هل سيبقى معبر رفح مفتوحاً رغم أنه يعمل مع وقف التنفيذ حتى الآن. من يضمن ألا يُعاقب العرب غزة على رفضها الانصياع والحضور لباب الطاعة والوصاية؟
غزة التي حوصرت وعوقبت وتمت شيطنتها يُحتفى بها الآن ويُحتفل بوفودها وتُفتح لها المعابر وتُقدم الضمانات لقادتها، هل تغيرت مثلاً؟ ما الذي حدث حتى تحول الموقف منها؟ المعامل الوحيد هو إسرائيل. هكذا ببساطة شديدة قررت إسرائيل تفويض بعض العرب لترويض غزة، فقرروا الاقتراب من غزة ومن حماس التي كان الاقتراب منها بالأمس يعتبر تخابراً مع الأعداء.
واقع غزة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وإنسانياً لم يعد خافياً على أحد، وتقارير الأمم المتحدة قالت إنها لم تعد صالحة للحياة. هل التقط العرب هذه التقارير والتحذيرات؟ نعم، ولكن وفق خطة أميركية إسرائيلية، بمعنى لم يكن الاقتراب العربي من غزة مستقلاً، فالتخفيف عن غزة بات جزءاً من استراتيجية عربية أميركية بموافقة إسرائيلية لمنع الانفجار فقط، وقد كشف جاكي خوجي، الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية في صحيفة "معاريف"، أن هناك خطة إنسانية تضمن تسهيلات معيشية لقطاع غزة، تساهم فيها إسرائيل والولايات المتحدة والأردن. وتقوم الخطة على ضخ أموال بملايين الدولارات إلى أسواق وبنوك قطاع غزة، كي لا تتدهور الأمور نحو مواجهة عسكرية. هكذا اختصرت القضية الفلسطينية في غزة واختصرت غزة في أنها أصبحت مجرد قضية إنسانية.
اختتم بواحدة من شواهد التردي على الغياب العربي عن غزة وصل حد الاستجداء الفلسطيني لموقف عربي، عبر عنه صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي استنكر غياب الموقف العربي إزاء الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي كل يوم جمعة، خلال مسيرات العودة الكبرى. لم يطلب عريقات تشكيل جيش إنقاذ عربي والقتال على جبهة غزة، طلب من العرب رفض العدوان وإدانة القتل الحاصل لشعب فلسطين في غزة وعلى حدودها في مسيرات سلمية شعبية، استجدى عريقات موقفاً عربياً يدين استباحة دماء الشعب الأعزل، وطالب علنا بأن يقطع العرب علاقاتهم بواشنطن بدلاً من الاستمرار في مكافأتها وتقديم أوراق الاعتماد لها. أصاب صائب عندما قال: من يعتمد على إدارة ترامب في الحماية أو التحالف، عليه أن يعيد حساباته.

ذات صلة

الصورة
وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي (العربي الجديد)

سياسة

أكد وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي أن قضية فلسطين ستظل محور اهتمام الدول العربية والإسلامية، وكذا دول الخليج.
الصورة
أطفال وأمطار في مخيم في دير البلح - وسط قطاع غزة - 24 نوفمبر 2024 (علي جاد الله/ الأناضول)

مجتمع

أفاد جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة بأنّ خيام النازحين الفلسطينيين تعرّضت لأضرار جسيمة من جرّاء الأمطار وغرقت في مياهها، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم معاناتهم.
الصورة
صندوقة خاض تجربة مريرة بسجون الاحتلال في مقتبل العُمر (العربي الجديد/Getty)

رياضة

روى المدرب الفلسطيني أيمن صندوقة، صاحب الأكاديمية الرياضية التي دمرها الاحتلال في منطقة شمال غرب القدس، لـ "العربي الجديد"، تجربته القاسية مع حلمه.

الصورة
الطبيب الأميركي طلال علي خان (الأناضول)

مجتمع

أعلن الطبيب الأميركي من أصول باكستانية طلال علي خان، الذي عمل لفترة في قطاع غزة في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية، أن نظرته للحياة تغيرت جراء ما شاهده من أهوال