العراق... وانفجرت الفقاعة عند الفجر

العراق... وانفجرت الفقاعة عند الفجر

01 يوليو 2020

هل هزم الكاظمي في معركته الأولى أمام مليشيات إيران؟/ بغداد (6/5/2020/الأناضول)

+ الخط -

لم تستمر "صولة" رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، ليلة الخميس الفائت، طويلا، إذ انفجرت الفقاعة مع صياح الديك فجر الجمعة، وعرف العراقيون أن واقعةً مثيرةً حدثت، لكن مواقع التواصل الاجتماعي التي حفلت بالأخبار المفبركة والتغريدات الملتبسة جعلت منها عملية تغيير شامل وكامل، يطاول كل ما بنته (الأصح: دمرته) العملية السياسية التي جاء بها الأميركيون، ويجهز على مرتكزات "الدولة العميقة" التي أحكمت إيران حلقاتها، لكن تكشّف لاحقا أن الأمر لم يكن كذلك، وأن الأماني لا تتحوّل إلى حقائق، بمجرّد أن يحلم المرء بها.

الرواية باختصار: توجه فريق من جهاز مكافحة الإرهاب إلى وكر لكتائب حزب الله العراقي في جنوب بغداد، وألقى القبض على 14 شخصا من أفراد المليشيا المذكورة، ليصبح العدد، في تصريح آخر، أكثر من خمسين، من بينهم واحد على الأقل خبير في التعامل مع الصواريخ، ويحمل الجنسية الإيرانية، وفي رواية أخرى ثلاثة إيرانيين وليس واحدا، ورواية ثالثة نسخت الروايتين الأوليين، وأنكرت أي وجود إيراني في الواقعة. كما عثر على صواريخ معدة للإطلاق ومنصات صواريخ وأسلحة. وقيل إن من ألقي القبض عليهم سيحالون إلى القضاء. عندها نزلت إلى شوارع بغداد قوة مليشياوية في استعراض قوةٍ، وطوّقت أخرى موقعا لجهاز مكافحة الإرهاب في المنطقة الخضراء، وارتفعت أصوات شخصياتٍ سياسيةٍ نافذةٍ مندّدة بالصولة الكاظمية، وداعية إلى التراجع عنها، لأن "الدولة هي دولتنا ولا نسمح بالنيْل منها"، بتعبير زعيم حزب الدعوة، نوري المالكي، وراجت في الفضاء الإلكتروني بيانات تهديد ووعيد صادرة من مليشيات "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله" و"النجباء" و"جند سليماني" و"ثأر المهندس" و"كتائب النبأ العظيم" التي ترتبط جميعها بالحرس الثوري الإيراني، وتشكل طابورا خامسا يتحرّك بتوجيه من طهران عند الضرورة. 

تسويةً تحفظ ماء وجوه الجميع، وتقضي بتسليم المعتقلين إلى أمن الحشد الشعبي، في عمليةٍ أطلق عليها مغرّدون من باب السخرية "عملية منها وإليها

كما غرّد قائد مليشيا العصائب، قيس الخزعلي، أنه "لا رئيس الوزراء ولا غيره يستطيع الوقوف بوجه المطالبين بالسيادة". ودعا آخر صراحةً إلى الاقتصاص من الكاظمي واغتياله، وقد أثمرت كل هذه التقاطعات تسويةً تحفظ ماء وجوه الجميع، وتقضي بتسليم المعتقلين إلى أمن الحشد الشعبي، في عمليةٍ أطلق عليها مغرّدون من باب السخرية "عملية منها وإليها"، مهّدت لإطلاق سراح عدد من المعتقلين، وإنزال الستار على المسرحية التي يرى كثيرون أنها كان يجب أن تكتمل بالإجهاز على رؤوس المليشيات، والاقتصاص منها على خلفية الجرائم التي ارتكبتها بحق العراقيين، وجديدها جرائم الاغتيال والاختطاف والتغييب لمئات من ثوار تشرين، ولكن شيئا من هذا لم يحدث. وقد لا يكون أحدٌ ممن خطط للصولة أو نفذها قد فكّر في أمرٍ كهذا، ومع أن عراقيين كثيرين صفقوا للكاظمي، وارتاحوا لخطوته، إلا أن شعورا بالخيبة والإحباط خالطهم، في النهاية، لأن الخطوة المذكورة لم تصل إلى ما هو مرجوّ منها. 

وكشف عارفون ما حصل وراء أبواب مغلقة، حيث إن ايران التي كانت قد توجست شرا من حكومة الكاظمي، ولم تمحضها الدعم الكامل في حينه، مارست ضغوطا عليه من أجل التراجع عن "صولته". وعرف أن "وكلاءها" ظلوا ساهرين حتى الفجر في ملاحقة ما يستجد إلى أن حصلوا على ضماناتٍ لتجاوز الأزمة.

أفرزت "صولة" الكاظمي القاصر سجالاتٍ شتى، أحيت السؤال الغائب الحاضر دائما: "من تجب مواجهته أولا، الاحتلال أم الهيمنة؟ أميركا أم إيران؟"

وفي خضم كل تلك التداعيات، أفرزت "صولة" الكاظمي القاصر سجالاتٍ شتى، أحيت السؤال الغائب الحاضر دائما: "من تجب مواجهته أولا، الاحتلال أم الهيمنة؟ أميركا أم إيران؟" ومعروفٌ أن ناشطين دعوا أميركا مرارا إلى تصحيح خطيئتها التي ارتكبتها باحتلال العراق، ومساعدتهم على التخلص من شرور حكامهم الحاليين، وكأنها لم تغز العراق وتحتله، ولم تسفك دماء أبنائه، فيما واصل الموالون لإيران حملتهم للتحريض على الوجود الأميركي في العراق، باعتباره أولوية قصوى، منطلقين من الرؤية الإيرانية التي ترى في وجود الأميركيين على مقربةٍ من بوابتها الاستراتيجية نحو المنطقة خطرا عليها. ولكن اللافت أن فريقا ثالثا دخل على الخط، ليعبر عن رؤية وطنية خالصة تقرّر أن الواجب هو مواجهة الاحتلال والهيمنة معا، وأعوانهما المحليين الذين يتحكّمون بسلطة المال والقرار، والعمل على تحقيق استقلالٍ ناجزٍ وسيادةٍ كاملة. وضمن هذه الرؤية، قال ناشط مغترب إن مصلحة العراقيين هي في أن يدعو الثوريْن يتناطحان، ففي النهاية سوف تكون الغلبة للعراق. 

هكذا فشلت صولة الكاظمي، وانفجرت الفقاعة عند الفجر .. لكن ماذا بعد ذلك؟ الجواب لدى ثوار تشرين.

583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"