Skip to main content
الغراند بازار بإسطنبول.. أكبر مركز لباعة السُّبَح في تركيا
باسم دباغ ــ إسطنبول
البازار الكبير في إسطنبول حيث أهم مركز لباعة السبح(Getty)

ما زالت علاقة الرجل التركي بالسُّبَح علاقة قوية، على عكس علاقة الرجل العربي، الذي بدأت تتراجع علاقته مع السُّبح بعد دخول أجهزة الهاتف المحمول الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي. ولا تقتصر العلاقة على الشيوخ، بل للسبح مكانة خاصة عند شريحة واسعة من الشباب التركي، إذ تبدو السبح من أول الأشياء، التي يضعها الشباب على الطاولة في أي مقهى أو مطعم، إضافة إلى علبة السجائر والهاتف المحمول والمحفظة.

ورغم تنامي اهتمام المرأة التركية بالسّبح أيضاً، إلا أنها تبقى أمراً يتعلق بالرجال، بدءاً من التصميم إلى الحرفيين الذين يعملون عليها مروراً بالبيع وانتهاءً بالمستهلك الأول لها.
يعتبر سوق كابالي جارشي أو الغراند بازار في مدينة إسطنبول، أهم مركز تجمّع باعة السبح في المدينة، ويقول محمد، أحد الذين يعملون في بيع السبح منذ عشرين عاماً: "منذ وقت طويل لم تعد السّبح أداة للتسبيح والتقرّب إلى الله، بل أصبحت أقرب لأن تكون جزءاً لا يتجزأ من الإكسسوارات الرجالية. وأكثر من هذا، شهدت هذه التجارة في السنوات الأخيرة إقبالاً متزايداً من الشباب من مختلف الطبقات الاجتماعية، كما يحدث الآن مع الخواتم التقليدية ذات الأحجار الكريمة".

ويضيف محمد: "تعكس السبحة شخصية حاملها، بحسب اللون والتصميم وطبيعة المادة التي صنعت منها، بل باتت وسيلة للتفاخر الاجتماعي، إذ تتراوح أسعار السبحة بين 10 دولارات وصولاً إلى آلاف الدولارات إن كانت من أحجار كريمة غالية أو مطلية بالفضة، كما أن بعض المواقع على الإنترنت تقدم خدمة بيع السبح بالتقسيط"، حيث وصل سعر إحدى السبحات في ولاية ماردين (جنوب شرق البلاد)، وهي مصنوعة من الكهرمان والمزينة بحجر اللازورد والفضة، إلى 400 ألف ليرة تركية، أي ما يقارب 130 ألف دولار.

ويكاد يكون حمل السبح من أهم العادات المشتركة بين مختلف الطبقات الاجتماعية التركية، فيحملها سائق التاكسي كما يحملها أساتذة الجامعات، كما أنها تعتبر عادة مشتركة بين مختلف الأعراق والأديان في تركيا، فيحملها الأكراد والأتراك والعرب والشركس، وأيضاً العلويون والسنّة والمسيحيون.

ازدادت أعداد هواة تجميع السبح في تركيا خلال العقد الأخير، بل وباتت في بعض الأحيان تستخدم للتعبير عن الهوية السياسية لحاملها، إذ يعتبرها المحافظون الأتراك من قوميين وإسلاميين نوعاً من إظهار الانتماء القومي الديني، وإن كان حمل سبحة أمراً محبباً حتى لبعض نواب البرلمان الماركسيين.

تختلف المصادر التاريخية في بداية استخدام السبح، فالبعض يشير إلى أن أول ظهور للسبح كان في الهند عند البوذيين والهندوس، وبعضها يؤكد أن أول استخدام للسبح كان قبل خمسة آلاف عام عند السومريين، لتنتشر منهم إلى باقي الحضارات، حيث استخدمها الفينيقيون للطقوس والشعائر الدينية وكتعاويذ وتمائم، ومن ثم تبنتها المسيحية والإسلام، ولا يختلف عدد حبات السبح في تركيا عن العالم العربي، فأغلب السبح تتكوّن من 33 حبة أو 99 حبة، كما أن بعضها قد يصل إلى 500 أو ألف حبة.

هناك ستة معايير لتقييم السبح، أولاً المادة التي صُنعت منها، ثانياً عدد الحبات وأحجامها، حيث يتم تقييم مدى تماثل الحبات في الحجم والملمس، ويُطلق اسم "السبحة السكرانة" على تلك التي تختلف حباتها في الحجم والملمس، ثالثاً التناغم بين اللون والصوت الذي تنتجه السبحة عند حكها ببعضها، رابعاً مدى قِدمها، خامساً مدى دقة وقوة رأس السبحة الذي يطلق عليه في التركية الإمام، حيث يعتبر الإمام أهم قطعة في السبحة التي تشير إلى مدى العناية والدقة والحِرفية التي صُنعت بها، ويصنع الإمام عادة من الفضة، لكن الأغلى قيمة هي السبح التي يكون فيها الإمام مصنوعاً من المادة ذاتها التي صنعت منها السبحة، كما يُنظَر إلى الزينة التي تقع فوق الإمام والتي يطلق عليها بالتركية التبليك.

وبحسب محمد، فإن المعيار الأخير والأهم هو البساطة، فالسبحة الأغلى ثمناً بالنسبة لهواة جمع السبح هي تلك التي تكون الأقل قدرة على لفت الانتباه، لأنهم لا يرونها حليّاً أو مجوهرات بل رفيقاً دائماً.

وتصنع السبح من الأحجار الكريمة، كالعقيق والفيروز والكهرمان واللؤلؤ، وأنواع مختلفة من الخشب، كخشب شجرة التفاح والصندل وبذرة الزيتون والكوك، حيث تشتهر إسطنبول بمسابح الكوك المطعّمة بالفضة، والتي كان يفضّلها الأطباء في العهد العثماني. ومن أغلى السبح ثمناً هي تلك التي تُصنع من عظام الحيوانات، مثل العاج، وأيضاً سُبَح الباغ، التي تصنع من صدف سلاحف الكارتيلا.