العرب تحت القصف وليس غزة!

لا جديد في العدوان الصهيوني على قطاع غزة، لا من حيث الأسباب، أو من ناحية الوحشية الصهيونية، أو التخاذل العربي الذي وصل إلى حد التواطؤ الصريح، ولا من حيث ثبات المقاومة وصمودها، على الرغم من إمكاناتها المادية المحدودة.
دولة الكيان الصهيوني تمرر عبر وسائل إعلامها الأسباب الواهية نفسها التي ترددها دائماً، قبل وأثناء العدوان على القطاع المحاصر من كل جانب، وتمارس الإجرام المُمنهج نفسه في حق المدنيين العزل، فضلاً عن الأطفال والنساء الذين أنهكهم الحصار، قبل أن ينال منهم القصف. في المقابل، تجد المقاومة من الشعب الفلسطيني الأبي، وقد اشتدت وعظُمت، حيث تزداد قوة وصلابة يوماً بعد يوم، وعدواناً بعد عدوان. لكن الجديد في التحولات العربية تجاه ذلك العدوان، وتلك المقاومة التي تجعلنا نقول، إن العرب تحت القصف وليس غزة، والقصف الصهيوني موجه لدينهم وعروبتهم ونخوتهم، كما هو موجه إلى إنسانيتهم أيضاً.
على المستوى الرسمي، لم يعد الصمت العربي وحده شريكاً للكيان الصهيوني في العدوان، وإن حاولوا تجميله ببيانات شجبٍ وإدانة، يحاول القائمون على السلطة في البلاد العربية إخفاء جبنهم أمام شعوبهم من خلالها. بل تطور الأمر إلى تبرير هذا العدوان في بعض الأقطار العربية، وترويجه على أنه تلاقي المصالح المشتركة بين بعض الأنظمة والكيان الصهيوني، وما كانت تلك المبادرة أحادية الجانب التي تقدمت بها السلطة الانقلابية في مصر إلا نوعاً جديداً من أنواع تبرير العدوان والقتل، الذي وصل إلى حد التواطؤ الصريح والعلني على ضرب الشعب الفلسطيني، فضلاً عن الدعم الإعلامي الغريب من بعض الأنظمة، وفي مقدمها مصر العسكر.
وعلى المستوى الشعبي، وهذا هو الأهم لدولة الكيان الصهيوني، لإدراكها أن الشعوب هي الأبقى من الحكومات التي تتقرب لها دائماً بالفروض والنوافل، لكسب رضاها ورضا أميركا، فقد كشف لنا هذا العدوان عن انتعاش التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، أكثر من أي وقت مضى، كما هو الحال في مصر التي باتت تتواطأ صراحة ومن دون خجل على قتل أهل غزة، تارة بالمشاركة في الحصار الخانق، وتارة في دعم العدوان الصهيوني عليها، وتقديم الغطاء السياسي والدبلوماسي له، من دون أن نسمع ذلك الأزيز المعبر عن الغضب الشعبي الذى كان يجبر السلطة الحاكمة على محاولة احتوائه، والذي كان، من ناحية أخرى، تعبيراً متجدداً عن رفض عموم الشعوب العربية بصفة عامة، وعموم الشعب المصري، بصفة خاصة، للتطبيع.
ولكن، بعد ما يزيد عن أربعة عقود على مرور "كامب ديفيد" التي لم يحلم القائمون عليها في ذلك الوقت على أن تتطور العلاقات التطبيعية إلى مثل ما هي عليه الآن، بعد أن بات قطاع كبير من شعب مصر "العسكر" يبرر هو الآخر العدوان الصهيوني على غزة، ولا يجد غضاضةً في قبوله، ما دام العسكر سعيدين به، ووصل الأمر عند بعضهم إلى الشماتة والفرح لما يحصل لأهل غزة الأبيّة.
ولمّا كان الاعتداء الصهيوني على غزة سينتهي بمثل ما انتهى إليه الذي سبقه، أي من دون نتائج جذرية تغير طبيعة الصراع، أو ملامحه الأساسية، بغض النظر عن الانتصار الجزئي والمعنوي اللذين قد تحققهما المقاومة الباسلة، إضافة إلى زيادة التمرس والخبرة في ملاقاة العدو، فالواجب، بعد الانتهاء من التصدي لهذا العدوان، هو العودة إلى بني جلدتنا الذين غسل أدمغتهم الإعلام المتصهين، لقطع الطريق على مزيد من انتعاش التطبيع مع العدو الصهيوني، قبل أن يصل بهم الحال إلى ما هو أسوأ من ذلك مستقبلاً.