العراق: زوجات بلا أوراق وأبناء بلا هوية في ديالى

العراق: زوجات بلا أوراق وأبناء بلا هوية في ديالى

11 يونيو 2014
أوضاع صعبة لنساء العراق اثر انعدام الأمن(أرشيف/ فرانس برس/Getty)
+ الخط -
"تخيل أنك بلا أوراق تثبت وجودك على قيد الحياة، تمنحك الحق في العيش بكرامة والتمتع بالقليل من أبسط حقوق الانسان الطبيعية، يطاردك كابوس دائم أنك بلا هوية، تحلم أن تنجز يوما ما معاملاتك الحياتية بسهولة كغيرك حتى تستطيع دخول المدرسة أو العلاج في المستشفيات الحكومية".

واقع مؤلم تعيشه مئات الأُسر العراقية في محافظة ديالى يوميا، حيث تعاني نساء عديدات تزوجن بلا عقود موثقة في الجهات الرسمية، فيما تضاف إلى معاناتهن آلام ابنائهن وبناتهن ممن حرموا الهوية والأوراق الثبوتية، بسبب عدم تصديق عقود زواج أمهاتهن في المحكمة الأمر الذي أورثهم مشاكل بالجملة، كالحرمان من التعليم والعلاج والحصول على جميع خدمات الدولة كغيرهم.

أسباب متعددة حالت بين العديد من العراقيات في محافظة ديالى -التي تبعد عن العاصمة بغداد 57 كم شرقي العراق- وبين توثيق عقود زواجهن على رأسها الخوف من الاتهام بالإرهاب بسبب الزواج من أجانب قاتلوا الى جانب المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي وعدم حمل الأهل لأية وثائق ثبوتية لاعتبارهم من " التبعية" أي البدون، بالاضافة إلى تهجير العائلات من مكان اقامتها إلى محافظات أخرى وغيرها من الأسباب التي نناقشها في التحقيق التالي.  

أسباب متعددة والنتيجة واحدة

"لا أمتلك من الحياة غير الدموع، كنت أحلم بحياةٌ جميلة، لكنها أصبحت كوابيس، حياتي مدمرة لكن معاناتي لا تقارن بأن أبنائي أصبحوا من غير حاضرٍ ولا مستقبل"- تقول عبير إحدى الأمهات التي لا تمتلك أوراقا تثبت زواجها -، تفيض عيناها بالدموع، وتضيف "حلم حياتي أن أمتلك عقد قران موثقاً بالمحكمة".

حلم عبير يجسد معاناة الكثير من العوائل المشابهة في ديالى، بعد أن انتشرت في السنوات الاخيرة حالات بالمئات لزيجات تتم بعقد قران عند مأذون شرعي، تتوقف الإجراءات عند هذا الحد، ولا يتم تصديق العقد في المحكمة للعديد من الأسباب من بينها عشرات الحالات لنساء تزوجن من المقاتلين العرب في ديالى، الذين قتل أغلبهم وهرب البعض الآخر، بالطبع كان الوضع الأمني عائقا عن الذهاب إلى المحكمة لتصديق العقد، لكون المقاتلين مطاردون من قبل القوات الأميركية والحكومة العراقية التي تلاحقهم.

خولة -24 عاماً - واحدة من (30) حالة تقريبا في إحدى قرى ديالى وفق احصائيات منظمات مجتمع مدني محلية تزوجن من مقاتلين عرب.

"في عام 2006 كان المقاتلون العرب الى جانب المجموعات المسلحة من العراقيين ضد القوات الأميركية يبحثون عن زوجات وزوجني اهلي من احدهم الذي عرفته فقط بكنيته ولم اعرف اسمه، بعد ان قتل زوجي  خلال
فترة حملي انفتحت أبواب الحجيم" تقول خولة.

" ولد طفلي يتيما من دون حتى أن أستطيع أن أثبت نسبه رغم أن أهلي هم من قاموا بتزويجي، فاضطرتني ظروفي إلى تسجيله باسم والدي الذي هو جده، لكني اعتبر نفسي محظوظة لأنني تزوجت لمرة واحدة فهناك حالات قليلة تزوجن اكثر من مرة بعد ان يقتل زوجها الأول، ويصبحن أرامل ولديهن أطفال من الزوجين بدون أن يستطعن اثبات نسبه حتى إن كانت تملك هوية باسمه حيث لا تستطيع تقديمها للمحكمة خوفا على اسرتها من اتهامها بالإرهاب.

السيدة (ج) رفضت محاميتها الكشف عن اسمها تعد ضحية الوضع الامني المتردي في ديالى بعد ان تزوجت دون عقد موثق في المحكمة من ضابط رفض اثبات أبوته لطفلتها، وحين طلب القاضي منه اجراء اختبار فحص الجينات الوراثية اختفى كما اختفت القضية، التي لم يعد لها أثر، لتعيش في جحيم عدم القدرة على إثبات زواجها، وهو ما يظهر اثره يوما وراء يوم خاصة على ابنتها التي لا تستطيع إدخالها إلى المدرسة او علاجها بالمستشفيات الحكومية .

سبب آخر للظاهرة يتمثل في تهجير العائلات من أماكن سكنها بفعل الاحداث الطائفية والوضع الأمني المتردي، "تزوجت بعقد قران خارجي، بعد ان هجرت وأهلي من محافظة ديالى إلى محافظة كركوك حيث التقيت بشاب مُهجّر من محافظة البصرة وتزوجت منه بعقد قران لم يوثق، وبعد عدة اشهر خرج الزوج ولم يعد ولا اعرف عنه شيئاً سوى انه من محافظة البصرة " – تقول أسماء احدى الحالات التي تعاني من الأمر، لكن ما زاد معاناتها هو أن أهل الزوج لم يكونوا راضين عن ذلك الزواج ، وحين سؤالها عنه رد بعضهم انه قتل والبعض الاخر بانه لا يعرف عنه شيء، بينما ظلت اسماء وطفلها الذي لا يمكن له ان يحصل على هوية ثبوتية ولا بطاقة تموينية ولا يُمكنَه حتى الانتظام في المدرسة، تشاطر المعاناة مع مئات الحالات الأخرى.

جهل الأهل بأهمية تصديق عقد القران اوقع بالكثيرات في مشاكل من بينهن سهاد -ثلاثينية- من منطقة الكرادة في بغداد، والتي تزوجت من رجل من محافظة ديالى وأنجبت منه ثلاثة أطفال، وهي لا تملك عقداً مصدقاً بالمحكمة وأطفالها لا يملكون هوية الأحوال الشخصية (جنسية عراقية) ولا البطاقة التموينية بسبب جهل أهلها بأهمية تصديق العقد.

إكراه الأهل لبناتهم وإجبارهن على الزواج وهن صغيرات يمكن أن يضاف إلى قائمة الأسباب، حيث أجبرت مريم على الزواج بعمر 15 عاما، وأصبحت حبلى وحين طلبت من زوجها أن يتمم عقد الزواج في المحكمة اشترط أن يكون الطفل ذكرا ليتمّ تصديق العقد، لكن حظها العاثر أدى إلى أن تلد أنثى فلم يقم بتصديق عقد الزواج.



العربي الجديد تحاور إحدى المتضررات

حالة أخرى لفتاة أجبرت على الزواج وهي في عمر 12 عاماً، بعد ان توفيت والدتها اجبرها اشقاؤها على ترك الدراسة رغم مستواها الجيد في المدرسة بسبب العادات والتقاليد التي تحكم المجتمع المحيط بهم ، لتتزوج أحد أقاربها الذي كان يعمل مع المجموعات المسلحة في تلك الفترة فلم يستطيعا توثيق العقد، عقب فترة قصيرة اعتقل زوجها لمدة ثلاث سنوات وبعد خروجه من السجن عاشت مع أهله حيث وقعت مشاكل أدت إلى انفصالهما، فلم تحصل على حقوقها تقول الفتاة التي أصبحت في العشرينيات "أفكر أحيانا بالانتحار بسبب اهانة أهلي والمجتمع الذي أعيش فيه".

حكاية أخرى لمهجرات لا يمتلكن وثائق زواج، لكنهن في الأساس لا يمتلكن أي هوية حيث يُعددن من بقايا النظام السابق في العراق ممن كان يطلق عليهم الـ (التبعية) أي أنهم ليسوا عراقيين بما يشبه حالة البدون في الدول الخليجية المجاورة للعراق، العديد منهم يقطنون الان في احدى قرى قضاء بلدروز ضمن محافظة ديالى، بالطبع لأنهم لا يمتلكون أي هوية فانهم لجأوا للزواج خارج المحكمة ورزقوا بالأبناء الذين اورثوهم عدم وجود هوية شخصية ليستمر حرمانهم من جميع حقوقهم الأساسية.

وكانت منظمات المجتمع المدني العراقي طالبت بفتح مراكز للمأذون القانوني يديرها قانونيون لتسهيل تسجيل العقود وإضافة ذلك بقانون الاحوال الشخصية العراقي .

المأذون القانوني هو الحل

الناشطة المحامية منال المهداوي ترى أن الظاهرة منتشرة في المجتمع العراقي، وليس في ديالى فقط. ويمكن اعتبارها ظاهرة خاصة بالمجتمع الريفي وبين المهجرين.

المهداوي قالت لــ " العربي الجديد " قانون الأحوال الشخصية العراقي اعطى الحق لمن هو دون الثامنة عشرة بالزواج، الا أن اكثر الذين يتزوجون، وهم اقل من هذا السن لا يقومون بتصديق العقد في المحكمة بحجة انتظار أكمال الثمانية عشرة عاما، وأثناء هذه الفترة قد يرزق الأزواج بأطفال وتحدث مشاكل تؤدي الى الانفصال فتضيع حقوق الزوجة وأطفالها".

ودعت المهداوي إلى تفعيل القوانين الموجودة التي تنص على معاقبة كل رجل يعقد زواجه خارج المحكمة بغرامة مالية او الحبس مدة لا تقل عن ستة اشهر قائلة " القانون غالبا لا يطبق حيث يخرج الزوج بكفالة، مما يجعل الرجل يستسهل العقد خارج المحكمة".

أما القانونية نوال المقدادي فكشفت عن وصول من 3-4 دعاوى تصديق عقود زواج كل يوم إلى محكمة المقدادية ( واحدة من خمسة محاكم تابعة لمحافظة ديالى )، وقالت "في حال تم البت بجميع الدعاوى التي تصلنا فهذا يعني أننا نصدق (500) عقد في السنة ولو جمعنا هذا العدد على خمسة اقضية فان الناتج سيكون (2500) حالة تصديق لعقود تمت خارج المحكمة، إلا ان في احصائية منذ بداية عام 2014 ولغاية 31/5/2014 فان عدد الدعاوى التي تم البت بها هي (156) قضية أما باقي الدعاوى والتي تعرف بالحسبية أي التي لا تبطل إلا بسبب عدم اكمال الوثائق المطلوبة او عدم حضور المدعى عليه، كما ان كثيرين لا يقومون بإكمال دعاويهم بسبب ان القاضي يحيلهم وكإجراء روتيني إلى التحقيق وحيث ان الكثير منهم يخشى الوصول الى ضابط التحقيق بسبب الوضع الامني المنفلت حيث أن اغلبهم متهم بتهمة الارهاب، مما يجعلهم يخشون إكمال اجراءاتهم".

وتابعت قائلة " القاضي يعفي حسب قناعته اغلبهم من الغرامة المالية والتي قدرها المشرع القانوني بـ 50 ألف دينار عراقي، أي ما يعادل 40 دولارا أميركيا".

من جهته، يرى الشيخ زياد أحمد الدلوي أن الأصل في عقد النكاح شرعا أو ما يسمى أركان النكاح هي الإيجاب والقبول والمهر والولي والشهود والإعلان وقال "هذا هو المعمول به في القرون الماضية، أما الان وبسبب مسائل الجنسية والازدياد السكاني والنمو البشري وغيرها من الامور اصبح لا بد من مواكبة العصر والعمل بفقه الواقع "أصبح واجبا عقد القران قانونا وشرعا".

وشدد على ضرورة أن يكون العقد داخل المحكمة وقال  لــ العربي الجديد"، لا بد أن يصدق العقد قبل دخول الزوج على الزوجة من أجل ضمان حقوق الزوجة التي تضيع في حال تم فسخ العقد أو حتى الطلاق بعد الزواج وقبل تصديقه في المحكمة".