العراق والعقوبات على إيران

العراق والعقوبات على إيران

07 نوفمبر 2018
+ الخط -
بعد أن دخلت العقوبات الأميركية على إيران حيز التنفيذ، فجر الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، تتجه الأنظار بعد الأوضاع في الداخل الإيراني إلى تأثيرات هذه العقوبات وتداعيات التزام العراق بها، وحجم مراقبة واشنطن الفعلية هذا الالتزام.
ويعتمد العراق بشكل شبه كامل على ما توفره إيران من مواد أساسية كالكهرباء، منتجات البتروكيمياويات، منتجات صناعية متعددة، كالسيارات والأدوات الكهربائية الصناعية والمنزلية أو المواد الاستهلاكية الزراعية والغذائية، وغيرها من متطلبات ديمومة بقاء السوق العراقي نشطا، بما يلبي حاجة مؤسسات الدولة والبيت العراقي على حد سواء. وقد بات العراق اليوم أمام مأزق كبير، يواجه أولا حكومة عادل عبد المهدي، في أول أزماتها الكبرى، ثم السوق العراقية التي لم تهيئها الوزارة العراقية السابقة (وزارة حيدر العبادي) لتدبّر أمر هذه العقوبات بشكل ممنهج .
العراق أيضا، وبسبب الحالة الخاصة التي باتت تحدّد علاقة الحكومات المتعاقبة فيه منذ عام 2005 بالتبعية المبالغ بها تجاه إيران، وضع نفسه أمام مأزقٍ خطير، يتمثل بسلب الإرادة 
الوطنية العراقية لمواجهة أية أزمة مع جارته إيران، أو الانصياع لأي عقوباتٍ تجاهها، أممية كانت أو من دولة مهيمنة كالولايات المتحدة. ولعل مؤشرات حجم التبادل التجاري بين بغداد وطهران للعام الماضي، على سبيل المثال، توضح حجم الهوة الكبيرة التي وضعت إدارات الحكومات العراقية المتعاقبة نفسها أو العراق فيها؛ فبحسب وزارة التجارة العراقية، فإن العراق استورد من إيران ما قيمته أكثر من ستة مليارات دولار، بينما كان حجم صادراته لها 77 مليون دولار.
أهم الخيارات المتاحة أمام العراق، إضافة إلى ما قد يحصل عليه من وارداته من الصين، زيادة حجم الميزان التجاري مع تركيا، والتي هي في الأصل تمثل منافسا كبيرا للإيرادات الإيرانية، من حيث الأسعار ومن حيث الجودة، كما سيكون للسوق السوداء الدور الأبرز في استمرار تغذية السوق العراقية بالمواد الأولية للصناعات الإيرانية فيه، وخصوصا سوق السيارات والمواد الاستهلاكية والزراعية.
لكن، وفيما يُعلم أو لا يُعلم عن مقدار الدعم الذي يمكن أن يقدّمه العراق لمساعدة طهران على الثبات أمام العقوبات الأميركية، فإن ما يجب أن يكون موضع الدراسة والنقد والإجراء هو طبيعة النظام السياسي والاقتصادي الهزيل الذي سيّرت به الأوضاع في العراق، وغياب التخطيط الاستراتيجي عن حيثيات الحكومات العراقية بالشكل الذي جعل العراق، وبعد 15 عاماً من تغيير النظام فيه لصالح الطبقة السياسية الحالية، غير قادر على تسيير حكم تنموي يعيد إلى هذا البلد القاعدة الصناعية العظيمة والخطط الزراعية الناجعة، وتحقيق الأمن الغذائي لشعبه، كما لم تفعل الحكومات المتعاقبة من شيءٍ يذكر سوى تضييق الخناق على الاقتصاد العراقي، عبر سلسلة من الإجراءات المعتمدة على زيادة الاعتماد على الجارتين، إيران وتركيا، لتعويض حاجة السوق العراقية بما يكفي للاستهلاك اليومي فقط، ومع أية أزمة، لن يكون للعراقيين شيء يمكن استهلاكه حتى أو البناء عليه.
أمام حكومة عادل عبد المهدي فرصة ذهبية كبرى، إن كان يريد لنفسه، أو لحكومته، الخروج من سكة قطار الفساد المستشري في الحكومات السابقة، تلك هي العودة بقوة إلى الاستثمار في داخل العراق، لإعادة بناء ما دمّرته الآلة العسكرية الأميركية في 1991 و2003، ثم ما دمّر بحجة القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابي، وكذلك إعادة رسم علاقات العراق مع محيطه الإقليمي، وكل دول العالم، وفق منطق المصالح المشتركة، وخصوصا فيما يتعلق بمصالح أمنه القومي؛ مثل موضوع الأنهار (الكارون، دجلة، الفرات)، وموضوع الحدود، ومشاريع إحياء الأراضي الزراعية واستصلاحها، وبناء قاعدة استثمار عميق لتنشيط السياحة بأنواعها، وخصوصا منها الدينية، لتوفير إيرادات مهمة بالعملة الصعبة، تساعد المخططين على رسم خطط تنموية قابلة للتنفيذ.
الأهم الذي ينتظر عادل عبد المهدي، وعلى الرغم من ضعف ثقة مراقبين كثيرين للشأن 
العراقي، هو موضوع العودة إلى الشعب مصدرا رئيسا للسلطات وللقوة والقدرة على إحداث التغيير. ولا يمكن أن يمنح الشعب العراقي، بأي حال، ثقته لأي وزارةٍ، ما دامت ظاهرة الفساد تعمّ أركان الطبقة السياسية، بما أبعده كليا عن معاناة هذا الشعب ومأساته. ولكن إن توفرت لدى عبد المهدي الرغبة والإرادة الحقيقية للتغيير، فستكون العقوبات على إيران المفتاح الأبرز لفك الارتباط والتبعية لهذا البلد، والبدء فورا بالتحرّك، مع ما يملكه من سلطات، بوصفه قائدا عاما للقوات المسلحة بتثبيت الإرادة الوطنية، بعيدا عن سلطة المليشيات التي تمثل ذراع طهران القوي في العراق.
سيكون العراق في وضع صعب للغاية في الفترة المقبلة، وستمارس الإدارة الإيرانية مزيدا من الضغوط، من أجل دفع الحكومة العراقية إلى تقديم المساعدة والالتفاف على العقوبات الأميركية، وهو ما سيمثل مفترق طرق خطيراً في العلاقة الإيرانية – العراقية، والأميركية – العراقية، بشكل ربما يكون محسوبا من واشنطن، لحسم موضوع الولاء لنظام الولي الفقيه من جهة، ولمنح الحكومة العراقية الفرصة لاستعادة السيطرة فعليا على البلاد، من حيث القدرة على إعادة البناء واستثمار العائدات بشكل موجّه.
عبّر رئيس مجلس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، عن موقفه من العقوبات الأميركية على طهران بالقول "إن العراق سيمنح الأولوية لمصالحه الخاصة واستقلاله فيما يخص مساعدة الولايات المتحدة في تطبيق عقوبات على إيران"، ومع وجود بعض التطمينات الأميركية بخصوص منح واشنطن إعفاءً خاصا لبغداد على واردات الغاز والطاقة الإيرانية التي تغذّي محطات الكهرباء العراقية (بحسب مسؤولين عراقيين)، إلا أن استثمار الفرصة التي تمنحها العقوبات (على الرغم من تأثيراتها الإنسانية البشعة على الإيرانيين والعراقيين) سيكون بداية طريق جديد، لعراق ربما يكون جديدا عن ذاك البلد الذي مسخ منذ عام 2003، فهل ستنظر حكومة بغداد إلى مآلات العقوبات من هذا الجانب؟.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن