العنصريّة لم تُباغتنا سهواً في لبنان

العنصريّة لم تُباغتنا سهواً في لبنان

08 يناير 2015
اعتصام لنُصرة الشعب السوري في بيروت (Getty)
+ الخط -
وصف حزوري شارع الحمرا قائلاً: "الحمرا صارت اليوم سودا". وأكّد أن الشارع البيروتيّ بات خالياً من اللبنانيين والحفلات والسهرات التي كان يعمر بها قبل نزوح السوريين إليه. أزعجته كثرة المطاعم ولوحات السيارات السورية واللهجة "الدمشقية". اكتفى بإجراء مقابلتيْن مع صاحب مطعم ومع شاب سوري وعاد ليكتب: "السوريون باتوا في كل زاوية من زوايا الحمرا، كيفما أدرت وجهك تراهم، كانوا أغنياء أم فقراء، واللبنانيون يغيبون عن المشهد".

العنصرية لم تعد حادثة. لم يعد تصنيف المواطن السوري حادثاً. لم تعد المقالات المنمّقة بأبشع الصفات التي يُصنّفها البعض كواقع.. تلك المقالات لم تعد عفوية. كل شيء مدروس، مراقب، أما النتائج.. فمعروفة. بعد أن تسبّب الوجود السوري بـ"الترافيك" أو ما يُعرف بزحمة السير، كما وصفتها مواطنة لبنانية سابقاً في فيديو "حصري" للجريدة نفسها، تسبب النزوح وكثافة السوريين بجو كئيب في بيروت.. جو أسود في شارع الحمرا الذي بدا حسين كغريب عنه خلال وصفه.

حسين، الذي أعرفه من الجامعة اللبنانية، كلية الاعلام والتوثيق، يصغرني سناً، ولكنه التلميذ المجتهد الهادئ الذي يستمع جيداً قبل الكلام. سأتطرق مباشرةً إلى ما جناه مقالك يا حسين علينا نحن اللبنانيين. سأتجاهل الناشر، الزميلة جريدة النهار، التي اكتفت بتحرير بيان يتبرّأ من مقالتك، ولم "تتعنّى" مناقشتك بمضمون ما كتبته قبل نشره، أو نُصحك وإرشادك.. كل ذلك بحجة ماذا؟ حرية الرأي والتعبير؟ ارحمونا.. جريدة النهار تفوّقت على نفسها بالعنصرية، لذلك لم تعد تصرفات المسؤولين فيها مستغربة.

ما جناه مقالك يا حسين هو نقد لاذع مجدداً، بعد شهور من العمل على تحسين الآراء وتصويب النقاش اللبناني ـ السوري، نحن اللبنانيين المعنيين بالشأن السوري تماماً مثلك: نحن نملك أرواحاً تُزهق في سورية أيضاً. هنا سأسمح لنفسي بالمزايدة.

على فيسبوك، اعتذر لنا حسين عمّا قرأناه. يقول إنّ أعداد السوريين إلى تزايد، والموضوع بات مشكلة من الضروري التطرق إليها. هكذا تطرق الكاتب إليها، شهادة شاب جامعي زميل، وشهادةٌ خيالية لمدير مطعم "مربوطة" (تاء مربوطة)، في الحمرا، المطعم الذي نفى لاحقاً، في بيان، أي علاقة له بما ورد عن لسان صاحب المطعم المزعوم في المقال.

عاد حسين واعتذر بكل تهذيب، قبل أن يرمي اعتذاره بنفسه من على قمة الأخلاقيات الصحافية بقوله: "من موقعي المتواضع، أعبّر عن أسفي للانحطاط بالتفكير الذي لاحظته اليوم، وألوم نفسي أني أعيش مع بعض الحثالة في نفس البلد…".

نعم يا حسين، نعم نحن الحثالة. نحن الحثالة التي تقضي أياماً على الطرقات لتصور وتغطي معاناة إنسانية للشعبين الفلسطيني والسوري، نحن الحثالة التي تنفعل عند إهانة أي مواطن سوري صغير أم كبير، نحن الحثالة التي تندفع إلى طرقات بيروت للدفاع عمّن سحقت الجزمة العسكرية كرامتهم. نحن الحثالة التي تتشاطر قلمك الصحافي معها.

نحن الحثالة نقضي ما يناهز العشر ساعات يومياً نعمل في مجال اسمه الصحافة.. حلمنا منذ نعومة أظفارنا بدخوله أيضاً، ولكننا دخلناه باحترام، وإن حان وقت خروجنا منه يوماً، سنخرج محترمين من دون نعت الآخرين بالحثالة أو حتى تصنيفهم. نحن أيضاً خريجو كلية الاعلام والتوثيق مثلك، لسنا متفوقين لأنّ العلامات ليست الفارق المهم في عالم الصحافة: المصداقية هي الميزان.

أما إن لم تكن تقصدنا نحن اللبنانيين الذين هبّوا لنقض ما نشرته، إن كنت تقصد كل سوري غضب وراسلك، فنعتك له بالحثالة خير دليل ومبرر لقوله ما يريد ووصفك وجريدتك بما يريد. ففي النهاية، كلنا حثالة افتراضية وقلائل منّا يغيّرون هذا العالم القبيح ومجرياته القاسية فعلاً.
هذا ما تجنيه علينا الصحافة يا حسين.

بعد أربع سنوات متواضعة من العمل في هذا المجال، أقول لك بأن النقد الممنهج الذي تلقيته اليوم، والتهديدات العشوائية، ليست سوى عيّنة ممّا يحصده أي صحافي بعد نشر مقالاته وآرائه. من هنا تأتي المسؤولية الصحافية، المسؤولية تقع على عاتق الصحافي نفسه وليس على إدارة التحرير والمحرر الأول والثاني، لا.. لن أبرر لك مقالتك ولن أتيح فرصة تقاسمك اللوم مع جريدة النهار.

ومن جهة أخرى لن أبرر التهديدات التي طالتك، فالتهديد أيضاً انحطاط، ولكن اجعل من قلمك سلاحاً أفضل في المستقبل، ولتكُن مقالاتك طريقاً سالكاً للحلول والتغييرات، فمراقبتنا للواقع لم تعد كافية في زمن الحروب والويلات، والآراء باتت بوستات فيسبوكية لا تقدّم ولا تؤخر.