العرب في "نار وغضب"

العرب في "نار وغضب"

09 يناير 2018
+ الخط -
أثار كتاب "نار وغضب" للصحافي الأميركي، مايكل وولف، عاصفة سياسية عاتية في الولايات المتحدة دفعت الرئيس دونالد ترامب إلى التدخل ومحاولة منع نشر الكتاب، ولمهاجمة مؤلفه ومحتواه مراتٍ، بسبب ما يحتويه من نظرة مهينة وقاتمة لإدارة ترامب، ولشخصه أيضا.
يعتمد الكتاب على مقابلاتٍ أجراها مؤلفه، منذ مايو/ أيار 2016 وحتى الشهور الأخيرة من العام الماضي، مع عدد كبير من الشخصيات العاملة في حملة ترامب الرئاسية وإدارته. ويرسم في خلاصته صورة قاتمة للرئيس الأميركي، وأنه شخص مصاب بجنون العظمة وعدم القدرة على القيام بالمهام الرئاسية الرئيسية، كالتحكم في نفسه، والبحث عن المعلومة والتدقيق في سياساته ومساعديه. حيث يصور الكتاب ترامب شخصا فارغ العقل، مغرورا، يبحث عن انتصاراتٍ كبيرة وسريعة، بغض النظر عن التبعات، ومحاط بأسرته، وبعض أصدقائه من الأثرياء المتشدّدين، وبمساعدين صغار انتهازيين يتملقونه، في مقابل محاولة بعض كبار أعضاء إدارته، مثل وزيري الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي وكبير موظفي البيت الأبيض، إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ويبقى ترامب وعجزه عن التحكم في نفسه ونزاعته العقبة الرئيسية أمامهم. لذا، من الخطأ النظر إلى الكتاب باعتباره محاولة لرسم معالم سياسات ترامب في الماضي أو في المستقبل، أو لتحديد طبيعة علاقته بقادة معينين، مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كما فعلت بعض وسائل الإعلام، فكل ذلك قد يتغير.
تتعلق خلاصة الكتاب الرئيسية بأسلوب صناعة القرار داخل إدارة ترامب، والأسباب التي تدفعه إلى التصرف بهذه الطريقة، مع ملاحظة إمكانية التطور التدريجي لسياسات الإدارة الأميركية الحالية، بتغير موازين القوى داخلها. ويصور الكتاب ترامب شخصا فارغا بشهادة كل من حوله تقريبا، يريد تحقيق نجاحات سريعة في كل المجالات، من دون القيام بالجهد الكافي لتطوير سياسات تفصيلية لما يمكن تحقيقه، بل أنه يكره التفاصيل، ويبحث عمن يعطيه أفكارا مبسطة، تبدو كبيرة ناجحة وسهلة التنفيذ، والنتيجة أخطاء متواصلة في السياسات.

يحكم ترامب أميركا من خلال أسرته، وخصوصا ابنته إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر، ومن خلال بعض أصدقائه المقرّبين من الأثرياء المحافظين المتشدّدين واليهود المتعصبين لإسرائيل، في ظل محاولة وزيري الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي وكبير موظفي البيت الأبيض التحكم في الوضع، حتى لا يخرج عن السيطرة.
وفيما يتعلق بالعالم العربي، المفتاح الذي يقدمه الكتاب لقراءة سياسات ترامب هو طريقة تفكير ترامب نفسها، بنظرته السطحية المبسطة للعالم، ورغبته في تحقيق نجاحات ضخمة وسريعة تشعره بالإنجاز. لذا يفضل التعامل مع الدول الكبرى والمفتاحية في العالم العربي، وهي من وجهة نظره، إسرائيل والسعودية ومصر، ويتجاهل القوى الصغيرة وربما يسحقها، فهو لا يبالي بتبعات سياساته. ويوضح الكتاب أيضا حالة العداء الذي يكنها ترامب لإيران تحديدا، فنظرته التبسيطية للمنطقة تقسّمها إلى أصدقاء وأعداء، والعدو هو إيران في مقابل الأصدقاء، وهم إسرائيل والسعودية ومصر، ولعل سر علاقته القوية بالدول الثلاث أنها مفتاحية للسياسة الأميركية في المنطقة، ولطبيعة القيادات التي تحكمها. حيث يذكر الكتاب أن سر إعجاب ترامب وصهره جاريد كوشنر (يتولى ملف الشرق الأوسط) بولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن ثلاثتهم "لا يعرفون الكثير" عن السياسة الخارجية والعالم، ما جعلهم يتصوّرون إمكانية إحداث تغييرات كبرى في المنطقة تصب في صالحهم. وأن محمد بن سلمان هو من بادر بالتواصل مع كوشنر، وقدّم له نفسه أنه "رجله في السعودية"، ما مكّن بن سلمان، بمساعدة كوشنر، من ترتيب لقاء مع ترامب في بداية ولايته، بعد أن قدم وعودا كبيرة وبراقة، وهو تحديدا ما كان يبحث عنه ترامب، والذي أخبر مساعديه بعد ذلك أن السعودية "ستمول وجودا عسكريا أميركيا جديدا في المملكة، يدعم، وربما يحل محل القاعدة الأميركية في قطر". وقد أثار ذلك التقارب، في حينه، حفيظة مسؤولي الخارجية، الذين شعروا بأن ترامب يميل لبن سلمان بشكل فج على حساب ولي العهد السعودي في ذلك الحين، محمد بن نايف، والذي يمتلك علاقات قوية بمؤسسات الحكم الأميركية.
وقد نجح محمد بن سلمان في دعم تلك الصورة، وترسيخ علاقته بترامب، من خلال الإنفاق ببذخ (75 مليون دولار) على زيارة ترامب للمملكة، ودعوة قادة عشرات الدول الإسلامية للقائه، ما غذّى شعور ترامب بالعظمة، وبالقدرة على إحداث التغييرات الكبيرة والسريعة التي يحلم بها، كما دفعه إلى دعم تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، على اعتبار أنه رجل أميركا في المملكة. والواضح أيضا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، يغذّيان الشعور نفسه لدى ترامب، فكلاهما يمتدحانه بسخاء، ويصورانه شخصا قادرا على حل مشكلات المنطقة.
ويجب هنا التوقف على الحدود التي يضعها الكتاب نفسه على سياسات ترامب، وعلاقته بالدول الثلاث، حيث يقول إن مشكلات قانونية وصراعات داخل الدوائر المحيطة بترامب أدت إلى استقالة بعض أهم المحيطين به، مثل أول مستشاريه للأمن القومي، مايكل فلين، والذي استقال على خلفية فضائح تتعلق بعلاقاته السرية بالروس، وكان يعرف عن فلين عداؤه الشديد لإيران. وبمغادرته موقعه، ترك ملف إيران لوزير الدفاع جيمس ماتيس ومستشار الأمن القومي الجديد إتش إر ماكماستر، وقد يعاديان إيران، لكنهما أكثر انضباطا وتريثا من فلين.
كما أدت الخلافات إلى استقالة مستشار ترامب السياسي وقائد حملته الانتخابية، ستيف بانون، والذي يدور جزء كبير من الكتاب حوله، بسبب دوره في نجاح حملة ترامب، ولأفكاره
الشعبوية التي تريد تطبيق رؤى اليمين المتشدّد المختلفة على السياسات، وكان له تأثير في قضايا مثل حظر سفر شعوب بعض الدول المسلمة إلى الولايات المتحدة، وعدم المبالاة بأي فوضى خارجية تحدثها سياسات ترامب، بل كان يرى تلك الفوضى مفتاح نجاح ترامب، ورضا اليمين المتشدّد على حكمه.
وجاءت مغادرة فلين وبانون لحساب شخصيات أكثر انضباطا، كوزيري الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي، ما يسوغ ترقب سياسات أميركية أقل تهورا، لكن الكتاب يحذر من ترامب نفسه، باعتباره التهديد الأكبر لعدم انضباط السياسات الأميركية، بسبب تصوراته السطحية، وبحثه عن الإنجازات الكبرى، وعدم مبالاته بتبعات سياسته، وإحاطة نفسه بشخصيات انتهازية، مثل سفيرة أميركا في الأمم المتحدة وأحد صقور السياسة الخارجية الأميركية، نيكي هيلي، والتي يصورها الكتاب شخصية انتهازية، تقرّبت من ترامب عن طريق ابنته إيفانكا، واستطاعت الفوز بثقته، ولا تبالي بغير تغذية غروره وتهوره.
عربيا، يبشّر الكتاب بقصر حكم ترامب، بسبب التحدّيات القانونية الداخلية التي يواجهها، وبسبب عداء الجمهوريين له، وانقلاب شعبويين، مثل ستيف بانون، عليه. ولكنه يحذر من رئيس متهور سطحي، يبحث في المنطقة عمن يغذّي غروره ورغبته في إحداث تغيراتٍ ضخمة، مثل وضع حل للصراع العربي الإسرائيلي، يتماشى، في الغالب، مع رؤية نتنياهو وصقور لوبي إسرائيل، وحشد دول المنطقة في صراع ما ضد إيران، غير مبالٍ بالقوى الصغيرة، أو بتبعات تلك السياسات إقليميا، وإمكانية نجاحها.