الغرباء في الدار.. هكذا واجه الصحويون دخول السعوديات الإنترنت

الغرباء في الدار.. هكذا واجه الصحويون دخول السعوديات الإنترنت

14 سبتمبر 2015
نساء سعوديات
+ الخط -

على سبيل الاستغراب والاستنكار، تداولت كثير من مواقع الإنترنت، خلال السنوات الماضية، فتوى مثيرة للدهشة والحيرة من مساقات التفكير التي أوصلت إلى نتائجها، كانت الفتوى تنص على "عدم جواز دخول المرأة الإنترنت دون محرم".

الشيخ الذي نسبت إليه أنكر فتواه بها، إلا أن الرأي الذي تحمله الفتوى يتبناه آخرون ممن ينطلقون من رؤية سلفية/صحوية، كتعبير من ضمن تعبيرات متنوعة عن ارتباك التيار السلفي والصحوي في الخليج تجاه هذا التحول الهائل في نمط التواصل بين الأفراد عبر الإنترنت والهاتف المحمول، التحول الذي أعاد تعريف الحدود التقليدية بين الفضائين الخاص والعام.

اقرأ أيضاً: أكاديميون وهميون في السعوديّة

داخل البيت وخارجه: انهيار الحدود


ينظم الفقه الإسلامي، علاقات الحركة والتواصل والاختلاط بالآخرين، والسلطة بين الزوج وزوجته والولي داخل البيت وخارجه، باعتبار أن الخروج من البيت هو السبيل الأساس للتواصل مع الآخرين والاختلاط بهم، وكان الخطاب الصحوي في ذلك استمراراً لهذا التقليد الفقهي إجمالاً.

وتشير مفردة الصحوة إلى التيار الإسلامي الحركي والمتأثرين بخطابه، ويتواتر استخدامها في سياق الحديث عن هذا التيار في الخليج وإن لم يندر استخدامها عربياً، ووقع الارتباك الأول لهذا الخطاب بسبب وجود طريق محدث للتواصل مع الآخرين هو الهاتف التقليدي.

لا تزال ذاكرة الأجيال الشابة من مواليد الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم، محملة بتلك الرسومات التي تصور الهاتف التقليدي كأداة "لانحراف" الفتاة وثعباناً مسموماً يصلها "بالذئاب البشرية".  لكن الثورة الهائلة في وسائل التواصل والتي هبت على الشعوب الخليجية، منذ منتصف التسعينات، ومكنت كثيراً من النساء من التواصل الحر ومن تكوين فضاء عام افتراضي يحضرون فيه بهوياتهم الخاصة، كانت مصدر إرباك وحيرة هائلة للوعي الصحوي، إذ إن الهاتف الجوال والذي يصفه أحد المعلقين الغربيين"بأنه أداة مدهشة للتحرر الشخصي" مضافاً للإنترنت شكلا دعماً بشكل كبير لاستقلال الفرد عن تحكم العائلة الصغيرة في شكل ومدى تواصله مع الآخرين. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أصبح هذا النمط من التواصل بتركيزه على مضمون الكلام سبباً للندية في التواصل بدل الشعور في اللقاءات الواقعية بتفوق ذكوري على الأنثى في بيئة لم تزل مشرقية لحد كبير في هذا الإطار.

هذا التحول تبلور، أخيراً، بالحضور الهائل للشباب من الجنسين في الشبكات الاجتماعية، فبحسب تقرير The Online Project" صدر في بداية سبتمبر الحالي"بلغ عدد مستخدمي تويتر من السعودية على سبيل المثال 9 ملايين مستخدم، و 8.8 ملايين مستخدم للانستغرام، ويشير التقرير إلى أن معظم الهاشتاغات في انستغرام تشير إلى تحوله تدريجياً إلى مجتمع نسائي. خلال هذا الحضور الدائم في شبكات كانستغرام وسناب شات وباث وتويتر يشجع الأفراد بعضهم بعضاً من خلال تواصلهم اليومي على كسر بعض المحظورات الاجتماعية في التواصل، وتتزايد أعداد الفتيات اللواتي يحضرن في الفضاء العام الافتراضي بهوياتهن الحقيقية.

اقرأ أيضاً: زحام الخليج (1)..4 سنوات من الازدحام المروري تنتظر الرياض

الدهشة ومقاومة الاختلاط الجديد


أمام كل هذا التحول في نمط التواصل والتفاعل بين الجنسين بقي الخطاب الصحوي حبيس أفكار غير قادرة على مقاربة ما يحدث لأنها أفكار تمت بلورتها في عالم كان يملك نمطاً من التواصل لم يعد قائماً اليوم، واستمر بعض رموز هذا الخطاب يحاولون بلورة طرق لمقاومة هذا الاندفاع المحموم للتواصل عبر تأكيد ما يرونه من قيم دينية أساسية، منطلقين من نظرة للمرأة كجنس يسهل التغرير به ويجب بالتالي حمايته.

في حوار مع الشيخ خالد السبت حول إشكالات التواصل في المنتديات ومواقع الإنترنت عموماً، أجاب عن استفسار حول مشاركة المرأة في المنتديات المختلطة بـ"أن المرأة عورة. والعورة: هي كل شيء يحتاط له ويتخوف عليه فتطلب صيانته وحفظه، فلا ينبغي للمرأة أن تدخل في مجال سواء كان في هذه الشبكة أو في غيرها، بحيث أنه يكون، ذلك، سبيلاً إلى التغرير بها أو جذبها واستهوائها وإيقاعها في ما لا تحمد عاقبته".

وفي إجابته عن حكم وضع بعض المصممات أعمالهن أمام الرجال في المنتديات وتلقي الثناء على هذه الأعمال.  قال "إن هذا يؤدي إلى علائق ووشائج وميل قلبي إلى أولئك الموافقين المعجبين، ثم بعد ذلك يحصل التواصل خارج هذه المنتديات، فالسلامة كل السلامة في البعد"، وفي فتوى للشيخ محمد المنجد، نبه على أن "من الآثار السيئة المترتبة على مشاركة المرأة في المنتديات، هو افتتانها ببعض الرجال، وتعلق قلبها بهم، والعكس كذلك، لاسيما والمرأة ضعيفة تؤثر فيها الكلمة من نحو: أحسنت، وجزاك الله خيراً، فإذا تكرر الثناء أثمر التعلق: خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثّناء. ولهذا كان الحزم هو عدم مشاركة المرأة في منتديات الرجال إذا أحست بشيء من ذلك".

بناءً على هذه النظرة تعددت الآراء الصحوية في كيفية التعامل مع التداخل الذي حصل بين الفضائين الخاص والعام، حتى أصبح دخول المرأة إلى الإنترنت كما يصفه أحد المتحاورين في منتدى إسلامي، يحتاج إلى استئذان الزوجة زوجها لدخول الإنترنت، قائلاً "إنه لا أحد يرضى أن تتحدث زوجته أو أخته مع أحد لا يحل لها ولا أن يحدثها أو يخاطبها أحد من الناس لا يحل لها إلا بإذنه هذا من حقه عليها" وبتعبير متحاور آخر، "الإنترنت عالم اختلاط خفي".

أي أن الإشكال في الخروج من البيت، هو التواصل مع الغرباء، وها قد حضر الغرباء الى البيت، فأصبح لا مفر من ترتيبات أخرى لمقاومة هذا الاختلاط، بدءاً من قياس وجوب استئذان الزوج دخول الإنترنت على وجوب استئذانه للخروج من البيت، وهو الرأي الذي يتردد كثيراً في النقاشات الإسلامية حول حكم دخول المرأة" للمواقع المختلطة". فالإنترنت وفق هذه النظرات، هو كما في تعبير مثير لأحد المعلقين على القضية "عالم آخر فيه رجال ونساء، فيه خير وشر. عالم الإنترنت والمنتديات الحوارية تُخرج الإنسان من مكانه الضيق إلى عالم فسيح مليء بكل غريب وجميل".

إذن فهذا العالم الافتراضي الذي حل في داخل بيوت الناس وفي أياديهم عبر الهاتف المحمول، هو عالم مليء يثير الدهشة والخوف من الافتتان به في آن واحد، وهو ما يستدعي من وجهة النظر الصحوية ترتيبات أخرى وتنزيل جديد لأحكام الفصل بين الجنسين، فهو اختلاط حقيقي استدعى عند مجموعة من المعلقين في الحوارات بالمنتديات الإسلامية ضرورة "وجود محرم مع المرأة عند دخولها الإنترنت، أو عموم الاستئذان بدخوله من وليها سواء كان زوجاً أو أباً"، أو أن يتعامل مع الإنترنت كالقنوات الفضائية يوضع جهاز الدخول إليه تحت الرقابة بمكان بارز من البيت، كما يوصي الشيخ محمد موسى الشريف، في كتابه "حياء المرأة عصمة وأنوثه 2010"، و من المقترحات، أيضاً، أن تشارك المرأة زوجها في نماذج مما تكتب أو أن تدعه يدخل إلى المنتدى بحسابها الشخصي ليحصل له الاطمئنان القلبي. فبحسب رؤية صحوية سائدة كثير من النساء، اليوم، بمن فيهن الطاهرات العفيفات - كما ينبه أحد المعلقين- افتتنوا "والسبب غياب رجل البيت وإهماله بيته وتركه أهل بيته أمام كل هذه التيارات والجماعات والأفكار بدون متابع".

ومع انتقال الإنترنت من كونه دخولاً عبر جهاز الكبيوتر (الديسك توب) إلى الهاتف المحمول، أي كون الاتصال بالإنترنت صار فعلاً دائماً من جهاز ملاصق للشخص -وهو ما يعبر عنه كثرة حضور السيدات الخليجيات في شبكات الانستغرام والباث والتي تتطلب الدخول أساساً من هاتف ذكي-، فإن ما يؤدي إليه هذا التشديد على ربط دخول الإنترنت بمراقبة وليها، هو أن تصبح محاربة الاختلاط نزاعاً ليس مع مساحة حركة الجسد في المدينة بل مع ذات تفاعلات المرأة الخاصة، في كل وقت وفي كل مكان ومع تصرفها في نفسها، وهو ما التقطته بفطنة محاورة - تتحدث من منطلق إسلامي أيضاً- في أحد المنتديات الإسلامية حين ضجرت من التحكم الذي تشي به هذه الآراء على الرغم من إقرارها مبدئياً بالحكم الذي يقيس عليه الآخرون، وهو وجوب استئذان المرأة زوجها للخروج من البيت، فقالت مؤيدة بمجموعة من المعلقات الأخريات "القرار في البيت حق من حقوق الرجل ولا تخرج الا بإذنه والبيت مثل المؤسسة والشركة، لابد فيها من قواعد تضبطها وإلا فسدت هذه الشركة، أما تصرفات المرأة في نفسها وما يتعلق من تصرف في المال ودخول المنتديات وغيره، فليس للرجل التحجير على المرأة. وهل للمرأة أن تستأذن الزوج قبل أن تقرأ كتاباً أو تستأذنه في الأكل أو الشرب أو تنظيف البيت؟ المرأة ليست أمة اشتراها بماله حتى تعامل معاملة العبد وتحرك بالريموت كنترول، وهذا ينم عن الحب المفرط من الرجل في السيطرة على المرأة واستعبادها ليس إلا".

اقرأ أيضاً: تزييف الشهادات الجامعية.. تجارة الوجاهة الاجتماعية في السعودية

التواجد الضئيل في الإنترنت


تحت ضغط حاجة المرأة للتواصل مع الآخرين بمن فيهم الدعاة والعلماء، بدأ يستقر القول الصحوي - إجمالاً دون أن نستوفي كل الأقوال- على أن يكون التواصل عبر الإنترنت بين النساء جائزاً ومع الرجال للحاجة وفق ضوابط تدور حول تحري الاحتشام في الحديث واقتصاره على حدود الحاجة، ويفتي الشيخ عجيل النشمي أن "المحادثة إن لم يكن لها غرض مشروع من معرفة حكم شرعي، أو علم ينتفع به، أو صلة رحم ونحو ذلك فإنه من العبث، وفتح أبواب للشيطان، فإن كانت المحادثة بين رجل وامرأة فهذا ألزم في المنع، فهي أجنبية عنه وهو أجنبي عنها لا يحل المحادثة بينهما إلا لغرض مشروع"، وعدم التميع فيه بما في ذلك الضحك واستخدام الأيقونات التعبيرية" لأن هذه الوجوه تعبر عن حال واضعها، فكأنه يبتسم ويضحك ويخجل إلخ، وليس للمرأة أن تفعل ذلك مع الرجل الأجنبي" كما يقول الشيخ محمد المنجد، فيما يحاول الشيخ حامد العلي التوسط في هذا الأمر عن هذه المواقف بتركيزه على تأكيد الجنسين على طهارة وحشمة التواصل بينهما ولو مع قليل من اللطافة مع" تجنب العبارات التي من شأنها الإشعار بطلب التفات قلب الجنس الآخر إلى كاتب العبارة التفاتاً عاطفياً".

وفيما تشير التحولات الجارية بين النساء، والفتيات على وجه أخص، إلى حضور متزايد لهويتهن الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي ومشاركتهن للحظات الخاصة الآخرين، تصبح كثير من هذه الآراء الصحوية في حالة معاكسة تصر على تضاؤل حضور هوية المرأة في هذا الفضاء العام بقدر الإمكان وفي حدود الضرورة، من تحريم وضع صورتها الشخصية منعاً للافتتان بها، إلى منع التواصل الخاص بينها وبين الرجل، إلا في حدود الضرورة القصوى وبمعرفة وليها، كما يؤكد بعض المعلقين، بل يؤكد بعض المتحاورين في هذه القضية بمنتدى إسلامي على الانتباه إلى ما قد يسببه تأييد آراء الآخرين في المنتديات من تعلق بالمرأة التي عبرت عن تأييدها الرأي، بل الظن بوجود ميل قلبي لديها لصاحب الرأي.

ختاماً، يجدر التفكر إن كان هناك من داخل هذا الأفق الذي تحفر فيه هذه الآراء الفقهية أي طريق يمكن تخيله بإمكانه إيقاف هذا الاندفاع والشغف المتنامي للتواصل بين الناس وإعادة ترتيبات الفصل بين الجنسين كما يحلم به العقل الصحوي؟ وإن كان الخيال لا يجود بمثل هذا الطريق، فيجدر الالتفات إلى مثل ما شعرت به تلك المحاورة في منتدى إسلامي حين حاصرتها مثل هذه  الآراء فكتبت مواجهة لها "وأما تصرفات المرأة في نفسها فليس للرجل التحجير على المرأة فيها، المرأة ليست أمة اشتراها بماله حتى تعامل معاملة العبد وتحرك بالريموت كنترول"، فالعقل المسلم المتحير مطلع القرن الحادي والعشرين أمام مكسب الحداثة التاريخي، بروز الفرد المستقل وتعزز ذاتيته، حين يحاول عاجزاً استعادة هذه الترتيبات التاريخية من شكل للعالم لم يعد قائماً، اليوم، إنما يخلص لمواجهة مع الإنسان في أخص ما يعرف به كرامته: اختياره وتصرفه في ذاته.

-------
اقرأ أيضاً:
سعوديون في داعش..12 سبباً تدفع مراهقي المملكة إلى التنظيم