العقاب الجماعي في مصر...حصار اقتصادي يعمق مآسي المعتقلين وأسرهم

العقاب الجماعي في مصر... ارتفاع الأسعار ومصادرة الأموال يعمقان مآسي المعتقلين وأسرهم

29 أكتوبر 2018
تفاقم الأوضاع الاقتصادية يضاعف معاناة المعتقلين وأسرهم (فرانس برس)
+ الخط -
اضطرت زوجة إبراهيم الدراوي، الصحافي المصري المعتقل، إلى تخفيض عدد مرات زيارته إلى زيارتين، بدلا من أربع زيارات، مع تقليل ما تحمله معها من احتياجات زوجها المحبوس، من أدوية وطعام مطبوخ يكفيه لمدة ثلاثة أيام وغيرها من الأغراض، إلى النصف، بسبب ارتفاع الأسعار، إذ تبلغ تكلفة الزيارة 2000 جنيه مصري (112 دولاراً أميركياً)، يضاف إليها المبلغ الذي تضعه بالأمانات، إذ يمكن لأقارب المساجين إيداع أموال لذويهم واستلام إيصالات بها من إدارة السجن لاستخدامها في شراء سلع من الكانتين أو وجبات مطبوخة من الكافيتريا، ليصل الإجمالي إلى 10 آلاف جنيه (حوالي 560 دولاراً) شهرياً.

تقول رضا جمال زوجة الدراوي: "يخضع زوجي لإعادة المحاكمة، بعد قبول النقض على حكم سابق بالمؤبد بتهمة التخابر مع حركة حماس، ويقبع في سجن ليمان طرة منذ أغسطس/ آب 2013. حتى رجال الشرطة لاحظوا قلة الشنط (أكياس الطعام واللوازم الشخصية)، خاصة في الفترة بعد تحرير سعر الصرف وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، إذ طلبت من زوجي الاستغناء عن بعض الاحتياجات التي كانت أساسية في الزيارة، والاكتفاء بالضروريات، مثل الطعام والفاكهة والعصائر، وحتى هذا البند قلصت كمياته، كما قلصت نفقات الشهرية للأسرة المكونة من 5 أبناء من مواصلات وغيرها، وحتى ما يتعلق بنوعية الطعام".


الإنفاق على بيتين

ألغى البنك المركزي ربط سعر الجنيه المصري في مقابل الدولار عند 8.8 جنيهات مقابل الدولار في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2016، ليواصل الجنيه تراجعه منذ تلك الفترة ويستقر عند 17.88 في مقابل الدولار، في ظل ارتفاع متوسط التضخم خلال العام المالي 2017 إلى 23.3%، مقابل 10.2% في العام السابق، فيما يتواصل الارتفاع منذ بداية العام الجاري، ليصل متوسط التضخم في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري إلى 30.527%، بحسب البيانات المنشورة على الموقع الإلكتروني للبنك المركزي المصري، ما ضاعف من معاناة المعتقلين وأسرهم، الذين يعدّون أكثر فئات المجتمع المصري تضرراً من التغيرات الاقتصادية كما يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر أيمن النجار لـ "العربي الجديد"، موضحاً أن "المواطن العادي يستطيع التغلب على زيادة الأسعار بالبحث عن عمل إضافي، أو السفر للخارج، أو أي بديل آخر، يمكنه من التعايش المناسب مع الوضع الاقتصادي، لكن وضع أسر المعتقلين مختلف، لأن العائل الأساسي مسجون، ونفقات السجن في حد ذاتها تمثل مصروفات بيت آخر مفتوح يلتهم دخل الأسرة".

موقع البنك المركزي المصري


تقليل الزيارات

تتناقض أعداد المعتقلين في مصر، إذ قال تقرير منظمة العفو الدولية في 3 يوليو/ تموز 2014، إنه خلال عام تم القبض على أو (لوحق قضائياً) 40 ألف شخص، فيما تحدثت التقارير الصادرة عن المفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومنظمة هيومن رايتس وواتش عن 61 ألف معتقل منذ عام 2013 حتى نهاية 2017، ويعيد المحامي وعضو لجنة الحريات بنقابة المحامين أحمد عبد الباقي، سبب تضارب هذه الأرقام إلى حرص الأمن المصري على عدم إظهار الرقم الحقيقي، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن أقرب الأرقام تشير إلى أن عدد المعتقلين 60 ألف شخص، من بينهم زوج الأربعينية رقية (اسم مستعار بناء على طلبها) التي تعول خمسة أشخاص، إضافة إلى زوجها الذي اعتقل في يوليو/ تموز 2014 بتهمة التحريض على حرق المنشآت العامة بمحافظة بني سويف وحكم عليه بالسجن عشر سنوات قضى أربعة أعوام منها كما تقول، مضيفة أنها أصبحت تزور زوجها في سجن الفيوم مرة واحدة شهريا، لصعوبة تدبير نفقات الزيارة مرة كل أسبوعين.


التحفّظ على الممتلكات الخاصة

تحفظت السلطات المصرية على أموال 1589 ممن تصفهم أجهزة الأمن بالمنتمين أو الداعمين لجماعة الإخوان المسلمين، و118 شركة متنوعة النشاط و1133 جمعية أهلية و104 مدارس و69 مستشفى و33 موقعاً إلكترونياً وقناة فضائية، بحسب قرار محكمة القاهرة للأمور المستعجلة في سبتمبر/ أيلول الماضي، التي أيدت قرار لجنة التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية، وفقاً للقانون رقم 22 لسنة 2018.

ويضاف إلى الأموال والممتلكات التي تمت مصادرتها أموال أخرى سرقت أثناء الاعتقال، موزّعة بين النقود والذهب والهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر، ومنها أموال كانت عبارة عن أمانات عند المعتقلين، وأخرى كانت خاصة بزواج أبنائهم، أو متعلقة بعلاج أحد أفراد الأسرة، وهذه الأموال لا يمكن تقديرها، لأنه لا يتم اكتشاف سرقتها إلا أثناء فضّ الأحراز، وهو ما لا يتم غالباً، بحسب تأكيد المحامي ورئيس اللجنة القانونية لحزب الحرية والعدالة، مختار العشري، الذي قال إن الشركات التي تم التحفظ عليها يعمل فيها كثير من الذين تم اعتقالهم، وبالتالي توقف مصدر دخلهم الأساسي، مضيفاً أن عموم المعتقلين، إما موظفون بالحكومة، تم وقفهم عن العمل، أو يعملون في القطاع الخاص تم فصلهم، وهم يمثلون الأغلبية، أو أنهم طلاب في مراحل التعليم المختلفة.

الفصل من الوظائف الحكومية

تهدف قرارات النظام المصري التي تحاصر المعتقلين اقتصادياً إلى استئصالهم سياسياً واقتصادياً وحياتياً، بحسب أحمد عبدالباقي، الذي ضرب المثال بقرارات الفصل التي أصدرتها جامعة القاهرة ضد محمد البلتاجي وعبد الرحمن البر ورشاد البيومي وعبد الله شحاتة، والذي لفت إلى فصل المعتقلين من أعمالهم الحكومية تحت مبرّر تغيبهم عن العمل.

وينص البند 4 من المادة 69 من قانون العمل الموحد رقم 12 لسنة 2003 على أنه لا يجوز فصل العامل إلا "إذا تغيب العامل بدون مبرر مشرع أكثر من عشرين يوماً متقطعة خلال السنة الواحدة أو أكثر من عشرة أيام متتالية، على أن يسبق الفصل إنذار كتابي لخطاب موصى عليه بعلم الوصول من صاحب العمل للعمل بعد غيابه عشرة أيام في الحالة الأولى، وبعد غيابه خمسة أيام في الحالة الثانية"، ويقول المحامي عبد الباقي إن قانون العمل لم يمنح النظام حق الفصل بسبب الآراء السياسية، لكن أوامر الأجهزة الأمنية تتفوق في النهاية على أي قانون، مضيفاً أن تعامل نظام السيسي مع المعتقلين يختلف عن الأنظمة السابقة، إذ يحاكم السيسي المعتقلين بقانون الإجراءات الجنائية، بينما كان الاعتقال في نظام مبارك يخضع لأوامر من وزير الداخلية، ويسمح للمعتقلين المفرج عنهم بالعودة إلى عملهم، والحصول على تعويضات عن فترة الاعتقال، وهو ما فعله أنور السادات الذي أفرج عن معتقلي الإخوان، الذين سجنهم جمال عبد الناصر، وسمح لهم بالعودة للحياة الطبيعية.

بالفعل فإن الصحافي إبراهيم الدراوي المعين بالشركة المصرية للتوزيع (مؤسسة نشر حكومية)، توقف راتبه منذ اعتقاله، بحسب زوجته رضا جمال، مشيرة إلى أنها تعتمد في نفقاتها على مستحقات خاصة بزوجها لدى عائلته، كما دفعت باثنين من أبنائهما للعمل في فترة إجازة الصيف وبعض فترات الدراسة، بالإضافة إلى قيامها ببعض الأعمال الخاصة، مثل شراء ملابس جاهزة وبيعها للمحيطين بها، لتوفير احتياجاتهم الحياتية، وهو ما حدث مع زوج رقية الذي فصلته وزارة التنمية المحلية من وظيفته بعد اعتقاله ومنعت راتبه وكل مستحقاته الأخرى، كما تقول.


تبرعات لا تكفي

تواجه الناشطة الاجتماعية نور الصيرفي التي شكّلت مع ناشطين مجموعات لمتابعة أسر المعتقلين والشهداء، بعد فض اعتصام رابعة بشكل دموي في أغسطس/ آب 2013، أزمة في التبرعات التي لم تعد كافية، نتيجة لارتفاع الأسعار وزيادة أعداد المعتقلين من كل التوجهات السياسية تقريباً، بالإضافة لتأثير الخلافات داخل جماعة الإخوان على تدفق أموال المتبرعين كما تقول لـ"العربي الجديد"، مشيرة إلى أنها تعرفت إلى أسر معتقلين، اضطرت زوجاتهم إلى العمل في خدمة البيوت والحضانات والمدارس، والمصانع الخاصة، ومنهن من يقمن بالطبخ لصالح الغير، ومنهن من أخرجن أبناءهن من مراحل التعليم، ومنهن من يقمن ببيع مناديل في إشارات المرور، وقد تلجأ بعضهن إلى التسول إذا ضاق الحال بهن.

وتعد رقية واحدة من زوجات المعتقلين اللائي اضطررن إلى العمل خادمات في البيوت من أجل توفير مصاريف أسرهن، بعد أن باعت أثاث شقتها واستدانت من الغير كما تقول، مضيفة أن ما تحصل عليه من المعونات المقدرة بـ 2200 جنيه شهرياً (حوالي 123.17 دولاراً)، لا يكفي إيجار شقتها ومصاريف تعليم أبنائها ونفقات زيارة زوجها في السجن.

العمل في السجن

تعامل الدولة وحتى المجتمع بقسوة مع أسر المعتقلين أدى إلى تقليص حركتهم في سوق العمل، بحسب الدكتور النجار، الذي أكد أن العديد من الأسر فكرت في عمل مشروعات خاصة، ولكن بعد التضخم أصبح رأس المال بلا قيمة، موضحاً أن المخاطر التي يجب أن توضع في الاعتبار هي الاستيلاء على المشروع أو مصادرته والتضييق على صاحبه.

وبدأ بعض المعتقلين الذين تجاوزت مدد حبسهم ثلاث سنوات في القيام ببعض الأعمال في السجن، مثل غسل الملابس لصالح الغير، وطهي الطعام والقيام بأعمال السباكة والكهرباء، وتنظيف الزنازين، لكي يحصل الواحد منهم على مقابل مادي يتراوح من 500 إلى 1000 جنيه (28 دولاراً إلى 56 دولاراً) في الشهر، بحسب شهادة يحيى إدريس (اسم مستعار)، أحد المعتقلين السابقين في سجن الاستقبال بطرة، الذي قال لـ"العربي الجديد": "ينفق المعتقلون تلك المبالغ القليلة على أنفسهم وعلى أبنائهم"، وتابع إدريس الذي يحاكم بتهمة نشر أخبار كاذبة أن "من بين هؤلاء مهندسين ومدرسين ومحامين، تعرضوا لضغوطات مالية في السجن، نظراً للظروف الاقتصادية وطول فترة الاعتقال".