العرب بين تهليل ووجوم

العرب بين تهليل ووجوم

17 يوليو 2014
+ الخط -

عاش المواطن العربي، في الأيام والأسابيع الماضية، حالة تعدد شخصيات حادة، أدت في حالاتٍ كثيرة إلى خروجه من العالم الواقعي، وغوصه في عوالم الخيالات واﻷماني. قبل أيام، كانت مباراة كرة القدم النهائية لكأس العالم بين ألمانيا واﻷرجنتين، وانتهت بتتويج المنتخب اﻷلماني بطلاً للعالم في كرة القدم. بالتزامن مع المباراة، كان كثيرون من أهالي سورية وغزة والعراق واليمن يرزحون تحت وطأة الصواريخ وقصف الطيران.

مصدر العتب على المواطن العربي، ليس في تشجيعه منتخب ألمانيا، أو التهليل لمنتخب البرازيل أو الأرجنتين. بل العتب على التماهي في حالة التشجيع، ونسيان ما يجري خارج الملعب في العالم الحقيقي، ألمانيا وقفت مؤازرة لإسرائيل ومتعاطفة معها إزاء ما وصفته بأنه إرهاب حماس، من دون أن يرف لها جفن فيما يخص أطفال غزة الذين يسقطون يومياً بنيران الاحتلال الغاشم. وبالانتقال إلى اﻷرجنتين والبرازيل، فإنهما وقفتا، وما زالتا، مع نظام الأسد، وشدتا أزره في الحرب على الشعب السوري، بحجة أنه محارب الإرهاب وحامي الأقليات.

من هلل لمنتخبات المونديال التي تنتمي معظمها إلى دول تناصب قضايا العرب العداء، كثير منهم يخرجون تضامناً مع غزة ونزيفها المستمر، وبعد أن تحمل الأيدي نفسها أعلام فلسطين وشعارات حماس والمقاومة، تخرج لتحمل أعلام المنتخبات التي تشجعها، في مشهد أقرب إلى الفصام غير الواعي.

وبين من يصطفون أمام مبنى اﻷمم المتحدة من السوريين، ممن هجروا وعذبوا وقتل أولادهم، مع استمرار خذلان المجتمع الدولي لهم، تراهم منبرين يدافعون عن "فرقهم" التي يشجعون، ويتجادلون بشأنها. حالة تعدد الانتماءات المفترضة والخيالات الجامحة التي تعتري وعي العرب تحيل إلى مستوى إثقال الذهن العربي بأعباء الحياة والمصائب التي نزلت وتنزل بالعرب، كل يوم، ما يدفع بعضهم لأن لا يروا تناقضاً ولا إشكالاً بالتهليل للوهم.

الفرح بإنجازات اﻵخرين، والتهليل لها، يدل على ضعف المنجز الشخصي، أو حتى انعدامه. هذا الخواء يخلق حاجة، ورغبة لدى المواطن العربي، تجعله يفتش عن بديل قوي مليء باﻹنجازات، ليقدسه، ويجعل منه أيقونة تحتذى، فنحن، كاﻷيتام، نبحث عن أب يعوضنا عن ذاك الذي غيبه الموت، إلا أننا، ولانعدام البدائل من طينتنا، نتوجه إلى أب سرابي، لنخفف به وطأة الأحوال العدمية التي وصلت إليها بعض أحوالنا.