العرب بين مونديال روسيا وصفقات واشنطن

العرب بين مونديال روسيا وصفقات واشنطن

05 يوليو 2018
+ الخط -
شهد العرب في شهر يونيو/ حزيران الماضي حدثين مهمين، استحوذ أحدهما على اهتمام جماهيري واسع، على الرغم من أنه حدث رياضي، لن يؤثر قليلا ولا كثيرا في مستقبل الشعوب العربية، وهو مونديال روسيا. والثاني الذي لم تلتفت إليه الجماهير كثيراً، على الرغم مما يمكن أن يترتب عليه من آثار بعيدة المدى، وشديدة الخطورة على مستقبل الأمة، وهو صفقات واشنطن السياسية التي سوقتها عبر بعثةٍ رفيعة المستوى، ضمت مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر، والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط، جيسون غرينبلات.
ولأن شهر يونيو/ حزيران من الأشهر التي شهدت أحداثا شديدة الخطورة، وكانت لها، وما زالت، آثار بعيدة المدى على المنطقة وشعوبها، ولعل أبرزها التي وقعت في الخامس منه عام 1967، وفي 30 يونيو 2013 وفي 5 يونيو 2017. وهنا وقفة أمام أحداث يونيو 2018، في محاولةٍ للتعرف على دلالاتها، وما أحاطت بها من ظروف وعوامل.
صعدت أربعة منتخبات عربية لكرة القدم إلى منافسات كأس العالم في روسيا، وهي مصر والسعودية وتونس والمغرب. ومنذ وقت مبكر، دارت آلة الإعلام الموجه لتصور الأمر كأن العرب حققوا نصراً مؤزراً بذلك الصعود الكبير إلى العالمية. استقبالات رسمية على أعلى المستويات للفرق، وصور تذكارية، ونماذج من الكأس المأمولة فى خلفية اللوحة، وشركات راعية تخصص الملايين لإنتاج الأغاني والأهازيج عن الأبطال وتاريخهم العريق، في استدعاء فج لمطربين، وأغنياتٍ انطلقت في مناسباتٍ وطنية لها في وجدان الناس ذكريات عزيزة. واجتهد كل بلد من الأربعة المبشرين في روسيا، ما وسعه الاجتهاد، في هذا المجال، من إشغال 
الناس بشكل الطائرة التي ستقل المنتخب إلى موسكو، وشكل الحافلة التي ستخصص للتحرّكات من الفندق وإليه، وتسهيلات السفر للمشجعين والمشجعات، وشكل الإعلام ونماذجه، وأغطية الرأس، واتخذ كل منتخب لقباً، منتخب الفراعنة، والأخضر، وأسود الأطلس، ونسور قرطاج، وغير ذلك من أمور كثيرة، لم تكن بالقطع من قبيل الإعداد الجاد لمنتخباتٍ رياضيةٍ تتأهب لخوض منافسات دولية في لعبة كرة القدم، بقدر ما كانت تجييشا للجماهير، وربما تغييبهم عما يجري على صعيد آخر. وعلى أي حال، حقق الإعلام الموجه أهدافه، ولم يعد هناك من حديثٍ على الساحة العربية سوى حديث روسيا والمونديال، وانتظار الجماهير كأس العالم.
انطلقت المباريات، ولأن الملاعب مفتوحة، واللعب يجري، كما نقول، على المكشوف، وقف الإعلام الموجّه عاجزاً أمام النتائج المخزية، والخسائر المتتالية والسريعة التي تعرّضت لها فرقنا العربية الأربعة بأسودها، وفراعينها، وخضرها، وحمرها، لتخرج كلها من الدور الأول، وتعود في صمت إلى بلدانها. وتعبر هذه النتائج بصدق عن واقع الحال العربي، ضجيج أجوف، وصخب، وضرس، وكله بلا طحن. وصمت الإعلام وكأن شيئا لم يكن كعادته، وصمتت الجماهير، وانصرف كل إلى حال سبيله، اللهم إلا من استمر يتابع المونديال للمتعة الشخصية. والمثير أنه في ظل ذلك الضجيج الإعلامي الذي صاحب الاستعداد لمونديال روسيا، والانشغال الشعبي التام، والمعارك الوهمية المفتعلة بين المنتخبات الكروية للدول، خصوصا التي وقعت في مجموعة واحدة.
في غضون ذلك كله، كانت تجري في واشنطن، بالتنسيق مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، ترتيبات مهمة فيما يتعلق بصفقات واشنطن الخاصة بالمنطقة، فبينما كانت العواصم العربية الأربع تعد طائرات المنتخبات المزينة بالشعارات وصور النجوم، كانت طائرة رئاسية أميركية في واشنطن تستعد لحمل جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات إلى المنطقة، فهبطت أولا في عمّان، والتقيا العاهل الأردني عبد الله الثاني، في مباحثات لها أهميتها الخاصة بالنسبة لصفقات واشنطن، خصوصا المتعلقة منها بالضفة الغربية والقدس، حيث يُصر الملك على أن يبقى
المسجد الأقصى والأماكن المقدسة فى القدس تحت الوصاية الهاشمية، وهو متردّد في التسليم بصفقات واشنطن، ولعل ذلك يفسر سبب زيارته واشنطن بعد استقباله كوشنر مباشرة، وقبل نهاية جولة الأخير، والتي حمل هذا فيها تفاصيل المرحلة المقبلة من صفقة واشنطن إلى كل من الرياض، لمقابلة ولي العهد السعودي النافذ محمد بن سلمان، والقاهرة حيث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبطبيعة الحال إلى القدس المحتلة حيث التقى الشريك رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، كما زار الدوحة أيضا.
ولأن صفقات واشنطن تختلف كثيرا عن جولات مونديال موسكو، من حيث أنها لا تتعامل مع الجماهير، ولا الرأي العام، وإنما تتعامل مباشرة مع الحكام، وأصحاب السلطة، فقد نقل الإعلام صور الاستقبال والتصريحات المقتضبة التي صدرت عن دواوين الملوك والرؤساء والمتحدثين الرسميين.
يبقى أن العرب بقدر ما انشغلوا بمونديال روسيا انشغلوا عن صفقات واشنطن، وبينما تجري مباريات كرة القدم في ملاعب مفتوحة، فإن واشنطن تسوق للعرب صفقة غامضة، لتصفية قضيتهم القومية الوجودية، وهي القضية الفلسطينية، وقضية الهوية العربية التي تجعل منهم أمة واحدة، صفقة يتم طرحها بسرية مريبة، في الغرف المغلقة، مع أصحاب الجلالة والفخامة والسمو فى غيبة الشعوب. وإذا كانت نتيجة المونديال، على الرغم من العلانية والشفافية في المباريات، فإن الشعوب العربية لن تعرفها إلا مع صفارة الحكم في المباراة النهائية، فيما نتيجة صفقة واشنطن، على الرغم من السرية، والغموض، والتعمية المقصودة، بشأن جولات مبعوثيها، فإن الشعوب العربية تعرفها مسبقاً، وتدرك جيدا أن الفائز هو العدو الإسرائيلي.
2FABA6BB-F989-4199-859B-0E524E7841C7
عادل سليمان

كاتب وباحث أكاديمي مصري في الشؤون الاستراتيچية والنظم العسكرية. لواء ركن متقاعد، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجى لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية - العسكرية.