العقوبات على اليمن تقسم مجلس الأمن

العقوبات على اليمن تقسم مجلس الأمن

12 أكتوبر 2014
تظاهرة ضد الحوثيين في صنعاء (الأناضول)
+ الخط -

عشية عقد مجلس الأمن جلسة استثنائية مغلقة غداً الإثنين، يبحث فيها الملف اليمني، أفادت مصادر دبلوماسية في نيويورك، لـ "العربي الجديد"، بأنّ خلافات برزت بين الدول الكبرى، بشأن هذا الملف، على خلفية الاقتراح البريطاني، الرامي إلى تفعيل قرار العقوبات رقم 2140، الصادر في فبراير/شباط الماضي، والذي يقضي بتجميد أموال، وحظر سفر معرقلي التسوية السياسية في اليمن. وذكرت المصادر أنّه من المقرّر أن يعقد مجلس الأمن الدولي، جلسة استثنائية مغلقة لبحث القرار، ما لم يطرأ أي تغيير على جدول الأعمال، بسبب الخلافات المشار إليها. ويهدف هذا الاجتماع إلى تقييم آخر تطوّرات العملية السياسية، والاستماع إلى تقرير مساعد الأمين العام، ومبعوثه الخاص إلى اليمن جمال بن عمر، والذي يتناول فيه الصعوبات التي تقف حائلاً أمام تنفيذ ما تبقّى من مراحل عملية الانتقال السياسي.

وأشارت المصادر ذاتها، إلى أنّ الخلافات اشتدّت بين أعضاء المجلس، عقب استيلاء "مليشيات الحركة الحوثية"، على العاصمة اليمنية، وتعثّر العمليّة السياسيّة، الخاضعة لإشراف الدول الخمس دائمة العضويّة، في المجلس، إلى جانب دول المبادرة الخليجية (دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء قطر). 

وأجمعت المصادر كافةً على وجود معارضة روسية حقيقية لفرض عقوبات على أي طرف سياسي، في حين تحاول واشنطن حماية حليفها الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، ورموز نظامه من العقوبات، من دون أن يكون لديها أي مانع في استهداف آخرين. أمّا فرنسا والصين، فيتعاملان مع الموضوع بفتور، مقارنةً مع الموقف البريطاني، المتحمّس للبدء في فرض عقوبات، وتطبيق قرارات استباقية بهذا الخصوص.

وكان بن عمر، قد حذّر في تصريح سابق لقناة الجزيرة، من أنّ مجلس الأمن "لن يسكت على ما يجري في اليمن"، مؤكداً أنّ "المجتمع الدولي ما زال يتحدّث بصوتٍ واحد في ما يتعلق باليمن".

في المقابل، أكّد دبلوماسي يمني في بعثة اليمن لدى الأمم المتحدة، لـ "العربي الجديد"، أنّ الإجماع بشأن اليمن لم يحدث في الماضي، إلا بسبب غياب الإجراءات العملية، واقتصار المواقف على العبارات الرنّانة، والتحذيرات الكلاميّة، التي أصبحت مثار سخرية الشارع اليمني، لأنّها تتكرّر في كل جلسة لمجلس الأمن، من دون أن تدخل حيّز التطبيق".

كلمات بلا أفعال

من جهةٍ أخرى، توقّع الدبلوماسي اليمني، الذي رفض ذكر اسمه، أن يخرج مجلس الأمن في اجتماعه اليوم بتصريحات كلامية جديدة، يعرب فيها المجتمعون عن التضامن مع الشعب اليمني، ويحذّرون المعرقلين من زعزعة الاستقرار، إلاً أنّه رأى أنّ هذا التضامن والتحذيرات، ستبقى في إطار الكلام، من دون ترجمتها إلى أفعال".

إلى ذلك، انتقد المصدر ذاته، مجلس الأمن وحكومة بلاده على حد سواء، لأنّهما "يعملان ببطء شديد، وردود فعل واهنة، لا تواكب الوثبات السريعة للحركة الحوثية الشابة في اليمن، والتي جعلت المجتمع الدولي مكتوف اليدين، عقب استيلائها على العاصمة اليمنية، بمساندة أتباع النظام السابق". ولفت إلى أنّ "لجنة العقوبات، ومجموعة الخبراء التابعة لها، لا تزالان في طور البحث عن الجهات المعرقلة، في حين أن الحركة الحوثية اجتاحت صنعاء، واستولت على كل مؤسّسات الحكم، و"كتّفت" الرئيس عبد ربه منصور هادي من يديه".

خارطة الخلافات

وكشف الدبلوماسي اليمني، أن الخلافات بدأت تدبّ بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بشأن الملف اليمني، كما أنّ الخلافات الدولية بشأن الملفين السوري والليبي، بدأت تنعكس على هذا الملف". إلاّ أنّ اللافت هو التوافق الأميركي ــ الروسي على معارضة فرض عقوبات، على معرقلي التسوية السلمية في اليمن. وقال: "يبدو أنّ الروس يسعون إلى حماية حلفاء إيران في اليمن، في حين أن الأميركيين لا يهمّهم سوى علي عبد الله صالح، ورموز نظامه السابق، من حلفاء واشنطن الآملين بالعودة إلى الحكم".

وفي سياق متّصل، نفت دبلوماسيّة في الخارجية الأميركية نية بلادها حماية أحد من مواجهة نتائج أفعاله، وقالت: "هدفنا مساعدة اليمنيين للمضي قدماً، وليس فرض عقوبات قد تؤدي إلى فشل العملية السياسية الهشّة برمّتها". كما رفضت التعليق على ما تردّد، بشأن اعتراض الولايات المتحدة على إيراد اسم الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، في بعض قرارات وبيانات مجلس الأمن السابقة، داعيةً إلى طرح هذا السؤال على المتحدثة الرسمية باسم الخارجية، أثناء المؤتمر الصحافي المعتاد الذي سيعقد الثلاثاء المقبل.

من جانب آخر، اكتفى دبلوماسي روسي بالقول، إنّ بلاده ستكون مع الإجماع الدولي، ولن تشارك إلا بدور إيجابي، لحلّ الأزمة اليمنية، مضيفاً: "سنظلّ على مسافة واحدة من كل الأطراف السياسية، ولن ننحاز إلى أي طرف"، رافضاً الإجابة عن مدى صحة معارضة روسيا لطي صفحة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، أو فرض عقوبات عليه أو على أقاربه.

وفي سياق متّصل، أوضح دبلوماسي في البعثة البريطانية، لـ "العربي الجديد"، أنّ "بعثة بلاده هي التي تولّت صياغة كل القرارات المتعلقة باليمن، بما فيها القرار رقم 2140"، لافتاً إلى أنّ "لا أحد في مجلس الأمن يعارض تنفيذ القرارات التي صدرت بالإجماع".

السلطات اليمنيّة تعرقل العقوبات

وكشفت مصادر دبلوماسية عربية وبريطانية أخرى، لـ "العربي الجديد" أنّ موقف الحكومة اليمنية ذاتها، هو الذي يشوبه الغموض، وأنّها امتنعت عن تزويد البريطانيين بمعلومات عن أرصدة المشتبه بفسادهم من معرقلي التسوية، فاضطرّ عندها مسؤولون بريطانيون إلى الاستعانة بمنظّمات يمنية غير حكومية لمكافحة الفساد، قدّمت لهم وثائق هامة عن أفراد وهيئات، حوّلت أموالها المنهوبة من اليمن إلى أرصدة في الخارج.

ولفتت المصادر إلى أنّ هناك قوى مؤثرة داخل القصر الرئاسي، المتحكّم بالملف، تعمل بقوّة على استخدام العقوبات إعلامياً، كعصا لتهديد الخصوم السياسيين، لعدم فتح ملف تجميد الأرصدة في الخارج، لأن رموزاً في السلطة القائمة، ومسؤولين عسكريين ومدنيين رفيعين، من أتباعها، قد تتعرّض أرصدتهم في الخارج للخطر في حال فتح ملف الأرصدة على مصراعيه.

وأعرب مصدر أممي ملمّ بالملف اليمني، عن إحباطه الشديد من تقاعس الحكومة عن تنفيذ ما عليها من التزامات، مشيراً إلى أنّ الرئاسة اليمنية لو كانت جادةً في فرض سلطتها، لبدأت هي نفسها بتجميد أموال الفاسدين داخل البلاد على الأقل، لكنّها تتذرّع بقانون الحصانة، مع أن القانون لا يسري على الأموال المنهوبة.

وتعليقاً على ذلك، قال دبلوماسي يمني لـ "العربي الجديد": "كنّا نتلقّى تعليمات من صنعاء، بعدم الإصرار على تجميد الأموال، والاكتفاء بالتلويح بعقوبات غير محددة، على الأشخاص الواردة أسماؤهم في قائمة معرقلي التسوية". وأضاف: "قبيل توجّه مجلس الأمن للعمل جديّاً لإصدار قراره بتشكيل لجنة للعقوبات، أرسل الرئيس هادي مبعوثه أحمد عوض بن مبارك إلى نيويورك في يونيو/حزيران الماضي، للدفع بالعقوبات ظاهرياً، ولكنّه عملياً حذّر دول المجلس من أنّ تطبيق القرار قد يؤدي إلى لجوء الأطراف المتضرّرة إلى تفجير الأوضاع في اليمن".

وتابع: "كما طرح أيضاً مستشار الرئيس هادي، عبد الكريم الإرياني، الحجّة ذاتها على بعض بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، مقترحاً التلويح بعصا العقوبات من دون استخدامها".

ورأى الدبلوماسي اليمني، أنّ "هذه هي الحجة التي يبيعونها للمجتمع الدولي، والتي بسببها تمكّن الرئيس اليمني السابق، من استخدام إحدى القوى السياسية، ومساعدتها على دخول العاصمة بمليشياتها، والتحكّم بكل الوزارات والمؤسّسات السياديّة". ورأى أنّ "صالح كان ذكياً بوضع هذا المخرج، فإن نجح الحوثيون في الاستيلاء على العاصمة، يصبح شريكاً لهم في الفائدة، وإن فشلوا فسيتحمّلون العقوبات الدولية المحتملة نيابة عنه، لأنّه لم يكن في الواجهة".

الدور الإماراتي ودوافعه

ونقلت مصادر متعددة في كل من نيويورك وواشنطن لـ "العربي الجديد"، أنّ الإمارات العربية المتّحدة، عملت خلال الأشهر الأخيرة، على توظيف نفوذها لدى الدول الأعضاء، والدول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن، لمنع أو تأخير تطبيق قرار تجميد أموال القيادات السياسية اليمنية، لما في ذلك من إحراج للإمارات مع حلفائها اليمنيين". وبحسب المصادر ذاتها، فإنّ "الدافع الأكثر أهمية، هو أنّ معظم حلفاء الإمارات يستثمرون أموالاً هائلة غير شرعية في دبي، ولن تقوى الإمارات على تحدي المجتمع الدولي، بعدم تجميد تلك الأموال في حال اتفق الجميع على ذلك. ولهذا استبقت الإمارات الأحداث، إلى أن تمكّن الحوثيون من تغيير كافة المعادلات، بالتعاون مع أنصار صالح".

ويبدو أنّ اقتحام الحوثيين للعاصمة صنعاء، وفّر لهم الحماية من العقوبات العسكرية، أو استهداف الطيران الأميركي لها. أمّا في الشقّ المتعلّق بتجميد الأرصدة في الخارج، فيقول زعيم حركة أنصار الله عبد الملك الحوثي، ساخراً من لجنة العقوبات: "يستطيعون أن يجمّدوا أرصدتي في باريس، أو يصادروا عقاراتي في واشنطن، إن أرادوا".

ويرفع الحوثيون شعارات رافضة للتدخل الدولي في اليمن، كما يرفضون التدخل الإقليمي (السعودي لا الإيراني)، من خلال رفضهم للمبادرة السعودية، لاعتبارهم أنّها تهدف لإنقاذ أنصار السعودية في اليمن، أثناء الأزمة اليمنية الناجمة عن ثورة 2011 الشبابية.

وقد تحوّلت المبادرة السعودية، بعد ذلك إلى خليجية، بعد أن تبنّتها جميع دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء قطر التي انسحبت لاحقاً، بعد أن رفض الثوار هذه المبادرة، وربّما قامت بذلك، لتنأى بنفسها عن أي اتهامات بعرقلة ما تريد أن ترسمه السعودية في حديقتها الخلفية.

وعلى الرغم من رفض الحوثيين التدخّل الدولي والإقليمي العربي في الشأن اليمني، لم يتردّد زعيمهم عبد الملك الحوثي، في استقبال المبعوث الدولي جمال بن عمر أكثر من مرة، في معقل الحوثيين بمحافظة صعدة. كما شارك الحوثيون، قبل ذلك في مؤتمر الحوار الوطني، الذي موّلته جزئياً السعودية، والولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي. واعتبر المتحاورون المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية مرجعية للحوار.

وكان الحوثيون وقّعوا مطلع الشهر الجاري، اتفاق شراكة مع الرئيس هادي وبقية القوى السياسية، نصّ على أنّ مخارج الحوار الوطني، هي مرجعية الاتفاق. ولم يتطوّر التعامل مع المبعوث الدولي، إلى قبول بلجنة العقوبات الدولية، فقد كشف مصدر مطّلع في الحركة الحوثية، لـ "العربي الجديد"، أنّ "السيد"، وهو اللقب الذي يطلقه أنصار الحوثي عليه، رفض اللقاء بمجموعة خبراء تابعة للجنة العقوبات الدولية المشكّلة، بناء على قرار مجلس الأمن 2140 لسنة 2014، من دون معرفة ما إذا كان إيراد اسم الحوثي في أحد بيانات مجلس الأمن المحذّرة للمعرقلين، قد جاء نتيجة لرفض اللقاء.

الموقف الدولي من الحوثي

وعلى الرغم من استيلاء الحوثيين على عاصمة بلادهم، فإن مجلس الأمن الدولي ما زال يأمل بأن يمضي اليمنيون قدماً في العملية السياسية، إذ أصدر مجلس الأمن الدولي بياناً أمس السبت، ندّد فيه بتفجير انتحاري استهدف عناصر حوثية في صنعاء، وخلّف عشرات القتلى. لكن في الوقت عينه، طالب المجلس بتسليم كل الأسلحة، المتوسطة والثقيلة للجهات الأمنيّة والشرعيّة في الدولة، وهي إشارة لم يذكر المجلس فيها الحوثيين صراحة، لكن من الواضح أنّهم المعنيون بها بدرجة أولى، كونها الحركة المسلّحة الوحيدة التي تملك أسلحة ثقيلة بكميات مكنتها من احتلال صنعاء.

وشدّد المجلس في بيان صحافي على ضرورة المضي قدماً في العملية السياسية الانتقالية، وتنفيذ بنود اتّفاق السلم والشراكة الوطنية، بما في ذلك الإسراع في تشكيل حكومة جديدة جامعة، لكل الأطياف. وهذه هي الإشارة الثانية للحوثي، باعتباره الطرف المتّهم من جانب الرئاسة اليمنية، بعرقلة تشكيل الحكومة. ومن البديهي أن سماح الأمم المتحدة لمبعوثها، بلقاء زعيم الحوثيين وزيارته في معقله وإجراء مفاوضات مع أنصاره، يدلّ على أن مجلس الأمن الدولي، لا يتبنّى موقفاً سلبياً من الحركة الحوثية. كما أنّ المجلس لا يعتبر الحركة إرهابية، كما هو الحال مع تنظيم القاعدة.

وفي حين أكّد المجلس دعمه للرئيس اليمني، وطالب جميع الأطراف بالتعاون معه بغية تنفيذ اتفاقية السلام والشراكة الوطنية، لكنّ مصادر "العربي الجديد"، أبدت شكوكها بشأن إمكانية استمرار هذا الدعم، إذا لم يتمكّن الرجل من تحقيق إنجازات سياسيّة في الداخل.

ولفتت بعض المصادر، إلى أن تردّد المجتمع الدولي في معاقبة بعض الأطراف السياسية، وعلى وجه التحديد الرئيس السابق، يأتي بناءً على تخوّف بعض الدول الكبرى، وربما بعض الدول الإقليمية، من أن القيادة اليمنية الحالية تفتقد للإرادة السياسية، والقدرة على تحقيق الاستقرار، في ظلّ وضع معقّد، وعلى الرغم من دعم داخلي وخارجي، لم يتوفرّ مطلقا بهذا الزخم، لأي قيادة يمنية سابقة.