وبعيداً عن القيل والقال، فإن ريال مدريد يعاني فعليّاً على الصعيدين الدفاعي والهجومي خلال عام 2015، ومن بين أسباب عديدة، يأتي الشق التكتيكي ليطل برأسه أمام المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي، الذي يعيش لحظات مصيرية، ويحتاج إلى انتعاشة جديدة في لحظات الحسم من الموسم الكروي الحالي، وكانت هناك محطات مهمة يجب الوقوف عندها من أجل رصد رحلة الملكي في الصعود إلى الهاوية بسرعة صاروخية!
توني كروس
رقمياً وإحصائياً، ثلاث دقائق هو الزمن الذي يحصل اللاعب فيه على الكرة، وبالنسبة لأعظم اللاعبين الذين يجيدون التصرف تكون أربع إلى خمس دقائق، أما المدافعون فتكون دقيقتين فقط. لذلك السؤال يجب أن يكون، ماذا ستفعل خلال الـ 86-87 دقيقة الباقية من دون كرة، وإجابته ستخبرك حتماً إذا كنت تدافع وتهاجم بشكل جيد أم لا، لأن المباراة تشمل اللعب بالكرة ومن دونها. فتّش عن صناعة القرار، عن الفراغ، عن التمركز.
ورغم أن ريال مدريد أحد أفضل فرق العالم في فكرة امتلاكه أسلحة هجومية عديدة، إلا أنه يعاني بعض الشيء من دون الكرة، خصوصاً في الفراغات بين الخطوط In Between Lines، وبالتحديد في الأماكن المتاحة بين الدفاع ومنطقة الوسط، لأن توني كروس في الأساس ليس لاعب ارتكاز دفاعي صريحاً.
عاد كروس إلى الخلف خطوات قليلة، وتحول من الرقم 8 إلى 6 داخل الملعب، من أجل تقليل المسافة بينه وبين لاعبي الدفاع، لكن مع غياب مودريتش، أشرك أنشيلوتي أكثر من لاعب مكانه من دون جدوى، وواصل استنزاف طاقات اللاعب الألماني، حتى انخفض مستواه كثيراً، لذلك دخلت مرمى الفريق أهداف عديدة من مشارف منطقة الجزاء، بسبب زيادة الضغط على منطقة الارتكاز، وصعوبة تغطية هذا القدر الكبير من الفراغات.
الدفاع، ماذا تغير؟
يعتقد بعضهم أن أخطاء الدفاع المدريدي ناتجة فقط عن هفوات فردية، لكن الأمر أكبر من ذلك، لأن هناك أيضاً أخطاء ناتجة عن الأداء التكتيكي للفريق ككل، بسبب إجبار قلوب الدفاع على الصعود المستمر إلى الأمام، من أجل معاونة لاعبي الوسط، واللعب بخط دفاع متقدم في سبيل الوصول إلى ضغط أقوى على الخصوم.
لا يمتاز الثنائي كروس ومودريتش بقدرة على أداء الكرات الهوائية، لذلك تكون الكرة الأولى من نصيب اللاعب المنافس في الغالب، ونتيجة لذلك، يصعد أحد لاعبي الدفاع من أجل المساندة، وهنا يحدث الفراغ المطلوب، فأي فقدان للكرة يعني وجود قلب دفاع واحد وثنائي من الأظهرة أمام المرمى، فتنفتح كافة الطرق نحو كاسياس، خصوصاً في حالة حصول المنافس على التمريرة الثانية.
تقدم الأظهرة
يهاجم الفريق المدريدي بقوة من الأطراف، ويلعب في الغالب بكل من مارسيلو وكارفخال أسفل الأظهرة، لذلك يندفع الثنائي إلى الأمام من أجل مساندة الفريق هجومياً، وحتى يتحول رونالدو إلى مركز المهاجم الصريح، ويحصل جاريث بيل على أريحية أكبر في التسديد من العمق، في ما يعرف تكتيكياً بالـ Overlap أي تحول الجناح إلى المركز من أجل فتح المجال أمام الأظهرة للتقدم.
كل هذا أمر إيجابي، لكن المشكلة في صعوبة التغطية خلف الأظهرة المتقدمة، فالدفاع اعتاد في السنوات الأخيرة على التمركز في الخلف، خصوصاً مع اعتماد الملكي على المرتدات، لكن مع الحيازة والسيطرة، تغيرت موازين القوى، وأصبح الفريق في حاجة مستمرة لعودة لاعب الارتكاز إلى الخلف، وقيامه بدور المدافع الثالث، حتى يتحول قلبا الدفاع إلى الطرف قليلاً لمسح فراغات الأظهرة.
وبالتالي تظهر الخطورة خلف الأظهرة، رغم قيام الثنائي مارسليو وكارفخال بمجهود مضاعف خلال الموسم الحالي، ومشاركتهم في أهداف عديدة بالشق الهجومي، لكن الخلل يأتي دائماً في التحولات، أثناء فقدانهم الكرة وعودتهم إلى مناطقهم دون مساندة.
عقم هجومي؟
فشل الريال في تسجيل أي هدف من لعب منظم خلال أكثر من 200 دقيقة في المباريات الأخيرة، إحصائية مرعبة تؤكد ضعف المردود الهجومي للفريق، وتعاظم المشكلة البعيدة تماماً عن مستوى النجم البرتغالي رونالدو فقط، لأن بقية زملائه في مستوى سيئ، خصوصاً جاريث بيل البعيد عن تألقه وكريم بنزيما صاحب الأداء المتذبذب في الآونة الأخيرة، لتتجه الأمور إلى فشل خط الوسط في الربط بين الدفاع والهجوم، كما كان يفعل بداية الموسم الحالي.
إيسكو لاعب رائع ومهاري جداً، مميز بالكرة وبدونها، ويعتبر أحد الأسلحة الفعالة هذا الموسم، وأضاف الكثير للفريق على مستوى بناء الهجمة من الخلف، واختراق الدفاعات الضيقة، لكنه لا يمتاز بالسرعة المطلوبة في التحول القاتل من الدفاع إلى الهجوم، كما كان يفعل أنخيل دي ماريا في السنة الفائتة، ومع إصابة خايمس رودريجز، زاد العبء على إيسكو هجومياً، ليترك الوسط بعض الشيء، فقلت زوايا التمرير أمام خط الدفاع، وبدا كروس وحيداً في أغلب الأوقات.
وبعد رحيل الأرجنتيني وقدوم الكولومبي، وبزوغ نجم إيسكو هذا العام، كان من المفترض قيام بيل بالدور الذي لعبه دي ماريا سابقاً، لكن مع إصابات الويلزي وابتعاده عن مستواه الكبير، حدثت الفجوة وأصبح نسق الفريق يسير ببطء شديد، خصوصاً أمام الفرق التي تدافع بشكل جيد، كأتليتكو مدريد وبلباو وبقية فرق الليجا التي سببت المشاكل للميرينجي.
العودة للقديم
ريال مدريد أنشيلوتي، نموذج غير ثوري على المستوى التكتيكي، لكنها محاولة جادة وناجحة في سبيل الوصول إلى صيغة النادي السوبر، الذي يجلب أكبر قدر ممكن من النجوم، مع مدرب يعرف كيف يتعامل معهم وأين يوظفهم، مع لعب قوي وخشن، وذكاء في التعامل مع المباريات، رفقة أسماء قادرة على اللعب المنظم المهاري، لذلك لديهم عدة أسلحة تساعدهم في حسم المباريات الكبيرة والمصيرية.
هذا هو التعريف المنطقي لأقوى نسخة ممكنة من كتيبة الملكي، لكن من أجل العودة إلى هذه الحدود، يجب على أنشيلوتي الاستعانة بصديق، والرجوع إلى مبادئ البرتغالي جوزيه مورينيو، أي التحول من السيطرة والحيازة إلى المرتدات الكاملة من جديد، وبالأخص في المباريات الكبيرة، كما فعل أمام برشلونة في نهائي الكأس الموسم الماضي، وفي الأليانز أرينا أمام بايرن ميونخ في دوري الأبطال.
وفي حالة استعادة معظم المصابين خلال الفترة المقبلة، فالتضحية بواحد من النجوم الكبار "خاميس رودريجز، جاريث بيل" ستكون منطقية جداً، والعودة إلى ثنائية لوكا-كروس في المنتصف، مع دعم غير محدود من ايسكو، لصنع ثلاثية الوسط في طريقة 4-3-3، التي تنقلب إلى 4-4-2 في الهجوم بصعود رونالدو إلى الأمام، وتغطيه بلاعب من الوسط، لكن كل هذا متوقف على مدى إمكانية بيل/ رودريجز/ إيسكو على القيام بدور الريشة اللاتينية دي ماريا في الموسم الماضي.