العراق 2017: ومضات من أرض السواد

العراق 2017: ومضات من أرض السواد

04 يناير 2018
(من آثار زقورة، تصوير: عصام السوداني)
+ الخط -

كسابقاتها، يصعب أن ننتظر الكثير من المنجزات من السنة الثقافية العراقية 2017، فـ "أرض السواد" بإحداثيات واقعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي لا يمكن أن ننتظر منها حصاداً ثرياً، رغم ذلك فإن نُخب العراق تنجح في إنجاز الحد الأدنى من الإنتاج سنوياً ضمن مختلف ميادين الثقافة، عبر مبادرات فردية في الغالب أو ما تسمح به المؤسسة الرسمية، مع مزيد من عزلة البلد ثقافياً عن بقية محيطه العربي.

"العربي الجديد" عادت إلى سنة الثقافة من خلال قراءات مثقفين عراقيين لها، يقاربونها من زوايا مجالاتهم وإنتاجاتهم الشخصية فيها. آراء تراوح بين التقاط أكثر من عنصر من السنة المنقضية، بعضها إيجابي ولكن تظلّ في معظمها تنتظر الأفضل.

يقول الكاتب والباحث في الفلسفة، رسول محمد رسول: "ونحن نودّع عام 2017، أستطيع أن أقول إن البلاد العربية بشكل عام عاشت سنة أخرى من سنوات الإحباط والتمزق، كانت آخر مظاهرها ما حدث للقدس، وكُل ذلك ينعكس بشكل أو بآخر على المشهد الثقافي الذي راحت المشكلات السياسية بين البلدان العربية تمزّقه هو الآخر حتى بدا الإبداع العربي مُرّ المذاق، وصار المثقف العربي لا صوت له يعلو بين الضجيج، لكن إصراره على الكتابة يُعد نصراً لقضية الحرية، وإيماناً بالإبداع بوصفه مخرجاً لأزمة ما يعيشه الإنسان راهناً، وهنا يكابد المثقف التحديات تلو الأخرى من أجل إيصال ما يريده".

ويتابع رسول في ما يخص إنتاجه الشخصي في 2017: "صدر لي ضمن تخصّصي الفلسفي كتاب "كانط في ذاته"، ونشرتُ كتباً أخرى في النقد الروائي، لكن الأهم بالنسبة لي، في ظل ما يجري في عالمنا العربي، هو استكمال كتابي "هيا إلى الإنسان.. من الكائن البشري إلى الموجود الإنساني"، الذي سيصدر مطلع 2018، وفيه رؤيتي الفكرية عن الإنسان الضائع في هذا العالم".

من جهتها، ترى الكاتبة القصصية نهى الصراف، أنه "وعلى الرغم من قلة الدعم الذي يجده المثقف العراقي من قبل المؤسسات الثقافية والإعلامية في داخل العراق، إلا أن العام الماضي شهد العديد من النشاطات والفعاليّات الثقافيّة، على هامش المنجز الثقافي سواء في الداخل أو الخارج".

ترى الكاتبة العراقية أنه يوجد "تباين في المستوى الإبداعي، وهناك إنتاج كبير ومتنوّع لأجيال مختلفة أيضاً"، حيث تستشهد بترشيح مؤلفات سردية عراقية كثيرة لجوائز عربية بارزة، حيث ترى أن "الحضور العراقي واضح في هذا الميدان التنافسي على الرغم من أن الجوائز ليست مؤشراً حاسماً، لكنها بالتأكيد وضعت المنجز العراقي في دائرة الضوء ورفعت من سقف التوقعات العربية حوله، بعد أن عانى عقوداً من العزلة والتهميش والتعتيم أيضاً، بسبب الأحداث السياسية التي عصفت بالبلد".

وحول واقع القصة في 2017، تتابع في حديثها إلى "العربي الجديد": "لعل أبرز ما شهده العام هو إعادة الاعتبار للقصة القصيرة؛ هذه الزاوية المنسية من الإبداع التي تعرّضت إلى الكثير من الإهمال على يد النقاد والجمهور والناشرين على حد سواء، واقتصر حضورها على تمثيل الأدوار الثانوية في الحياة الثقافية، ومن خلال خارطة الجوائز هذا العام برزت أسماء عراقية عديدة، مثل زهير كريم، وضياء الجبيلي، ولؤي حمزة عباس".

أما الروائي والناقد عوّاد علي، فيقول في حديثه إلى "العربي الجديد": "رغم أني أقيم خارج العراق منذ نحو ربع قرن، فإن متابعتي للحياة الثقافية في العراق متواصلة عبر القنوات الإعلامية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمهرجانات، ومعارض الفنون التشكيلية، ومعارض الكتب التي تقام في أكثر من بلد عربي، إضافةً إلى لقاءاتي بالعديد من المثقفين العراقيين الذين يزورون عمّان، وزياراتي السنوية إلى البلد. لذا أستطيع القول إن هذا الحراك كان عام 2017 - وفي الأعوام التي سبقته - عصامياً، على نحو عام، ولم يستطع النظام أن يدجّنه، وإذا ما وجد بعض المثقفين الذين سايروه طمعاً بمنافع انتهازية، فإنهم قلة (نكرة) لا قيمة لهم".

يقرأ صاحب "المرآة والتخييل" مختلف عناصر المشهد العراقي، فيقول: "لقد شهد عام 2017 حضوراً ملحوظاً للسرد، وذلك من خلال صدور الكثير من الروايات والمجموعات القصصية المتميزة لروائيين وقصاصين من مختلف الأجيال. وفي مجال السينما، وبالرغم من تراجع الإنتاج السينمائي العراقي بعد الاحتلال، حازت بعض الأفلام الوثائقية والروائية على جوائز في مهرجانات عربية. وشكّل فوز المخرج المسرحي الشاب علي دعيم بجائزة أفضل إخراج، مناصفةً مع المخرجة التونسية وفاء طبوبي في الدورة 29 لـ"أيام قرطاج المسرحية" في تونس، مؤشراً إلى أن ثمة جيلاً مسرحياً عراقياً جديداً يجتهد ويبتكر ويواصل الحفاظ على سمعة المسرح العراقي، رغم أن العرض من إنتاج فرقة أهلية ضعيفة في إمكانياتها المادية، ولم تحصل على أي دعم من وزارة الثقافة".

وحول الفن التشكيلي، يجده عوّاد في 2017 "نشطاً في الصالونات الفنية، أو في دائرة الفنون التشكيلية التي ملأت أسابيع السنة بالمعارض الشخصية والجماعية، فضلاً عن المعارض الشخصية والجماعية التي أقامها الفنانون، بجهود فردية، في العديد من العواصم العربية، كانت عمّان في مقدمتها. لكن النقد التشكيلي قصّر كثيراً في متابعة تلك المعارض وتوجهاتها الفنية بسبب غياب النقاد المتخصّصين في السنوات الأخيرة، وحلول إعلاميين محلهم".

أخيراً، يتناول محدّثنا وضع الشعر، فيرى أنه قد "بقي في محفله المنبري، كما يرى بعض الأصدقاء النقاد، فما طُبع منه ليس كافياً ليُصنّف نقدياً كإنجاز، في الوقت الذي توارت فيه أسماء شعرية كثيرة، ولا سيما ممن هم خارج العراق، وحتى في الداخل، فلم يلفت الأنظار ديوانٌ شعري أو حقق رصيداً شعبياً أو نقدياً أو تنافس مع غيره في قوائم التوزيع المعروفة، وظلت دور النشر العراقية تتحرّج في طبع دواوين الشعر لحساب السرد بشقيه الروائي والقصصي".


آثار العراق ليست شأنه

حلّت في 2017 الذكرى الـ 160 لحلّ شيفرة الكتابة المسمارية، وفيما تعدّدت الفعاليات في أوروبا حولها، من معارض ومحاضرات، غاب الموضوع تماماً داخل العراق، ما يظهر أن الآثار العراقية شأن أجنبي أكثر من كونها شأناً عراقياً! كثيراً ما يركّز المتخصّصون في الآثار العراقية القديمة على وضع الآثار اليوم، والتهديدات التي تتعرّض إليها بسبب حروب العراق، في ما يبدو تخوّفاً على مصير مجال بحثهم برمّته قبل أي شيء آخر.

المساهمون