العراق: تغوّل المليشيات يُنعش موسم هجرة الناشطين والمدونين السياسيين

تغوّل المليشيات في العراق يُنعش موسم هجرة الناشطين والمدونين السياسيين

15 يوليو 2020
تصاعد الانتقادات للحكومة عقب اغتيال الهاشمي (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

لم تكن حادثة اغتيال الخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي عادية على العراقيين، وتحديداً شريحة الناشطين والمتحدثين بالشأن السياسي والمطالبين بالدولة المدنية، إلى درجة أن بعضهم صار يخشى على نفسه من الاغتيال في أي وقت، متخذين طرقاً يصفونها، في أحاديث مع "العربي الجديد"، بـ"المؤقتة" إلى حين انتهاء جائحة كورونا وفتح السفر بغية تأمين أنفسهم مما أسماه أحدهم "غدر المليشيات الولائية"، في إشارة إلى الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، المتهمة باستهداف الأصوات الرافضة للتمدد الإيراني والمطالبة بدولة المواطنة المدنية.

ويخشى الناشطون في العاصمة العراقية بغداد أن يكونوا على قائمة الاغتيال لدى الجماعات المسلحة، وبعضهم يتحدث عن ترك العراق باتجاه بلدان مجاورة أكثر أمناً، مثل تركيا أو الأردن، فيما يختار بعضهم اللجوء إلى إقليم كردستان، الذي يُعَدّ ملاذاً أبعد عن دائرة الخطر وهيمنة نفوذ المليشيات المسلحة، وهو ما يعتبره مراقبون يشعرون بالذعر والقلق "علامة لطرد العقول والأصوات الوطنية من العراق".

ولم يُخفِ أحد من المحللين البارزين دائم الحضور على المحطات الفضائية العراقية والعربية، وهو أستاذ بالسياسة، قلقه ومخاوفه، وقال:  "أشعر بأن القتلة يراقبونني، لأنني كثير الانتقاد لسلوك الفصائل المسلحة في العراق، لذلك بتّ أفكر في ترك بغداد، أو الاختفاء لفترة من الزمن عن الظهور"، مشيراً، في اتصالٍ هاتفي لـ"العربي الجديد" طلب خلاله عدم ذكر اسمه، إلى أن "المليشيات المسلحة تشعر بأنها انتهت شعبياً داخل العراق، وخاصة في المناطق التي تقدم نفسها على أنها تمثلهم مذهبياً، بسبب مجموعة من المحللين والمدونين على مواقع التواصل الاجتماعي الذين ساهموا بفضح ممارسات الأحزاب الدينية في العراق وأجنحتها المسلحة، ودعموا الاحتجاجات الرافضة لنظام المحاصصة، وحاولت الجماعات المسلحة أن تحارب هذه الشخصيات المعروفة عبر إعلامها، ولكنها فشلت، لذلك اختارت اللجوء إلى اغتيالهم".

أستاذ جامعي عراقي بارز: أشعر بأن القتلة يراقبونني، لأنني كثير الانتقاد لسلوك الفصائل المسلحة في العراق، لذلك بتّ أفكر في ترك بغداد، أو الاختفاء لفترة من الزمن عن الظهور

وأكد أن "اغتيال الناشطين من قبل المسلحين يأتي تبعاً لأهمية الناشط، إذ لا تواجه الجهات المسلحة كل الناشطين أو المتظاهرين أو المحللين، بل تبحث عن المؤثرين على شاشات التلفاز أو على مواقع التواصل الاجتماعي. كذلك تشير تسريبات أمنية كثيرة إلى أن المليشيات تتأهب لاغتيال آخرين، وبالتالي بات الجميع في خطر، وخصوصاً أن معايير الاغتيال قد تكون مختلفة من ناشط لآخر من وجهة نظر المسلحين".

أما الصحافي حسين كريم، وهو محرر في موقع إخباري محلي ومدوّن عبر "فيسبوك"، فأشار إلى أن "جهات عدة تريد من العراق أن يكون خرابة، وهذه الجهات تريد أن يبقى العراقيون بلا أصوات وأن يكونوا مستمعين، وهذا أمر مرفوض، وحتى لو اغتيل أحد الناشطين أو الخبراء، فهذا لا يعني أن العراقيين سيسكتون، بل على العكس، هناك بوادر وتحضيرات لعودة الاحتجاجات مع الذكرى السنوية لبدء احتجاجات تشرين الأول".

وذكر كريم لـ"العربي الجديد" أن "اللجوء إلى دول الجوار أو الهجرة إلى إقليم كردستان، حتى وإن كانت تدفع الضرر عن الناشطين، إلا أنها لا تعني عدم قدرة هذه الجهات على الوصول إلى أهدافها، إذ نعلم أن للمليشيات أتباعاً في كل مكان".

وأكمل قائلاً إن "التهديدات تصلني بشكلٍ مستمر من قبل شخصيات واضحة وعلنية، بعضها ينتمي إلى تيارات وجماعات دينية، وحالياً صارت أيضاً جيوش من الحسابات الوهمية على مواقع التواصل تهدد الناشطين، ولا أحد يعرف لمن تعود هذه الحسابات، وبالتالي ضاعت الجهات التي نعرف أنها تهدد العراقيين، وباتت أكثر من جهة غامضة تلاحق الناشطين".

أما الناشط الحقوقي من بغداد علي المكدام، فقد لفت إلى أنه "منذ انطلاق الحركة الاحتجاجية في الأول من أكتوبر/ تشرين الاول 2019، كان للصحافيين المستقلين والناشطين والمدافعين عن مجال حقوق الإنسان دور فعال برفد المنظمات الدولية والمحلية بالتقارير والإفادات والمعلومات الدقيقة لمساعدة تلك الجهات للوصول إلى حقائق يتعذر في بعض الأحيان الوصول إليها، فضلاً عن دورهم الأساسي في رصد الانتهاكات والعنف، وجرّاء ذلك تعرضوا لشتى أنواع التهديد، هم وعوائلهم، وقد قتل منهم وغيّب بعضهم"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "بعضهم ترك العراق مرغماً وبصورة قسرية، بسبب السلاح المنفلت في مدنهم".

أكمل بأن "المشكلة في أن الحكومة، بالرغم من اللجان التحقيقية التي تعلن تشكيلها بعد كل واقعة، لا تصل إلى أي نتيجة، وهو ما يجعل الناشطين يتخوفون من أن دماءهم مهدورة ولن يُحاسب القتلة"، موضحاً أن "مقتل الهاشمي كان رسالة واضحة وصريحة من المليشيات، بأنها قتلت معظم الناشطين، وأن بإمكان المسلحين الوصول إلى أي ناشط آخر أو خبير. لذلك، ستكون الحكومة الضعيفة هي السبب في هجرة الناشطين والصحافيين والمحللين إلى خارج العراق أو إلى إقليم كردستان".

بدوره، قال العضو المستقل في البرلمان العراقي باسم خشان، إن "الأنباء تصلنا عن مخاوف لدى الناشطين والصحافيين العاملين في الإعلام العربي والأجنبي في بغداد، من عودة الملاحقات وعمليات القتل والاغتيال عقب مقتل هشام الهاشمي، وهي طريقة ممنهجة من قبل المليشيات المسلحة لاستهداف الطاقات الشابة والمثقفة والعقول الوطنية، لإفراغ العراق من الكفاءات"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "حكومة الكاظمي هي المسؤول بالدرجة الأساس عن كل التهديدات التي تطاول العراقيين. مع أنني أشك في قدرته على حماية نفسه أولاً، ومن ثم حماية العراقيين".