العسكر على ظلال مبارك

07 يونيو 2014
+ الخط -
حينما كان الإعلام في مصر يقول عن حسني مبارك إنه صمام أمان لمصر، فهو لم يكن مخطئاً. فمبارك كان، بالفعل، صمام أمان، بل كان قائماً بمقام فلاتر "الكاوتشوك" العازلة للصوت والاهتزازات.
كان دور مبارك يقوم على فلترة الضربات، أو الأوامر التي يتخذها مجلس العسكر والمخابرات، ولا يغيب عن نبيه أنهم الحكام الفعليون لمصر، منذ عصر صلاح نصر، وربما يمكن القول منذ استقلال مصر. لكن، لا ينكر على الرجل مهارته في إعادة إنتاج الأوامر، وكأنها قرارات صادرة عنه، مع شيء من قبح التنقيح والتحسين.
إذا ما انطلقنا في المجادلة، عبر نظرية الفلتر هذه، يمكن القول إن وظيفة مبارك المحورية الوحيدة، طوال الثلاثين عاماً الماضية، كانت فلترة قرارات المخابرات والمجلس العسكري.  ولما أراد مبارك، ربما بمشورة من نجله جمال وزوجته سوزان، الانتقال من موقعه في أداء دور الفلتر إلى ممارسة الحكم، بالفعل، بترشيح جمال مبارك، بالاعتماد على سرطانية انتشار الحزب الوطني، وفولاذية جهاز أمن الدولة، هنا، فرحت المخابرات لثورة يناير عليه، مع توفير قدر من الاحترام له، فلتراً خدمها طوال 30 عاماً.
مشكلتنا، الآن، أننا نواجه حكام مصر الفعليين، من دون وجود هذا الفلتر، ما تسبب بشعورنا بهذا الحجم الهائل من الضجيج والاهتزاز المفزع. في حين أنّ مَن هم في السلطة، الآن، لا يشعرون بقدر ارتباكنا. ربما يعود السبب في ذلك، إلى أنه لم يتغير بالنسبة لهم شيء، لكونهم حكاماً فعليين "منبع إصدار"، ولكن، نحن من نشعر بهذا التغير لأننا "مصب تلقّ".
قد يذهب بعضهم إلى القول إن ثورة يناير لم تكن إطلاقاً مفرحة للعسكر والمخابرات، لكن، ما أبرز الدوافع وراء اقتحام المخابرات، بعد الثورة مباشرة، مقر أمن الدولة الرئيسي، والاستيلاء على أوراق ووثائق غزيرة، تتعلق بإدانة مبارك وزبانيته، وحرق المقر عن بكرة أبيه بعد ذلك، هل كان هذا حرصاً على عرضه وسمعته، أم اقتناصاً للحظة منتظرة.
وفيما يبدو، استمال جهاز المخابرات معظم مساعدي وزير الداخلية، حبيب العادلي، في حين بقي هذا الرجل الشخص الوحيد المخلص لمبارك. بدليل أن مساعدي العادلي جميعهم، بل وجميع الضباط والأمناء الذين تلقوا أوامر إطلاق الرصاص على المتظاهرين، من تلك القيادات، حكم لهم بالبراءة، بل وتقاضوا مكافآت ورواتب، بعد خروجهم، عدا العادلي الذي يجري تغليظ العقوبات عليه.
لن نذهب عميقاً، في محاولة إثبات عدد الأطراف التي شجعت نار الثورة وأذكتها، في بدايتها، لغايات متباينة، ومغايرة لغايات الثورة نفسها. لكن، بنظرة تلخيصية، يجب علينا السؤال: ماذا بقي من ثورة يناير اليوم، وهل حكَمَنا أحد غير العسكر منذ عقود.
 

 
سيد أمين
سيد أمين
سيد أمين
كاتب ومحلل سياسي عربي مصري، يؤمن بأنّ العروبة والإسلام وجهان لعملة واحدة. هو أيضا باحث صدرت له دراسات "أمريكا الميكيافيلية" و"رؤى في الوطن والوطنية".. وشاعر صدرت له "أشعار مارقة" و"أشعار جديدة"، وروائي صدرت له "السحت" والمراهن" و"زمن السقوط".
سيد أمين