العروبة المزيفة!

العروبة المزيفة!

12 مارس 2018
+ الخط -
نقفُ وباحترامٍ شديد أمام التسهيلات التي قدمتها مجموعة دول اليورو حيال المواطن السوري الذي فرّ هرباً من الموت الزؤام، والخراب والدمار الذي لحق به، واللحاق بركب الدول الراعية للإنسان.

نقول هرباً، لأنه ما قدّم للمواطن السوري، من قبل هذه الدول، وما تلقاه من دعم ومساعدات وخدمات جليلة يعجزُ البلد الأم عن تقديمها له، ولم تبادر الدول الإسلامية، التي تدّعي بكائيتها على المواطن السوري، في احتضانه وإيوائه بالصورة التي تليق به كإنسان، بل ساهمت بإغلاق حدودها أمام حاجته، ما ساهم في تشرده، والحال الكئيبة التي عاناها وتحمّل مؤسياتها!

إنَّ العروبة التي يدعون، ما هي إلا اسم يصرخون، وما هي إلا قربة مقطوعة ينادون بها، ووسام مرصّع بالزيف يتحلّون به، ويكتفون بالوقوف أمام عدسات التلفزة بالتصفيق والنداء باسم العروبة التي صارت تستخدم السوري رمزاً للشر، وما هو في الواقع إلا إنسان متواضع، ومحروم من أبسط مقوّمات الحياة الآدمية!


التزم الصمت، وضُرب بالسوط وبالحذاء، بدون مبرّر، وهو الذي كما يقال بالمثل الدارج: "يمشي الحيط الحيط.. ويقول يا ربي الستر"!

وفي المقابل، ها هي تركيا الدولة العلمانية - الإسلامية المحافظة، احتضنت، وبكل حب واحترام المواطن السوري وآوته، وقدمت له الكثير من المساعدات والخدمات الجليلة، بل وصل بها الحال إلى تجنيس بعض السوريين، ناهيك عمّا ساهمت في تقديمه الدول الأوروبية الأخرى من مساعدات حقيقية للمواطن السوري، والذي يعجز القلم عن تصويرها، واللسان عن الإفصاح عنها، والفكر عن تذكرها.

المساهمات كبيرة، والمساعدات أكبر من كل تصور، فيما نرى بلاد العُرب أوطاني وقفت موقف المتفرج حيال تقديم أيّ خدمة يمكن من خلالها أن تسهم في مساعدة ابن سورية الذي يظل باراً بعروبته التي لفظته، وهو الذي لم يعرف الذل والإهانة، واستطاع أن يتحمّل ما تعرض له، وبكل صلابة، على الرغم من قساوة المعاناة، والحال الذي وصل إليه من إهانة وتشرد وضياع لم يسبق أن عاشه، أو تدثّر فيه.

إنه المواطن السوري. النجم الشرق أوسطي، بسلطانه، وبجبروته، وقوته، وتحمّله. وهو المقدام، الكريم في طبعه، والمجتهد في ما يقدمه، ها هو يتحمّل، وعلى مضض، كل ما جرى، في الوقت الذي يجب أن ينال من حكومته كل الرضا، والحب الذي افتقده، والذل الذي عاشه وعايشه!

وما يؤسف له، أنَّ المواطن السوري وقع ضحية القريب قبل الغريب، وهذا ما يستدعي الاحتكام إلى الخالق تعالى، خير منصف، وهو القادر على فك أسراهم، والعارف بما يجري من مؤسيات أرّقت مضاجعهم، وتحولوا إلى أسراب من المهاجرين، المشرّدين، إذ عجز العالم عن استيعابهم، ولكن الواقع ألزمهم بالهرب حلاً مما يعانون من قتل وتدمير!

وكما قلنا فإنَّ الغريب هو الذي ساهم في مساعدتهم والاهتمام بهم، بينما جارهم العربي، وخصوصاً الدولة الأكبر مساحةً وقوّة اقتصادية ضاربة، أوصدت أبوابها في وجهه، بل شدّدت في إيذائه، وفي أي خطوة يمكنها أن تسهم في تحسين معيشته، والغريب هو تشدّقها بالدفاع عنه. فأي عروبة يدعون!

هذا هو نصيب المواطن السوري، الشهم الأصيل، وللأسف، من أشقائه العرب! فهل هذا ما يستحقه؟
6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.