العراق.. الثابت والمتحوّل بين انتخابات 2010 و 2014

العراق.. الثابت والمتحوّل بين انتخابات 2010 و 2014

12 ابريل 2014
انتخابات 2014 مفصلية في تاريخ العراق (أحمد الربيعي، getty)
+ الخط -

تمثّل الانتخابات البرلمانية العراقية، المقررة في 30 أبريل/ نيسان الجاري، نقطة مفصلية في تاريخ العراق منذ سقوط نظام صدام حسين. ستحدّد هذه الانتخابات مسار الحكم في العراق، إمّا نحو تغيير حقيقي في العملية السياسية، أو تكريساً لعملية سياسية بُنيت على أسسٍ طائفية وعرقية، أدت الى صراع مذهبي وتدهور أمني خطير ينذر بنشوب حرب أهلية شاملة، قد تؤدي الى تقسيم البلاد. النقطة الأبرز في انتخابات 2014، هي أنها تختلف في الكثير من الجوانب عن الانتخابات البرلمانية الاخيرة التي جرت في 2010، فهي تعكس متغيّرات الواقع العراقي من جميع جوانبه، السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية.

انتخابات بلا احتلال أميركي

ستكون انتخابات العام 2014، أول دورة اقتراع برلمانية ستجري بعد رحيل قوات الاحتلال من العراق التي تتحمّل مسؤولية كبيرة في الرضوخ للقرار الإيراني بعدم تولّي رئيس الوزراء العراقي الأسبق، زعيم القائمة العراقية آنذاك، إياد علاوي، في العام 2010، رئاسة الوزراء على الرغم من أن قائمته حصدت أعلى نسبة أصوات، بينما جاءت قائمة نوري المالكي في المركز الثاني. هكذا، بقي المالكي في منصبه بعد ما قيل عن ضغوط مارسها على المحكمة الاتحادية لتفسير الدستور لصالحه. لكن مع هذا، يحفظ البعض للقوات الأميركية أنها ساهمت في حماية المراكز الانتخابية من هجمات المسلحين الرافضين للعملية السياسية. وقد أعطى وجودهم ضمانات الى الناخب العراقي بعدم حصول عمليات تزوير واسعة. أما اليوم، ونحن على أعتاب انتخابات 2014، فيُلاحظ أن الكثير من العراقيين يتخوّفون من أن تشوب الانتخابات عمليات تزوير واسعة لصالح كتلة المالكي ("ائتلاف دولة القانون"). وقد تعزّز هذا التخوّف بسبب تولّي القوات الأمنية العراقية، المعروفة بولائها المطلق للمالكي، حماية عمليات الاقتراع. هذا إضافة الى سهولة تزوير بطاقات التصويت الإلكترونية الجاري "بيعها" في السوق، والتي تُستخدم للمرة الأولى في الانتخابات. وتم الكشف أخيراً عن وجود تكرار لأسماء الناخبين في السجلات الشخصية، إضافة إلى الاعتماد على "البطاقات التموينية" في تحديث سجلات الناخبين، والتي تحتوي على عشرات الآلاف من الأسماء الوهمية، بحسب منظمات عراقية مستقلة.

وقد رفع التحسن الامني النسبي الذي شهده العراق في فترة انتخابات 2010، من نسبة مشاركة العراقيين في عملية الاقتراع إلى حدود الـ60 في المئة في بعض المناطق العراقية. في المقابل، يُتوقّع عزوف كبير عن التصويت اليوم، خصوصاً لو تم الأخذ بنتائج الانتخابات المحلية التي جرت قبل سنة، التي وصلت نسب مشاركة بغداد فيها الى 30 في المئة. أما مناطق محيط العاصمة، المتوترة منها خصوصاً، فقد وصلت النسب فيها الى أقل من 15 في المئة، علماً أن الوضع الامني آنذاك كان أفضل ممّا هو عليه الآن.

مشاركة انتخابية ناقصة

بعد أكثر من ثلاثة أشهر على اندلاع حرب الأنبار، بات في حكم المؤكد تأجيل الانتخابات البرلمانية في هذه المحافظة والمناطق المتوترة الأخرى التي تقطنها غالبية عربية سنية. فقد استطاعت الفصائل المسلحة في هذه المناطق، تعطيل أي عملية اقتراع، لأنها باتت مقتنعة أنها لن تؤدي الى أي تغيير حقيقي في الخريطة السياسية. فبعدما كانت المعارك محصورة في الرمادي والفلوجة في محافظة الأنبار، نقل هؤلاء المسلحون المعركة إلى مناطق أخرى، في محافظات صلاح الدين وديالى وبابل، وصولاً إلى مناطق محيط العاصمة. وهددت العناصر المسلحة المرشحين الذين وضعوا ملصقاتهم الانتخابية بعد أربعة أيام من بدء الحملة الإعلامية في بعض المناطق المتوترة، واستهدفت بعض مراكز الانتخابات، الأمر الذي دفع بعض المسؤولين الى الطلب من "المفوضية العليا للانتخابات" إلى عدم إجراء الانتخابات في هذه المناطق، حقناً للدماء.

كذلك هو الحال في المناطق ذات الغالبية العربية السنية التي شهدت عمليات قتل جماعي بحق مدنيين أخيراً، ما زاد من التوتر الأمني والطائفي فيها، كالمجازر التي ارتُكبت في محافظة ديالى في "بهرز"، الشهر الماضي، وقرية "قره تبه" قبل يومين. وقد انعكس ذلك بشكل سلبي على سير الحملة الانتخابية في هذه المناطق التي لا يتوقع أن تشارك في انتخابات 2014.

الملفت أن بعض رموز التمرّد المسلح من العشائر التي تقاتل الآن في الأنبار، كانوا حلفاء للمالكي في انتخابات 2010، كما هو الحال مع الشيخ علي حاتم السليمان الذي أصبح اليوم يقود "مجلس ثوار العشائر في الرمادي".

تفتُّت الكتل

تشهد انتخابات 2014 تفتّت الكتل الرئيسية الثلاث التي سيطرت على المشهد السياسي العراقي في انتخابات 2010، أي كتلة "الائتلاف الوطني" (ذات الغالبية الشيعية) و"القائمة العراقية" (ذات الغالبية السنية) و"التحالف الكردستاني".

على صعيد المشهد الشيعي، فقد شملت انتخابات عام 2010 الكتل الشيعية الرئيسية: "ائتلاف دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي، و"كتلة الأحرار"، بزعامة مقتدى الصدر، و"كتلة المواطن"، بزعامة عمار الحكيم، تحت مظلة "الائتلاف الوطني". وكانت هذه الكتل في الانتخابات السابقة، أقل خصومة وأكثر حرصاً على عدم تفتّت "البيت الشيعي"، ما مكّن الحلف من تشكيل الحكومة برئاسة المالكي، رغم كل الصعوبات التي واجهته، ولم تصل الخصومة بين أطراف الحلف الى النقد اللاذع والهجوم العلني كما يحصل في الوقت الحاضر.

وأسهم تفرّد المالكي بالقرار، في دفع حليفيه، الصدر والحكيم، إلى البحث في تشكيل تحالف يستثني المالكي بعد انتخابات 2014، ودراسة ضم كتل أخرى من خارج الائتلاف للحيلولة دون حصول الرجل على ولاية ثالثة، بحسب تسريبات من دوائر مقرّبة من الطرفين.

أما القائمة العراقية، بقيادة علاوي، فقد ضمّت في 2010، شخصيات شيعية علمانية في صفوفها، احتلّت من خلالها المرتبة الاولى في النتائج، لكنها تفتّتت هي الاخرى بسبب صراعات على الزعامة. وأصبحت كتلة "متّحدون" التي يقودها رئيس البرلمان الحالي، أسامة النجيفي، أكبر كتلة سنية، بعدما نجحت في استقطاب زعامات سنية من أحزاب أخرى مثل "الحزب الاسلامي"، وباتت كتلة سنية بامتياز.

في الوقت نفسه، لم يغيّر علاوي مشروعه "العابر للطائفية" بحسب قوله، وشكّل "الكتلة الوطنية"، التي تضم شخصيات علمانية وتكنوقراط، للدخول في انتخابات 2014، بالرغم من استحكام وهيمنة الأحزاب الطائفية والعشائرية والعرقية.

في المقابل، لم يدخل الكرد في انتخابات 2014 بقائمة موحدة في معظم المناطق، حتى في المناطق المتنازع عليها مع العرب، والتي كانت دائماً توحّدهم، وذلك بسبب أزمة الخلافات حول تشكيل حكومة كردستان التي أفزرتها الانتخابات البرلمانية للإقليم في سبتمبر/ أيلول الماضي. وأدت سابقة صعود حزب "التغيير"، بزعامة نوشروان مصطفى أمين، ونزول الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة رئيس الجمهورية جلال الطالباني، الى تعقيد المفاوضات لتشكيل حكومة الاقليم. ووصل التنافس بين مناصري الحزبين الحليفين التاريخيين "الاتحاد الوطني" و"الديموقراطي الكردستاني" الى نزاع مسلح في كركوك مستمر اليوم، قد ينذر بنهاية تحالفهما.

قانون سانت ليغو المعدّل

كانت الأصوات في انتخابات 2010 تُحتسب وفق نظام "هوندت"، الذي يعتمد على تقسيم الاصوات الصحيحة لكل محافظة على عدد المقاعد المخصصة لها، ومن ثم تقسيمها على أساس الأصوات الحقيقية والصحيحة لكل حزب سياسي على عدد هذه المقاعد. وأدى تطبيق هذا القانون إلى حرمان الكتل الصغيرة من الحصول على بعض المقاعد، التي كانت تذهب لصالح الكتل الكبيرة. ومن السلبيات الاخرى في تطبيق هذا القانون، أنه منح رؤساء القوائم الانتخابية صلاحية إدخال مرشحين مقرّبين منهم، لم يحصلوا على أصوات كافية في الانتخابات، وذلك بمنح الاصوات الزائدة التي حصلوا عليها الى هؤلاء المقربين، ما زاد من نفوذ رؤساء الكتل على هؤلاء البرلمانيين، الذين دخلوا البرلمان بهذه الطريقة.

في المقابل، سيكون نظام "سانت ليغو المعدّل"، الذي سيطبق في احتساب الأصوات بانتخابات الشهر الجاري، لصالح الكتل الصغيرة. ويعتمد هذا النظام على احتساب الأصوات بتقسيمها على نسبة 1.6 و3.6 صعوداً الى الرقم الفردي. وبعكس نظام "هوندت"، سيزيد هذا النظام من إمكانية حصول الكيانات الصغيرة على أصوات إضافية، بينما سيضرّ الكتل الكبيرة التي ستفقد هذه الاصوات. لذلك ارتأت الكتل الكبيرة تأجيل تحالفاتها مع الكتل الصغيرة الى مرحلة ما بعد الانتخابات، من أجل الحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد في البرلمان المقبل. وبطبيعة الحال، سيعطي هذا النظام الكتل الصغيرة نفوذاً أقوى في البرلمان المقبل، ويتوقع أن تدخل في مفاوضات طويلة مع الكتل الكبيرة، التي تسعى الى التحالف معها، وهذا بدوره قد يؤدي الى تعطيل تشكيل الحكومة المقبلة، خصوصاً لعدم وجود قانون ينظم عمل الأحزاب السياسية في العراق.

شعارات طائفية وعرقية

بذلت القوى السياسية العراقية، ومن ضمنها الاحزاب الاسلامية، قصارى جهدها في انتخابات العام 2010، لرفع شعارات تؤكد على الهوية الوطنية والمصلحة العامة، على عكس الشعارات الانتخابية لعام 2014. فقد ركزت الشعارات الحالية على الولاءات الطائفية والعشائرية، ما عكس واقع الحال في العراق. ولوحظ أن الاحزاب والكيانات الكبيرة، وضعت ثقلها في المناطق التي تعكس هويتها الطائفية والعرقية والمناطقية، فلم يقدم المرشحون الشيعة والسنّة على ترشيح أنفسهم في مناطق تخالف هذه الهويات.

وأصبح المالكي، الذي نزع ثوبه المذهبي ولبس ثوباً وطنياً في حملات انتخابات عام 2010، يركز حملته في انتخابات 2014، على وجوب حكم "الأغلبية"، في خطوة يشرحها خصومه كمحاولة لاستعطاف العامة من الشيعة، ولكسب أصواتهم. هذا الى جانب الاتهامات الموجهة ضده، والتي تفيد باستخدامه موارد الدولة وقنواتها الإعلامية الرسمية لصالحه، ولإفشال خصومه، مستفيداً من حالة الاستقطاب الطائفي في المنطقة، وتداعيات "الحرب ضد الارهاب" في المناطق الحربية.

وشهدت فترة ما قبل انتخابات 2014، عمليات إقصاء واسعة طالت خصوماً بارزين للمالكي، من الطائفتين السنية والشيعية على حد سواء، كما يحصل اليوم مع صباح الساعدي وجواد الشهيلي وحيدر الملا ومثال الآلوسي. وهذا يعكس مدى تعاظم نفوذ المالكي الذي أصبح يمسك بكل مقاليد الحكم في العراق.

المساهمون