العراق: خلافات تهدّد ما تبقى من "البيت السنّي"

العراق: خلافات تهدّد ما تبقى من "البيت السنّي"

14 مايو 2017
الفشل بمساعدة النازحين زاد خلافات الكتل السنّية(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
داخل منازل زعماء سياسيين عراقيين في بغداد وبشكل غير معلن، تجري محاولات لـ"ترميم البيت السياسي السنّي" الذي يمر بأسوأ حالاته منذ الاحتلال الأميركي للبلاد وبدء العملية السياسية التي قامت على المحاصصة والتخندق الطائفي وما زالت. وأدت أحداث السنوات الثلاث الماضية وما صاحبها من احتلال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) لمدن شمال وغرب العراق ذات الغالبية السنّية وتهجير قرابة 6 ملايين مواطن ومقتل وإصابة عشرات الآلاف منهم وفشل النخبة السياسية الممثلة لهم في مساعدتهم أو التخفيف من معاناتهم، إلى مزيد من التناحر بين تلك الكتل. وكشفت مصادر سياسية عراقية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، عن وجود مشاورات مكثّفة تجري بشكل وصفته بالسري بين قيادات سنّية مختلفة في محاولة لتوحيد موقفها مرة أخرى ودخولها الانتخابات المقبلة ككتلة واحدة على غرار التحالف الشيعي والتحالف الكردي.
وشكّلت تلك الكتل على الرغم من اختلاف توجهاتها بين أحزاب وقوائم علمانية ووطنية وأخرى مدنية وثالثة عشائرية ورابعة إسلامية، عام 2014 ما عُرف باسم "تحالف القوى العراقية" الذي ضم كتلة "متحدون" بقيادة أسامة النجيفي وكتلة "العربية" بقيادة صالح مطلك وكتلة "الوفاء للأنبار" بقيادة قاسم الفهداوي وكتلة "ديالى هويتنا" بقيادة سليم الجبوري، والحزب "الإسلامي العراقي" (جناح الإخوان المسلمين في العراق) فضلاً عن شخصيات وكتل صغيرة أخرى. ويصف هذا الائتلاف نفسه بأنه "الممثل السياسي الشرعي للشارع السنّي العراقي".
إلا أن الحراك الحالي بدا بعيداً عن النجاح، خصوصاً مع دخول أطراف أخرى على الخط، كـ"التحالف الوطني" الحاكم والأكراد، في محاولة لاستغلال حالة التفكك داخل "تحالف القوى" وكسب شخصيات أو كتل لصالحها للدخول في معاقل تحالف القوى التقليدية والمنافسة هناك.
وقال قيادي بارز في "تحالف القوى العراقية" لـ"العربي الجديد"، إن أي تقدّم في المحادثات لم يتحقق حتى الآن بسبب انعدام الثقة بين الشركاء داخل التحالف ووجود ضغوط خارجية، مشيراً إلى أن الثقة معدومة حتى بين الذين شاركوا في مؤتمر أنقرة مطلع العام الحالي لتوحيد الموقف السنّي، حتى أنه برز أخيراً مصطلح "الجناح الإيراني" داخل التحالف على غرار الجناح الإيراني الموجود في "التحالف الوطني" الحاكم. واعتبر أن أي فرص لتحالف انتخابي بين القوى التي تحالفت في الانتخابات السابقة باتت معدومة، غير أن هناك محاولة جادة لخلق تحالف جديد قد يرى النور بعد أشهر من الآن يضم قوائم جديدة بأسماء وشخصيات مختلفة لكن هناك شخصيات قديمة ستكون حاضرة، لافتاً إلى أن "الخلافات الحالية بين قطبي تحالف القوى، رئيس البرلمان سليم الجبوري المعروف بعلاقته الوثيقة مع نوري المالكي، ونائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي، لم تعد خافية على أحد، بسبب تفرد الجبوري بالكثير من الملفات من دون الرجوع لتحالف القوى وفقاً لما نص عليه النظام الداخلي المقر عند التأسيس".
ووفقاً للقيادي ذاته، فإن الكتل المكوّنة لـ"تحالف القوى" بدأت بالانشطار، والحزب "الإسلامي العراقي" يعاني من خلافات كبيرة قد تخرج إلى العلن بسبب شخصيات داخل الحزب مقربة من إيران، إضافة إلى تراجع شعبية تلك الأحزاب داخل الشارع العراقي السنّي بسبب أحداث السنوات الماضية.
الأمر نفسه أكده النائب عن "تحالف القوى" والقيادي البارز فيه طلال الزوبعي، الذي أوضح في حديث لـ"العربي الجديد" أن "حالة التشظي قائمة بسبب عدم وجود مركزية أو تنسيق داخل تحالف القوى في الملفات المهمة". ولفت إلى أنه "سيتم دخول الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات بكتل تختلف عن الكتل السياسية السابقة في تحالف القوى، وهذه الكتل ستفرز كتلاً أخرى ولن تكون كما في الانتخابات المقبلة". وكشف عن وجود "خلافات مستمرة حول القوانين التي أقرت وكانت مضرة بجماهير تحالف القوى"، مضيفاً: "كانت هناك صفقات لبعض النواب والقوى داخل التحالف مع بعض الكتل الموجودة في البرلمان، وربما بعض الكتل استغنت عن المبادئ التي بني عليها تحالف القوى وارتمت بأحضان غيره، بينما بعضها الآخر يحاول أن يعيد نشاط تحالف القوى بطريقة جديدة وبشخصيات قوية من داخل تحالف القوى من أجل وضع حد لتصرفات بعض الكتل التي تحاول النيل من التحالف".


عضو جبهة "الحراك الشعبي" محمد عبد الله المشهداني، أوضح لـ"العربي الجديد"، أن المقصود بالجناح الإيراني الذي بدأ يتردد كثيراً على الألسنة داخل "تحالف القوى" وخارجه هذه الأيام هم من وافق على تمرير القوانين الخاصة بتحويل "الحشد الشعبي" من مليشيا إلى هيئة حكومية، وقانون العفو الذي أُفرغ من محتواه، وقانون الموازنة، والتوقف عن المطالبة بتنفيذ رئيس الحكومة حيدر العبادي التزاماته في تنظيف ما خلّفه نوري المالكي من خراب على أسس طائفية، وفقاً لقوله.
وفي سياق متصل، كشف القيادي في "تحالف القوى" محمد نوري العبد ربه، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن أن قوائم عدة ستخوض الانتخابات المقبلة، لكن بعد دخولها البرلمان ستعمل على تشكيل كتلة كبيرة ومؤثرة، بينما هناك قوائم ستخط مشروعها الخاص وتبقى منفردة أو تتفق مع قوائم أخرى في البرلمان، لافتاً إلى أنه "في كلا الحالتين ستكون هناك قائمتان أو ثلاث قوائم بدلاً من قائمة واحدة كما كانت"، مشيراً إلى أن حالة التشظي والانقسام الحالية داخل "تحالف القوى" جاءت نتيجة عوامل كثيرة.
أما قائد حرس نينوى والقيادي في "تحالف القوى" أثيل النجيفي، فأوضح في حديث لـ"العربي الجديد" أنه لا يوجد اتفاق على أن تدخل القوى تحت مسمى "تحالف القوى" بشكل موحّد في الانتخابات المقبلة، بل قد تدخل في هذه الانتخابات كأحزاب متعددة في كتلة واحدة يجمعها هدف واحد، كاشفاً في هذا الصدد عن اجتماع جرى أخيراً بين قيادات من الحزب "الديمقراطي الكردستاني" أبرزهم فاضل ميراني وآزاد برواري، وبين خميس الخنجر ورافع العيساوي وظافر العاني وخالد المفرجي وحضوره ضمن أعمال تحضيرية للتفاهم على بعض القضايا التفصيلية.
وعما يتردد عن وجهات مقربة لإيران أو "جناح إيراني" داخل "تحالف القوى"، لفت النجيفي إلى أن "تحالف القوى مهمته أصلاً تحجيم النفوذ الإيراني في العراق وإعادة لملمة الشأن العراقي ورص صفوفه ونبذ الطائفية، لكن نحن نعرف أن هناك أطرافاً سنّية فقدت الثقة بنفسها في المرحلة الماضية وأصبحت ترى النفوذ الإيراني كواقع وبدأت تتعامل على أنه موجود ولا يمكن التخلص منه، ويجب تقبله كواقع سياسي فُرض على العراق". وحول الخلافات بين قطبي "تحالف القوى" سليم الجبوري وأسامة النجيفي، قال إن "الخلاف موجود بوجهات النظر وكل له وجهة نظر مختلفة في طريقة التعامل مع ملفات عدة".
وحول هذا الموضوع، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي، لقاء مكي، إن "تحالف القوى يختلف عن التحالف الانتخابي". وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع السنّي في العراق لم يشهد اتفاقاً طول السنوات الأربع عشرة الماضية، فدوماً كان هناك خلاف جوهري، ولا نجد أي طرف سياسي يزعم أنه يمثل السنّة في العراق على خلاف المكوّن الشيعي الذي أنشأ نظرية البيت الشيعي تحت إدارة إيرانية تمكّنت من السيطرة عليه ومنع أي احتقان وخلافات جوهرية تؤدي إلى تفككه، كما وفّرت له الدعم اللوجستي والمالي والأهم الاستشارات السياسية". ولفت إلى أن "الطرف السنّي ظل يعتمد على آليات داخلية للعمل، وكان ضحية لعمليات تفتيت واسعة النطاق جرت ضده من قبل إيران وحتى الولايات المتحدة التي لم يرضها أثناء الاحتلال أن يكون هناك طرف سياسي سنّي مهم وفاعل ومؤثر".
واعتبر مكي أن "العالم بدأ يتفهم القضية العراقية بعد مؤتمر أنقرة الأخير وضرورة إنهاء التهميش للسنّة وبعد درس داعش القاسي ومظاهر التطرف الأخرى"، متوقعاً أن يكون "المشروع السياسي السنّي أكثر تنظيماً وتأثيراً، لكن مثل هذا المشروع لن يحصل على نتائج مباشرة وحقيقية في انتخابات 2018 بسبب تفتت الكتلة الانتخابية السنّية بين نازحين ومنفيين ومشردين ومضطهدين في مدنهم المدمرة"، مشيراً إلى أن "الدول العربية بدأت تُعنى بالتطورات السياسية في العراق وبالتشكيلات الانتخابية لأن القضية العراقية مؤثرة على المنطقة برمتها وستظل مرهونة بالتأثير الخارجي في المستقبل المنظور على أقل تقدير".