قصة العرب في مونديال روسيا لا تضاهيها سوى قصصهم السياسية. وقصة خسارتهم لمبارياتهم في الدقيقة 90 وما بعدها تستحق أن يقال فيها الكثير ويكتب. في مبارياتهم الأولى في مونديال روسيا 2018 خسرت منتخبات تونس والمغرب ومصر مبارياتها في الدقيقة الـ90 أو في الوقت بدل الضائع، ذلك أن النفس الرياضي للعرب قصير، كما هو حبل نفسهم السياسي الأقصر أيضاً. ومثلما استسلم العرب في كثير من قضاياهم، استسلمت منتخباتهم الممثلة في مونديال روسيا لمصيرها، وخرجت الجماهير العربية بحسرة وخيبات، هي نفسها التي تلازمهم منذ عقود.
صحيح أنها ليست سوى كرة قدم، لكن الكرة في كثير من تجلياتها باتت تنكشف على فصول سياسية. خسر المغرب استضافة مونديال 2026 سياسياً قبل أن يخسره رياضياً، لأن السعودية، التي استدرجت وحليفاتها، الرباط إلى حرب اليمن ومغامرة التحالف العربي، طعنوه في الظهر واستكثروا على المغرب مجرد ورقة تصويت لصالحه في سباق الفيفا لاستضافة المونديال، وصوتوا لصالح دولة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب وشركائها. ومثلما جرّت السعودية خمس دول عربية في هذا التيهان السياسي، تلقى الأخضر السعودي خمسة من الأهداف في شباكه في روسيا. ولرب ضارة نافعة، فقد أسهمت هذه الطعنة العربية في استثارة الرأي العام في المغرب الذي بات يطالب بالعودة إلى الاهتمام وإعطاء الأولوية للفضاء المغاربي وإصلاح العلاقات مع الجزائر، بالتزامن مع حملة للناشطين في البلدين لفتح الحدود بعنوان "خلي الحدود تفتح".
وقد تكون الصدفة وحدها جمعت بين أربعة مشاهد رياضية تحاكي نفس الوضع السياسي للعرب في الزمن الراهن تماماً، والصدفة وحدها أيضاً من وضعت ممثلي العرب في مواجهة متفرقة مع أربع دول، هي نفسها التي يصارعون مصائرهم السياسية معها أيضاً، روسيا وإيران والولايات المتحدة وبريطانيا. خسارة تنظيم مونديال 2026 في المغرب أمام الولايات المتحدة التي تحاول ألا تترك للعرب فرصة للفرح والتعاضد، وخسارات رياضية أمام روسيا وعلى أرضها وهي التي باتت تملك قرار السلم والحرب في سورية، وهزيمة رياضية أمام إيران، وهي التي تقبع في قلب المشهد العربي فاعلاً في أزمة سورية ولبنان والعراق والخليج، وطرفاً جديداً في أزمة مع المغرب، وخسارة مع إنكلترا التي خسر معها العرب الأرض المقدسة منذ ذلك الوعد المشؤوم في 1917. في زمن حكم ترامب والفيفا، لم تعد الكرة سوى انعكاس لواقع سياسي، وباتت صناعة متكاملة لا تخلو من توابل سياسية، وربما كانت دائماً هكذا من دون أن ينتبه العرب في الوقت المناسب كحالهم في كل الأوقات.