العلاقات الكويتية العراقية بعد 28 عاماً على غزو صدام

العلاقات الكويتية العراقية بعد 28 عاماً من غزو صدام: الجغرافيا سيدة الموقف

02 اغسطس 2018
بناء ميناء مبارك زاد من مشاكل العراق المائية(فرانس برس)
+ الخط -
تمرّ اليوم في 2 أغسطس/آب الذكرى الـ28 للغزو العراقي الذي قاده نظام صدام حسين ضدّ الكويت، وأدّى إلى تدخّل قوات التحالف الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، لتحرير الكويت في بدايات عام 1991، وفرضِ حصارٍ اقتصادي خانق على العراق استمرّ حتى سقوط بغداد عام 2003، عقب الاحتلال الأميركي لها. ورغم سقوط النظام العراقي السابق بقيادة "حزب البعث"، وعودة العلاقات الكويتية – العراقية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشكل كامل، إلا أنّ الأطراف كافة لا تزال تحتفظ بتوجّساتها وتخوفاتها، في ظلّ عدم حلّ الكثير من الملفات العالقة التي تسببت بها الجغرافيا المعقدة لكلا البلدين، وتوزيع الثروات والمضائق المائية بينهما، بالإضافة إلى المشاكل السياسية والأمنية التي امتدت إلى المحافظات الجنوبية للعراق، المحاذية للحدود الشمالية للكويت.

وقبل عام 1990، مرّت العلاقات الكويتية - العراقية بالكثير من التعقيدات، بسبب مشكلات ترسيم الحدود، إذ طالب ملك العراق غازي بن فيصل، عام 1933 بضمّ الكويت، وأطلق دعاية كبرى ادعى فيها تبعية الكويت للعراق. ثمّ ادعى رئيس الوزراء عبد الكريم عبد القاسم، الأمر ذاته عام 1961، إذ عقد مؤتمراً صحافياً في وزارة الدفاع العراقية، وأعلن فيه تبعية الكويت للعراق، مطالباً المجتمع الدولي بعدم الاعتراف بدولة الكويت التي كانت قد استقلت قبل 6 أيام فقط عن الحماية البريطانية. لكنّ الأمور لم تصل إلى مرحلة التصعيد العسكري، عدا مناوشات حدودية بسيطة أدّت إلى مقتل بعض أفراد الشرطة الحدودية من الطرفين، كما حدث في الاعتداء على مركز الصامتة عام 1973، بالإضافة إلى محاولات بعض المهربين الدخول والخروج من الحدود، مستغلّين عدم ترسيم الحدود.

وعادت الأزمة للظهور مرة أخرى أثناء الحرب العراقية - الإيرانية، إذ طالب العراق الكويت بتأجيره جزيرة بوبيان شمال الكويت، ومنحه جزيرة وربة لحماية الأراضي العراقية من هجمات الجيوش الإيرانية، وهو ما رفضته الكويت رفضاً قاطعاً. وعقب انتهاء الحرب، اتهم العراق الكويت بشنّ حرب اقتصادية عليه عبر التلاعب بأسعار النفط، ورفض إسقاط الديون، والتعدي على الآبار النفطية المشتركة بين البلدين، فيما اتهمت الكويت العراق بالبحث عن سبب يدفعه للحصول على المزيد من آبار النفط والمماطلة في ترسيم الحدود بشكل نهائي رغم وجود اتفاقيات سابقة، بالإضافة إلى ادعاء الأحقية التاريخية في الأراضي الكويتية، رغم مساعدة الكويت للعراق في الحرب ضد إيران طوال 8 سنوات.

ورغم ترسيم الحدود الجغرافية بشكل رسمي بين البلدين عقب الغزو العراقي للكويت، وزوال خطر نظام صدام حسين، لا يزال الخوف هو سيّد الموقف الكويتي بسبب لعنة الجغرافيا بين البلدين، إذ تستأثر الكويت بنصيب الأسد من مياه الخليج العربي، بينما يطلّ العراق على جزء يسير من بحر الخليج بسبب حجب جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين للمياه عنه. وزاد قرار الحكومة الكويتية بناء ميناء مبارك الكبير شمال الكويت، تمهيداً لبناء مدن اقتصادية كبرى في الشمال، من مشاكل العراق المائية، وادعت الحكومة العراقية أن استكمال أعمال بناء الميناء قد يؤدي إلى سحب مياه الخليج عن موانئ العراق الجنوبية، وأهمها ميناء "الفاو الكبير"، وميناء "أم قصر"، وجعلها موانئ لا قيمة لها. لكن الحكومة الكويتية طمأنت العراقيين بأنها ستسعى إلى إيجاد حلّ يتمثّل في مشاركة العراق اقتصادياً في ميناء مبارك الكبير، ومحاولة إنعاش المدن الحدودية المحاذية له. كما قامت بوقف بناء بعض أرصفة الميناء إلى حين التوصّل لتفاهم نهائي.

ولا يبدو أنّ المشكلة الجغرافية هي التي تؤرق الكويت فقط، إذ إنّ تأخّر تشكّل الحكومة العراقية وانفلات زمام الأمن في المحافظات الجنوبية المحاذية لها، وتردي الحالة المعيشية فيها، وامتداد التظاهرات للشريط الحدودي في مدينة سفوان العراقية، كلها تطورات تقلق الكويت، التي حاولت بدورها احتواء هذه المشاكل، عبر إرسال كتائب من القوات الخاصة وقوات الجيش نحو الحدود الكويتية العراقية للحراسة، وكذلك التباحث مع رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، الذي زار الكويت قبل أيام، بالإضافة إلى رئيس تيار الحكمة، عمار الحكيم، فضلاً عن إرسالها محوّلات كهرباء ووقودا لحلّ أزمة الكهرباء المشتعلة في العراق.

وتحاول القيادة السياسية في الكويت التوازن في التعامل مع الملف العراقي الشائك، إذ تفضّل سياسة عدم الاقتراب بشكل مباشر خوفاً من الاكتواء بنارها، خصوصاً مع وجود المليشيات الإيرانية على الحدود الكويتية، والتهديدات المتكررة من "عصائب أهل الحقّ" بالتعامل مع مسألة "ميناء مبارك". كما أنّ الكويت ترفض الابتعاد من الملف نهائياً، مما قد يخلق حالة فراغ سياسي قد تستخدم ضدها فيما بعد.

وتسعى الكويت إلى نقل العلاقات مع العراق إلى مرحلة أكثر تطوراً عبر بوابة الملف الاقتصادي، إذ قامت ببناء عشرات المدارس في محافظات العراق، كما قدّمت منحاً صحية بقيمة 100 مليون دولار أميركي، خصصتها للمحافظات المتضررة من الحرب مع تنظيم "داعش" شمال العراق، كما قامت بتنظيم مؤتمر إعادة إعمار العراق الدولي والذي استطاعت من خلاله جمع تعهدات بدفع 30 مليار دولار أميركي لإعادة إعمار العراق بعد الحرب على "داعش". وقامت الكويت بالتساهل في التعامل مع ملف الديون العراقية، وتعويضات الغزو العراقي عام 1990، لكنّ كثراً من السياسيين العراقيين الذين يحاولون كسب أصوات "شعبوية" داخل دوائرهم، يطالبون الكويت بإسقاط هذه الديون والصفح عن التعويضات، وهو ما ترفضه الكويت.

وفي السياق ذاته، رأى الأكاديمي والباحث السياسي الكويتي، عبدالرحمن المطيري، في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "العلاقات الاقتصادية هي الحل الأنجع للوصول إلى صيغة تفاهم جيدة مع العراق، فالكويت جار صغير وضعيف عسكرياً مهما بلغ حجمه بالنسبة إلى العراق، كما أنّ انبساط الجغرافيا يعني أنه سيكون لقمة سائغة لأي تهديدات عراقية إذا ما حكم العراق حكومة عدوانية"، مضيفاً أنّه "رغم تحسّن العلاقات، وتبني الكويت مواقف أكثر اعتدالاً وتوازناً في المنطقة تجاه إيران والعراق والسعودية وبقية الدول، فإن لعنة الجغرافيا والمياه والنفط ستبقى متحكمة بالعلاقات بين البلدين اللذين وجدا نفسيهما في حالة حرب ممتدة طوال 13 عاماً، حتى سقوط نظام صدام حسين عام 2003".

المساهمون