العلم شرطاً للتقدم

العلم شرطاً للتقدم

16 سبتمبر 2016
+ الخط -
تغصّ منطقتنا العربية منُذْ سنواتٍ طوال، بأمراضٍ مزمنةٍ عديدة، حالت دون التحاقنا بركب "الدول المتقدّمة"، وأبقتنا نصطرع مع بعضنا في حضيض "الدول المتخلفة"، بسبب غياب الحلول الجذرية التي تتطلبُ الوعي والمثابرة والإرادة، إزاء مغريات "الشفاء" مما نعانيه.
ولا أعتقدُ أنّ هناك مرضاً من بين أمراضنا الكثيرة أخطرُ من مرض "التعليم"، لأنّه كفيلٌ، إذا ما تشافينا منه، بنقلنا من الظلمات إلى النور، من الحضيض إلى القِمّة، من التخلف والتشرذم إلى التَّقَدُّم.
ولن يجدَ أيُّ مهتمٍ بهذا الملف العناء الكثير، ليتلمس مشكلة التعليم لدينا، فأفضل الجامعات العربية هي في تصنيفٍ متأخرٍ ملفتٍ للانتباه، لدرجة أنّ دولاً حديثة العهد في هذا المجال، متقدّمة علينا.
وفي 15 اغسطس/ آب الماضي، نشر تصنيف شنغهاي المشهور عالميًّا قائمة تحتوي على أفضل 500 جامعة في العالم لعام 2016، تصدرته، بطبيعة الحال، دول "العالم المتقدم"، كالولايات المتحدة الأميركية بـ 57 جامعةً دخلت التصنيف، وبـ 8 جامعاتٍ ضمن الجامعات العشرة الأوائل على مستوى العالم، إلى جانب بريطانيا بجامعتين.
عربيًّا، استطاعت أربع جامعاتٍ سعودية، وواحدة مصرية من الدخول ضمن القائمة التي تحتوي على 500 جامعة!، والطامة الكبرى أنّ أفضل جامعة عربية (وهي سعودية)، جاءت في فئة (101 – 150) على مستوى العالم.
وقد استدعى الوضع المزري للتعليم عربيًّا الخبراء التربويين إلى التدّخل، من أجل الوقوف على المرض، ومحاولة إيجاد علاجٍ يشفي منطقتنا العربية من آثارهِ الكارثية على الأجيال المقبلة.
ولعلّ من أبرز الآراء المطروحة على الطاولة تُعيد ملف التعليم إلى المراحل الأولى للدراسة، حيث المرحلة الابتدائية، هي المرحلة الأساسية لبناء "الشخصية التعليمية"، كما يقول التربويون، إلى جانب الخلل الكبير في المناهج المدرسية، فهي في غالبها مناهج "تُلقن" ولا تعلم، و"تُقولب" ولا تفسح المجال أمام الطلبة لطرح الأسئلة التي لا تتفقُ ووجهة نظر المعلّم، الأمر الذي يُغيّب النقد البنّاء عن العملية التعليمية برمتها.
ولا مناص من ذكر وجهات نظر بعض التربويين التي تؤكد أن "المعلّم" هو من الأسباب الرئيسية في نمو المرض، لأنه مهملٌ، ولا يحصلُ على الدعم والقدر الكافيين، لكنهم (أي التربويين)، لم يلتفتوا إلى مسألةٍ تعتبر في غاية الأهمية، وهي ثقافة "احترام العلم".
في دول "الكفر والمجون"، كما يصفها "المتخلّفون" أصحاب "اللحى النتنة"، يعتبر العلم مجالاً مقدّساً، لأنّه السبيلُ الوحيد إلى النور، ويعتبر المعلم إنساناً مقدّساً فهو الأداة التي تأخذ بأيدي الطامحين إلى النور، ويعتبر الطامحون مقدّسين أيضاً لأنهم محبون للعلم، وأُناساً صالحين، وليسوا أشراراً.
وفي الدول نفسها، تعتبر الجامعات ومراكز التعليم وقادتها، أهم من الوزارات السيادية وقادتها، والمحاكم وقضاتها... لأنّهم يعون أن الأمم تعلو بالعلم، وبالجهلِ تسقطُ وتنحطُ.
وليس غريباً علينا أن نحقّرَ العلم والعلماء، بل ونكفّرهم وننعتهم بالفسقِ والفجور، فتاريخ الحضارة الإسلامية، وخصوصاً بعد موت "الرسول الكريم" حافلٌ بذلك.
من الأطباء، كُفِّر الرازي وابن سينا وابن النفيس، وفي الفيزياء الحسن ابن الهيثم، وفي الفلسفة الفارابي وابن رشد، وفي العلوم والفلك ابن الخيام، وكلّ من أرادَ أن يقود شعلة النور، فقط لأنّ أصحاب "اللحى النتنة" يريدون أن يحتكروا "العلم" لأجلهم! أقصد علم الجهل والانغلاق والتعصب والحقد والكراهية.
الدول العربية هي الأكثر استيراداً للأسلحة ومشتقاتها في العالم، ومبرّر ذلك، كما يدّعون، "الدفاع" عن المصالح الوطنية والقومية، في حين أنّ "الكيان الصهيوني" المجاور هو الأكثر إنفاقاً في العالم على قطاعي التعليم العالي والبحث العلمي، فمتى سنتعظ يا أمة الضاد؟
5ADE5A47-E143-4BFB-9A04-F3543E66FC8B
5ADE5A47-E143-4BFB-9A04-F3543E66FC8B
بشير الكبيسي (العراق)
بشير الكبيسي (العراق)