العودة إلى الوراء

22 مارس 2016
+ الخط -
كنت سأختار عنواناً آخر لهذا المقال، هو "الثورة المضادة في جامعة الدول العربية"، لكني استدركت قائلا: وهل حدثت هناك ثورة أصلا في الجامعة، حتى تليها ثورة مضادة؟ إذ مازال الأداء الركيك والباهت صفة دائمة لصيقة بهذه المنظمة منذ زمن طويل، ولم يتغير الأمر إلا فيما ندر، ونتحدث هنا عن حالات متفرقة، لا يزيد عددها عن أصابع اليد الواحدة.
ثم اخترت "العودة الى الوراء" عنواناً للتعبير عن الوضع الذي يتقدم فيه أحد رموز نظام الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، لتولي شؤون الأمانة العامة، فيما يفترض أنه أعلى هيئة جامعة للعرب، نظرياً على الأقل، وبالقدر الذي يحتم على واجهتها الخارجية أن تدل على التغيرات الحاصلة في المنطقة، فهل عجزت الدبلوماسية العربية عن إنتاج وجوه جديدة تتفاعل بحيوية مع متطلبات الوضع الراهن، وتعطيك نوعاً من الثقة الشكلية بأن هناك شيئاً يحاول التحرّك إلى الأمام، وبأن الزمن لا يعود إلى الوراء؟
سؤال من أسئلة عديدة، لابد أن نطرحها، ونحن نرى الاختيار إياه يصبح نافذاً، والسؤال الآخر: كيف سيتمكن من قيادة القاطرة العربية، والمواقف الصادرة عنه لا تتعارض فحسب مع مبادئ الشعوب وطموحاتها التحرّرية والتحريرية، وإنما تخالف توجهات قوى عربية فاعلة في المشهد اليوم، فضلاً على أنه تهجم، صراحة، على أحداثٍ أصبحت جزءاً من المبادئ الدستورية في تونس ومصر، أليس احترام الدساتير من احترام الدول؟
ولكن، قد يقول قائل: إن كان هذا الاختيار كما تصف، فكيف له أن يحقق الإجماع؟ ولماذا يرشحون ويختارون لأمانة الجامعة شخصية خلافية؟
هذا صحيح، لكنهم فعلوا ذلك، إما حبا ووفاءً للجمود والستاتيك، فليس هناك شيء أفضل عند الحكومات من ألا تفعل شيئاً. وفي هذا السياق، لا يجدون حرجا من إعلان العودة إلى الوراء بشكل سافر، ووقائع مقاومة التغيير تدفع إلى ذلك، أو أنهم أدركوا أن الجامعة أصبحت هيكلا بلا روح، ولم تعد جهازاً يمكن الائتمان عليه، لأن القرار يصنع ويدعم في مكان آخر. وتماشيا مع مصالح واعتبارات معينة، والجامعة ليست سوى مكتبٍ لتسجيل البيانات، وعرضها أمام العلن، وفي هذه الحالة، لن يكون مثل هذا الاختيار أكثر من أداةٍ سياسيةٍ، للمزايدة أحيانا، والتسوية أحيانا أخرى بين مراكز القوى العربية، ولا يهم من يكون الأمين العام، أو خلفيته تحديدا، وهذا الأمر، في حد ذاته، إشارة سلبية، مفادها التخلي عن جهود إصلاح الجامعة إلى أجل غير مسمى.
وبمزج التأجيل مع العودة السافرة إلى الوراء ستزداد القطيعة بين الشارع ومؤسسات العمل العربي، وستضيع فكرة المصير المشترك بانعدام الثقة.
المثنّى - القسم الثقافي
المثنّى - القسم الثقافي
سرحان أبو وائل
مدون مغربي.
سرحان أبو وائل