العراقيون يخشون الاعتقالات أكثر من التفجيرات

العراقيون يخشون الاعتقالات أكثر من التفجيرات

26 يونيو 2014
صورة أرشيفية لمعتقلين في العراق (فرانس برس/Getty)
+ الخط -

لم يكد العراقيون ينسون هاجس الاعتقالات العشوائية، الذي طاردهم منذ الاحتلال الأميركي لبلادهم في عام 2003، حتى تجدد الأمر مرة ثانية من قبل الميليشيات الطائفية التي نشطت في الفترة الأخيرة، بعد اندلاع ثورة مسلحي العشائر ضد سياسات رئيس الوزراء نوري المالكي.

الضباط يتصدرون القائمة

"الاعتقالات العشوائية تنفذها قوات ذات زي مدني لا يعرف هويتها ولا إلى أي جهة أو تيار تنتمي، غالبا ما تقوم بتصفية المعتقلين دون تمييز بين ضباط سابقين شباب أو حتى من كبار السن" يقول العميد السابق في الجيش العراقي إسماعيل الدليمي، والذي يعاني من الملاحقة المستمرة من قبل الجهات الأمنية والميليشيات الطائفية.  

رعب الاعتقال ترك أثره على العميد الدليمي، الذي ترى في وجهه الشاحب نظرات حائرة يملؤها الخوف من المصير المجهول الذي ينتظره في بلده، الذي خدمه بكل تفانٍ وإخلاص كما يقول "الحكومة الحالية تخشى ما تسميه الانقلاب العسكري ضد الحكم من قبل ضباط الجيش السابقين وبالتالي تقوم بأعمال الإبادة والتصفية الجسدية لهم، أو تغض الطرف عن الانتهاكات التي يتعرضون لها".

ويضيف الدليمي "نعيش حالة صعبة وخاصة في هذه الفترة، التي ازدادت الاتهامات لنا فيها بمساندة تنظيم القاعدة أو التآمر ضد الوطن والتعامل مع جهات خارجية وهو ما دفع بعضنا لحمل السلاح ضد الحكومة الطائفية". وأوضح أن الضباط  السابقين ممن خدموا في الجيش أغلبهم معتقلون في السجون العراقية بلا تهم منذ الاحتلال الأميركي للعراق في 2003 .

لكن كيف تجرى عمليات الاعتقال يجيب العميد الدليمي عن السؤال بالقول "تعتمد القوات الأمنية في حملات اعتقال الضباط السابقين على معلومات من المناطق المستهدفة تحصل عليها من مختار المحلة أو المنطقة، والذي  لديه معلومات عن كل بيت بها فضلا عن المخبر السري الذي يقدم تقارير شهرية عن كل شاردة وواردة تحصل في المنطقة وهو ما يدفع أغلب الضباط إلى التنقل من مكان الى آخر بشكل خفي لمحاولة النجاح في الاختفاء عن أعين المصادر التابعة للأجهزة الأمنية".

أحد ضباط التدخل السريع - رفض الكشف عن اسمه – قال لــ " العربي الجديد " إن آلية عمل حملات الاعتقال تتم بناء على الأوامر الصادرة من مكتب نوري المالكي القائد العام للقوات المسلحة والذي يصدر الأمر للجهة المختصة للقيام بحملة اعتقالات كبيرة في منطقة معينة تستهدف ضباطا أو بعثيين سابقين أو حتى شبابا مطلوبين، لارتباطهم بتنظيم القاعدة وفي بعض الأحوال نساء مطلوبات لارتباطهن بما يسمى "الإرهاب"، وعلى حد علمي يوجد حوالى  120 معتقلة أغلبهن على ذمة هذه التهمة.

إستهداف رجال الدين

أئمة وخطباء المساجد لم يسلموا من الاعتقالات العشوائية  أو عمليات الاغتيال، التي ارتفعت وتيرتها خلال الفترة الأخيرة الامر الذي دعا ديوان الوقف السني، الذي يعد أحد أكبر المراجع السنية في العراق إلى، مطالبة الحكومة بالتدخل لوقف عمليات اعتقال أئمة المساجد السنة.

"الجامع يتعرض إلى حملة إعتقالات طالت الإمام والخطيب وأحد المصلين وكل هذا خلال 3 أشهر" يقول أحد مصلي جامع الحميد المجيد ببغداد.  و مؤخرا عادت ظاهرة اعتقال الشباب ممن يحملون أسماء مثل عمر و أبو بكر من قبل ميليشيات متنفذة تحظى برضا الحكومة لتصدر على إثر عمليات التوقيف و القبض مذكرات اعتقال للشباب .

"غادرت منطقة الدورة البغدادية بعد اتصال من أحد معارفي الضباط والذي دعاني لترك المنزل لان اسمي ورد ضمن قائمة  الاعتقالات، وعندما استفسرت منه عن السبب فقال  اسمك شبهة " - يقول الشاب عمر الذي يبلغ عمره 17 عاما - ويضيف بألم  " تركت مدرستي ومنزلي وأسرتي وذكرياتي الجميلة مرغما إلى إقليم كردستان حيث أعمل كعامل نظافة في أحد الفنادق لكي أوفر لقمة العيش ".

عبد الوهاب شاب آخر رفض الاستسلام للاعتقال ليقاومه بطريقته عبر الهجرة قائلا "أغلب العوائل العراقية ترسل أولادها إلى دول الجوار مثل تركيا من أجل الخلاص من الاعتقالات والقتل والبحث عن الأمان والاستقرار والخلاص من حالة الرعب المتواصل الذي تعيشه وعقب ذلك يقدم الشباب على طلبات اللجوء للدول المتاحة".

عقاب جماعي

من جهته، واكب قسم حقوق الإنسان بهيئة علماء المسلمين حملات الدهم والاعتقال التي طالت المواطنين العراقيين خلال شهر مايو/ أيار الماضي، حيث رصد القسم (173) حملة معلنة؛ نتج عنها اعتقال (1506) مواطنين من بينهم (5) نساء، بالإضافة إلى (128) حالة قتل رافقت تلك الحملات جلها في المحافظات المنتفضة وشمال بابل .

وقالت مصادر من الهيئة لــ " العربي الجديد ": توزعت الحملات على (15) محافظة من محافظات العراق، ونال عدد من المحافظات النصيب الأكبر من تلك الاعتقالات التعسفية؛ حيث بلغت في محافظة صلاح الدين (311) معتقلاً، وجاءت محافظة واسط بالمرتبة الثانية بـواقع (284) معتقلاً، ومحافظة نينوى بـ (165) معتقلاً، تليها محافظات ديالى ، والبصرة وذي قار ، ثم باقي المحافظات.

ما بعد الاعتقال

"عقب الاعتقال العشوائي يتعرض المعتقل للتعذيب الذي يتم بالضرب أو بالكهرباء في المناطق الحساسة من الجسم  بالإضافة الى الاعتداءات الجنسية على أغلب المعتقلين والمعتقلات" يقول مصطفى الذي اعتقل مع أبيه البالغ من العمر سبعون عاما ، ويضيف "توجد أساليب تستخدم في التحقيق من قبل بعض الضباط مثل التهديد بجلب الزوجة أو الأخت واغتصابها لدفع المعتقل للاعتراف بجريمة لم يرتكبها، وهو ما دفع شباب المعتقلين إلى الانخراط في صفوف الثوار من أجل الانتقام لأنفسهم".

الوضع السابق أدى إلى ضغوط نفسية على أغلبية الشعب العراقي وعلى رأسه المهددين بالاعتقال وفق ما يراه الدكتور زيد الدليمي – الأخصائي النفسي – الذي قال "لم يعد الخوف من الانفجارات أبرز مخاوف العراقيين حيث احتل مكانه الخوف من الاعتقال في السجون لمدد طويلة وبدون محاكمة بما أصاب العديد من العراقيين بالهلع والخوف من المستقبل".

المحامي رعد محمد الذي تولى عدة قضايا لمعتقلين قال لــ " العربي الجديد " : السجون العراقية ممتلئة بأعداد كبيرة أغلبهم معتقلين عشوائيين لم يبت في أمرهم حتى يومنا هذا، وهناك من يدفع الملايين من أجل الحصول على معلومة عن أبنائه، المسألة تحتاج الى وقفة حقيقة وجادة من أجل الحصول على قضاء نزيه يرفض حبس المتهمين كل هذه المدد بشكل غير قانوني ".

كاميرات لمراقبة المنزل

"لمواجهة الاعتقال العشوائي لجأ البغداديون إلى تركيب كاميرات مراقبة لمنازلهم لرؤية القادم على بابهم الذي كان مفتوحا في السابق للقريب والغريب"، يقول صالح علي صاحب محل لبيع الكاميرات في منطقة الباب الشرقي ببغداد. و يضيف أنه زاد الطلب خلال الأسبوعين الأخيرين على تركيب الكاميرات التي تعرض الصورة على شاشة داخلية والتي يبلغ سعرها 400 دولار أميركي، ويمكن أن تعمل على أي تلفاز، لذلك أصبح الطلب عليها كبيرا لأن المواطنين يخشون الاعتقالات العشوائية من قبل الميليشيات التي عادت مرة أخرى لممارسة هوايتها في تسميم حياتنا".

دلالات