العنصرية المقيمة

العنصرية المقيمة

07 يونيو 2020

في مظاهرة ببيروت ضد العنصرية تجاه السوريين (18/7/2016/فرانس برس)

+ الخط -
مع اندلاع الاحتجاجات ضد العنصرية في الولايات المتحدة بعد مقتل جورج فلويد على يد الشرطة الأميركية، انطلقت حملات تضامن عالمية مع الأميركيين من ذوي البشرة السوداء، ولا سيما في دول أوروبية عديدة يعاني المواطنون السود فيها، وإنْ بدرجة أقل من الولايات المتحدة، من التمييز العنصري. الحملات تلقفتها بعض الدول الأوروبية بتعهدات بمكافحة كل أشكال العنصرية، لا سيما طريقة تعاطي الشرطة مع المواطنين والمقيمين السود، وهو ما يحسب للانتفاضة الأميركية، بعدما أصبح حدود تأثيرها عالمياً. 
وصل التأثير العالمي هذا إلى دول عربية شارك مواطنوها في التضامن مع الأميركيين السود، لكن المشكلة أن هؤلاء المواطنين تغاضوا عن حالات العنصرية المتجذرة في بلادهم، والتي تحتاج إلى جهود مضاعفة لمكافحتها عن تلك القائمة في الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية، ولا سيما أنها عامة ومتعددة الأوجه، ولا تقتصر على التعامل مع الأشخاص الملوّنين، بل حتى تطاول أبناء البلد نفسه، وفق صور نمطية باتت شائعة ومورّثة من جيل إلى آخر عن سابق تصور وتصميم.
والأنكى أنه حتى في هذا التضامن العربي، كان هناك ما هو مسيء لذوي البشرة السوداء عموماً، وتصويرهم باعتبارهم كائنات مختلفة، كتلك الفنانة التي أعلنت أنها "تتمنّى لو كانت سوداء"، أو ذلك الناشط الذي استخدم عبارة "عبد أسود" في سياق إشادته بالحراك الاحتجاجي الأميركي، أو وضع التعامل مع السود في أطر دينية، وكأن في ذلك منّة من أهل ذلك الدين على هؤلاء "البشر المختلفين".
أمثلة كثيرة يمكن أن تساق عربياً عن حالات العنصرية القائمة، والتي يتم التعاطي معها بطريقة طبيعية جداً، وهي حالات ممتدة من المحيط إلى الخليج. ولعل الدول في شبه الجزيرة العربية قد تكون من أبرز الأمثلة حول أوجه العنصرية المتعددة، سواء في التعامل مع العمال الآسيويين الكثر في البلاد، أو مع الأفراد من جنسيات أخرى، وهو تعاملٌ يتبدل وفق الجنسية، أو قوانين العمل، والتي على الرغم من محاولات إصلاحها، لا تزال تحمل في طياتها بنوداً وإجراءات غير متوافقة مع حقوق الإنسان.
وإذا كانت دول الخليج واحدة من أبرز هذه الأمثلة، إلا أنها ليست وحدها في هذا الأمر، فالوضع في لبنان ليس أفضل حالاً في التعاطي بعنصريةٍ مع العمالة الأجنبية. والحديث هنا ليس فقط عن العاملات الإثيوبيات، واللواتي يتم التعامل معهن بما يشبه العبودية، بل أيضاً مع العمالة من الجنسيات الأخرى، وحتى منها العربية، كالسوري والمصري. ومع ذلك لم يجد لبنانيون كثيرون حرجاً في إعلان أقصى درجات التضامن مع الأميركيين السود، في الوقت الذي ربما كان هؤلاء أنفسهم يمارسون عنصريتهم تجاه عاملات في منازلهم أو عمال في الشوارع المحيطة بهم.
أشكال العنصرية العربية أيضاً تأخذ أبعاداً إثنية، وتدخل في مصطلحات متداولة بشكل يومي عابر. وهو ما يتم التعاطي به بين العرب تجاه الأكراد المنتشرين في المشرق أو الأمازيغ الموزعين في المغرب، مع ترويج صور نمطية متوارثة، من دون أن يقف أحد عندها أو يتم الحديث عن إعادة النظر فيها، أو القيام بحملات لتصويبها.
لا شك في أن التضامن مع الأميركيين السود واجب، وهم الذين عانوا قرونا من العبودية والإجراءات العنصرية، لكن هذا التضامن لا يقوم فقط برفع اللافتات المنددة أو المؤكدة على أهمية حياة السود على غرار Black life matters، فالاحتجاج الأميركي لا بد أن يكون مناسبة للالتفات إلى العنصرية المقيمة عربيا، والتي تحتاج إلى ثورة حقيقية لتغيير المفاهيم.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".