العراق: حرب ترهيب "ولائية" ضد الفضائيات

العراق: حرب ترهيب "ولائية" ضد الفضائيات

07 سبتمبر 2020
استهداف المحطات الفضائية التي لا توائم خطاب المليشيات (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -

زادت التهديدات التي تطلقها منصات على تطبيقات للتواصل الاجتماعي تعود إلى الفصائل المسلحة في العراق، تحديداً الموالية لإيران، وتستخدم هذه المرة تطبيق "تلغرام" بدلاً من التطبيقات الأخرى التي تعرضت في أكثر من مرة للإغلاق، لانتهاكها قوانين النشر وفقاً لخوارزمية المواقع. تواصل هذه القنوات نقل أخبارها المرتبطة بالهجمات الصاروخية وتهديد الناشطين والصحافيين وتعميم صورهم، إضافةً إلى دعم الاحتجاجات ضد بعض المحطات الفضائية التي لا توائم خطاب المليشيات في البلاد.

والثلاثاء الماضي، أقدم عشرات المنتمين إلى "المليشيات الولائية"، وهو المصطلح المستخدم للإشارة إلى الجماعات المرتبطة بإيران، على حرق مقر قناة "دجلة" الفضائية في العاصمة بغداد احتجاجاً على بث إحدى قنوات مؤسسة "دجلة" أغاني في ليلة العاشر من شهر محرم، حيث تجمع العشرات أمام مقر القناة في منطقة الجادرية في بغداد، مرددين هتافات بالنيل من مالك القناة، وهو السياسي العراقي جمال الكربولي، ثم أضرموا النار في المبنى. وحظي هذا الفعل بتأييد قنوات الفصائل على "تلغرام".
وعقب حرق مقر قناة "دجلة"، أصدرت مجموعة من الصحافيين كانوا يعملون في القناة الفضائية كمراسلين ميدانيين، بياناً جاء فيه إنّ "هناك هجمة إعلامية تصفنا بأننا أتباع قتلة "الحسين"، وأتباع الصهيونية وغيرها من الاتهامات"، وأنه "من أجل احترام مهنتنا وعدم السماح لأي جهة أن تستخدمنا أداة للتصفية، قدمنا الاستقالة وتركنا مصدر رزقنا الوحيد على أمل أن نخرج من هذه المشكلة، ولكن بدأت حملة ثانية تقول إنّ "استقالاتكم كذب، والغاية هي تنفيذ مشاريع أخرى، وأنتم مشاركون بالخطأ ويجب معاقبتكم لتكونوا عبرة لغيركم"، إذ بدأت التهديدات والتحريض لطردنا من محافظاتنا تارةً وإيصال رسائل تهديد وتصفية تارة أخرى".
وأكمل بيان الصحافيين: "مجاميع مسلحة قدمت إلى أماكن عملنا ومنازلنا، وهنا لربما الأمر نابع من حملة انتقامية لما قمنا به أثناء تظاهرات العراق وتغطيتها المستمرة في محافظاتنا بصورة واضحة ومهنية"، مشيراً إلى أن الصحافيين "خرجوا من منازلهم مُكرهين وتركوا عوائلهم ومصدر رزقهم ليحافظوا على أرواحهم".

وتعدّ منصات المليشيات على "تلغرام"، والتي يصل عددها إلى 10، ساحةً للتحريض ذاك. ولعلّ أبرزها "صابرين نيوز وولد الشايب" فيما أضيفت أخيراً "أهل الجداحة"، وتعني "الولّاعة"، المتخصصة بحرق المحطات الفضائية، بحسب بيان للحركة التي ذكرت أنها "تعلن فتح باب التطوع في صفوفها لحرق مقرات وصفتها بالبعثية والنقشبندية وتتبع السعودية، شريطة أن يحمل المتطوع قداحة مملوءة بالغاز وله إمكانية عبور الأسيجة بسهولة تامة ولا يمتلك كرشا".
ومنذ يومين، تواصل المنصات التي يتابعها عشرات الآلاف من العراقيين، منشوراتها وبياناتها ضد قناة "يو تي في" الفضائية، عقب استضافتها عضو مجلس النواب فائق الشيخ علي المعروف بمعاداته للفصائل الولائية والسلاح المنفلت في البلاد. وقال الشيخ علي خلال اللقاء إن المرجعية الدينية لم تستنكر العنف الذي تعرض له ناشطون. وتبنت منصة "صابرين نيوز" حملة إعلامية ضد "يو تي في" طالبتها بالاعتذار عبر ذات البرنامج الذي ظهر فيه الشيخ علي، ومنع تكرار مثل هكذا تعليقات اعتبرتها "مسيئة لمرجعية النجف"، فيما هددت بأن عدم الاعتذار يعني ترقب مصير قناة "دجلة"، من خلال عشرات "المقاومين"، وتقصد بهم عناصر الفصائل المسلحة والحشد الشعبي الموالين لإيران.


في السياق، قال أحد الصحافيين العاملين في محطة تلفزيون تتبع شبكة الإعلام العراقي الممولة من الدولة، إن حملة ترهيب واسعة تتعرض لها القنوات العراقية وحتى الصحف والمواقع، وعلى ما يبدو هناك أيضاً تريث في كثير من توجهات القناة الرسمية للعمل باستقلالية ومهنية وتكون مدنية لكل العراقيين، بسبب الترهيب أيضاً. وأضاف أن الإعلام الولائي ضعيف جداً قياساً بالإمكانيات، ولكنه قوي لأنه يملك جيوشاً مسلّحة على الأرض، وهذه الجيوش قادرة على قتل أي صحافي أو مسؤول وحرق أي مؤسسة صحافية لا يتناسب خطابها مع توجه المليشيات"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "الفصائل المسلحة تملك عيوناً في كل مكان، وهي تهدد علناً بحرق من لا يتماشى مع سياستها تحت حجج وذرائع مختلفة وتريد الكل أن يدور بفلكها".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

من جهته، أشار عضو نقابة الصحافيين العراقيين خطاب محمد، إلى أن "خطاب التحريض ضد الصحافيين العاملين في المؤسسات الإعلامية ذات التوجهات الوطنية، باتت خطيرة وتضرب الأمن المجتمعي، ولا سيما أنها عملية مدروسة من قبل المليشيات، فهي تحقد على قناة "دجلة" منذ اندلاع التظاهرات العراقية أواخر العام الماضي، وقد اقتحمتها وحطمت معداتها سابقاً، وأحرقتها الأسبوع الماضي أيضاً، وستواصل تهديد الإعلاميين والمحطات الفضائية الرافضة للنفوذ الإيراني".
وأردف في اتصالٍ مع "العربي الجديد" أن "من مسؤولية الحكومة العراقية حماية الصحافيين، ومنع أي جهة من تهديد أمن الإعلاميين"، مشيراً إلى أن "غالبية المحررين في منصات "تلغرام" المملوكة للفصائل المسلحة هم عراقيون كانوا قد دُربوا في لبنان على أيدي كوادر إعلامية تابعة لحزب الله اللبناني، ومن سوء حظ العراقيين، أن هؤلاء المحررين موظفون في هيئة الحشد الشعبي، ويتسلمون رواتبهم من الدولة العراقية".


وأوضح السياسي المستقل أيهم رشاد لـ"العربي الجديد" أنّ "عشرات الصحافيين غادروا بغداد وبعضهم توجه إلى إقليم كردستان وآخرون إلى تركيا، بعد مقتل الخبير الأمني هشام الهاشمي، وزادت هجرة الصحافيين من محافظات وسط وجنوب البلاد بعد سلسلة الاغتيالات التي وقعت الشهر الماضي في مدينة البصرة، وتسبب حرق قناة دجلة وتهديد "يو تي في" بهجرة صحافيين آخرين"، مبيناً أن "الفصائل المسلحة لا تريد أي صوت غير صوتها في بغداد، وتعمل على إخراج وتهديد كل من يختلف معها".
وأكد أن "الحكومة العراقية قادرة على التوصل إلى العاملين في المنصات التحريضية التابعة للمليشيات، كما أنها تستطيع مخاطبة شركة "تلغرام" بصفة رسمية، وتغلق كل القنوات التي تمارس التحريض والتخويف ضد الصحافيين، ولكن حكومة مصطفى الكاظمي تبدو أضعف من أن تتخذ مثل هذا القرار"، موضحاً أن "استمرار الحال كما هو عليه الآن يعني إفراغ بغداد والمحافظات العراقية من الأصوات الوطنية وإبعاد الناشطين والمتظاهرين عن بلادهم، وهذا ما تريده إيران كي تخلو الأجواء لصالح أعمالها في العراق".

المساهمون