الغريب كمصدر للشر

الغريب كمصدر للشر

15 يوليو 2018
اللاعب الألماني من أصول تركية مسعود أوزيل (Getty)
+ الخط -
قبل أسابيع من انطلاقة المونديال، قام اللاعبان الألمانيان، من أصول تركية، مسعود أوزيل وإلكاي غاندوغان، بالتقاط صور مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ الأمر الذي أدى إلى إثارة الكثير من الجدل حولهما، ودعا البعض إلى إقصائهما من تشكيلة المنتخب المشاركة في كأس العالم، بحجة أنهما لا يتمتعان بالولاء الكافي لتمثيل المنتخب الوطني! وبعد أن خرجت ألمانيا من المونديال في الدور الأول، تعالت أصوات المنتقدين لتحميل الغرباء مسؤولية الفشل، ولاسيما أوزيل، الذي شارك أساسياً مع المنتخب، ولم يقدم المستوى المأمول منه، ليتحول الغريب التركي إلى شماعة تعلّق عليها كل الأخطاء.

وتداول العرب هذه القصة بشكل خاص، حيث جعلتهم يفكرون ملياً في مستقبل اللجوء، فإنجازات أوزيل الكبيرة في الكرة الألمانية، ومساهمته في تحقيق كأس العالم سنة 2014، لم تشفع له أمام انتقادات الألمان؛ ليبدو واضحاً أن الزمن والإنجازات لن يؤثرا على محو صورة الغريب أو الآخر، بما تمثله من شر محتمل.

ومن الممكن قراءة هذه الظاهرة إذا ما عدنا إلى الدراما، فشخصية الغريب لطالما كانت مصدراً لشر محتمل. ويبدو ذلك واضحاً في تاريخ الدراما، فشخصية "ميديا" في مسرحية يوربيدس الإغريقي، تعتبر أول شخصية في تاريخ المسرح تتناول مفهوم الغريب. و"ميديا" هي امرأة غريبة دخلت إلى المجتمع اليوناني من خلال زواجها من "ياسون". وهي امرأة ماهرة بالسحر وتتمتع بقدر عال من الشر؛ فهي قامت بقتل أخيها وتقطيعه إلى أشلاء ونثره في البحر، لتتمكن من الهرب من والدها والزواج من "ياسون"، وعندما تعرضت للخيانة، تنتقم شر انتقام، فتقوم بحرق زوجة "ياسون" الجديدة من خلال ثوب مسحور، كما أنها تقوم بقتل أبنائها من "ياسون" وأكلهم انتقاماً منه!

هذه الصورة المرعبة التي تجلّت بها شخصية الغريب في المسرح اليوناني، تعكس طبيعة المخاوف الاجتماعية من الغرباء المستوطنين. ورغم أن تاريخ الدراما تكفّل بأنسنة الغريب نوعاً ما، إلا أنه بقي مصدراً دائماً للشر الكامن، حتى في مسرحيات شكسبير التي تعطي الغرباء ملامح بطولية خاصة، كما يحدث في "عطيل"، لكن تبقي ذلك الاختلاف العرقي والثقافي دافعاً لارتكاب الجريمة، لينساق "عطيل" في نهاية المطاف إلى المصيدة ويقتل "ديزدمونة" بوحشية. وفي القرن العشرين، بدأ الكُتاب وصناع الدراما يبحثون عن دوافع أكثر إنسانية للغرباء الذين يرتكبون الجرائم، كما يحدث في مسرحية "منظر من الجسر" لآرثر ميللر، والذي يبرر بشكل إنساني الجريمة التي يرتكبها المهاجر الإيطالي غير الشرعي بحق المواطن الأميركي، ولكنه مع ذلك يبدو طيلة الوقت مصدراً محتملاً للشر، ويرتكب جريمة قتل في النهاية.
وبدورها، فإن الدراما العربية لم تقدم صورة مختلفة عن الغرباء، ففي مسلسلات البيئة الشامية دائماً ما يكون الغريب مصدراً للشر، كما هو الحال في مسلسل "باب الحارة"، الذي تتحرك الأحداث به، في كل جزء، تبعاً لدخول شخصية جديدة، غريبة عن الحارة، وتنعت بـ"الداسوس"، تقوم بزراعة الشر والمكائد من دون دافع شخصي يجعلك تتعاطف معها حتى. وفي بعض المسلسلات العربية، يتم التركيز على شخصيات الغرباء ويتم تصوير اندماجهم في المجتمع باعتباره أمراً مريباً بوصفهم مصدراً ممكناً للشر، كما يحدث في المسلسل المصري "للعدالة وجوه كثيرة"، والمسلسل السوري "الغدر".

المساهمون