Skip to main content
العبادي وثوب الطائفية
إياد الدليمي
شكلت التحالفات الانتخابية التي أعلنت في العراق أخيرا، استعدادا للانتخابات التشريعية المقرّرة في مايو/ أيار المقبل، صدمة كبيرة للشارع العراقي، ليس لأنها كرست الواقع الطائفي والحزبي والهيمنة الخارجية وحسب، وإنما أيضا لأنها حملت صورة لرئيس الوزراء، حيدر العبادي، صادمة، وهو الذي توسم فيه العراقيون خيرا، وأنه يمكن أن يكون قادرا على انتشال البلاد من واقعها الكارثي، بفعل الدعم الكبير الذي حصل عليه من المجتمع الدولي.
بداية، فشل العبادي في الخروج من عباءة حزب الدعوة الذي ينتمي إليه، فبعد اجتماعاتٍ بين أقطاب الحزب، وبدلا من أن يخرج العبادي بقائمةٍ غير حزبية، وبعيدا عن توجهات الحزب، تنافس مع نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، على رئاسة القائمة الانتخابية. وحسما للخلاف، اقترح الحزب، أو إن شئت الدقة، اقترحت إيران، أن يدخل الحزب بقائمتين، برئاستيهما، فكانت الصدمة الأولى للشارع العراقي.
الصدمة الأخرى أن العبادي لم يخرج بعيدا ليس عن حزبية "الدعوة" وحسب، وإنما أيضا لم يخرج من عباءة الطائفية التي لطالما كان يحاربها في خطاباته، ويدعو إلى عراقٍ خال من الطائفية والمحسوبية، فما أن أعلن عن قائمته "النصر"، حتى تحالف مع قادة المليشيات الطائفية التي تهمين اليوم على المشهدين، السياسي والعسكري، في العراق، وهي المعروفة بتبعيتها لإيران.
صحيح أن بعضا من تلك المليشيات خرج من تحالف العبادي، إلا أنه خروج تكتيكي على ما يبدو، لامتصاص نقمة الشارع العراقي الذي تناثر حلمه برؤية انتخاباتٍ لا طائفية في 2018. وقد دافع العبادي عن تحالفه مع قوى الحشد الشعبي، وقال إنها تضم رموزا سياسية، ودخلت ضمن تكتلات الحشد في إطار الحملة للدفاع عن العراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي استولى على ثلث مساحة العراق عام 2014. وهذا تبرير يعرف السيد العبادي أنه غير مقنع، كون اغلب قادة ميلشيات الحشد قادة مليشيات، قبل أن يدخلوا البرلمان، وقبل أن يظهر "داعش".

ما تحقق للعبادي في الدعم الدولي الكبير الذي قدم لحكومته جعل منه قائدا وطنيا في نظر غالبية العراقيين، يمكن أن يخرج البلد من حالة التيه التي دخل فيها منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، لكن العبادي الذي تعهد بقائمة وطنية عابرة للطوائف لم يكن قادرا على الخروج من عباءة الحزبية والطائفية، وحتى الولاء لإيران. حصل على دعم مطلق غير مقيد من الولايات المتحدة، فرئاسة العبادي الحكومة جاءت في أعقاب سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء واسعة من العراق. ومن هنا كان الدعم الأميركي يسعى إلى التخلص من هذه السيطرة. كما أن واشنطن، بعد مجيء الرئيس دونالد ترامب، رأت أن العبادي أفضل شخص يمكن أن يحقق لها معادلة التوازن مع إيران في العراق، ما دفعها إلى الطلب من دول الجوار العربي دعمه، وتحقق ذلك، فجاءت السعودية داعمةً الرجل، وساعية إلى تغيير المعادلة من خلال هذا الدعم، وهي الطامحة أن ترى العراق قد ابتعد عن الحضن الإيراني. إلا أن شيئا من ذلك لم يحصل، فإيران المتمكّنة والمتغلغلة، واللاعب الأبرز على الساحة العراقية، تركت الريح تُسيّر سفن العبادي، من دون أن يدرك الجميع أنها كانت تسحب تلك السفن إلى مراسيها على الرغم من الريح، وهو ما تجلى واضحا في التحالفات التي تشكلت، والتي أعادت العراق إلى المربع صفر، من دون أن تقبض السعودية من دعمها العبادي سوى الريح، ومن دون أن تتمكّن أميركا من تحجيم نفوذ إيران، أو على الأقل تحقيق التوازن معها في العراق.
منذ أول مواسمها في العراق عقب الاحتلال الأميركي، والانتخابات التشريعية تخضع لرغبات دول الجوار وأهوائها، بل كانت تتم برعاية سفارات تلك الدول، وفي مقدمتها إيران، ومن بعدها الولايات المتحدة، وهو ما عبر عنه النائب العراقي كاظم الصيادي، حيث قال على صفحته في "فيسبوك" إن السفارات الأجنبية هي من تدير العراق حاليا، في تعليقه على دعوات تأجيل الانتخابات.
وعلى الرغم من الصدمة، منح تحالف العبادي مع قادة المليشيات، وأيضا مع بعض الرموز السياسية الشيعية، الشارع العراقي فرصة أخرى للتغيير، فلم تكن الصدمة للشارع السني أو الكردي، وإنما صدمة للشارع العراقي، شيعته وسنته وأكراده، فالكل كان يبحث عن التغيير المنشود في شخص العبادي، وعندما لم يتحقق ذلك، سيطرت صدمة وطنية، استدعت أن ينعت الداعية الشيعي، جواد الخالصي، كل من يشارك في هذه الانتخابات من العراقيين بالحماقة، ودعا إلى مقاطعتها، لأنها ببساطة تعيد إنتاج وجوه الفساد والقتل والإجرام نفسها.
عباءة الوطن فضفاضة واسعة، بينما عباءة الحزب والطائفية ضيقة، وكان على حيدر العبادي أن يختار عباءة الوطن، لا أن يبقى عبدا لعباءة الحزب والطائفة.