الظالم وليس المظلوم هو الذي يحدد شكل الكفاح!

الظالم وليس المظلوم هو الذي يحدد شكل الكفاح!

01 سبتمبر 2019
+ الخط -
دائمًا ما يكون الظالم، وليس المظلوم، هو الذي يحدد شكل الكفاح، هذا ما قاله صاحب جائزة نوبل للسلام نيلسون مانديلا.

شكل الكفاح هذا قد يكون بلبس الإيرانيات "التشادور" ضد حكم الشاه، وإسلام العديد من القبائل الأفريقية حين كان مستعمرها مسيحياً، أو كما كانت الجزائريات يلطخن أنفسهن بروث الحيوانات لكي لا يتعرضن للاغتصاب من طرف جنود الاستعمار الفرنسي. ومثل هذا يحدث اليوم في الجزائر، حيث يلجأ المواطنون للاحتجاج على أوضاعهم الاجتماعية بطرق غير الطرق المعهودة، فأمام الأوضاع القصوى يلجأ المواطنون للطرق القصوى من الاحتجاج.

تنقل الصحف الجزائرية يومياً أخباراً حول غلق محتجين للطرقات، الشيء الذي تحول مؤخراً لظاهرة في الجزائر. أكيد أن من يقدم على إغلاق طريق عمومية وبالتالي مواجهة المواطنين مستعملي تلك الطريق أولا، ثم قوات الأمن ثانياً لا يقوم بذلك من أجل المتعة فهو عنف يمارسه على نفسه قبل غيره وهو آخر حل يملكه.

في التسلسل الهرمي للاحتياجات، تأتي الاحتياجات الفسيولوجية مثل الماء والغذاء في القاعدة، تتبعها الحاجة للأمان، لكن في حالة عدم توفر الاحتياجات الأساسية فالإنسان يمكن أن يتخلى عن الاحتياجات التي تأتي بعدها لتوفير الأساسية منها، فيتخلى مثلا عن الأمان من أجل توفير الغذاء والماء.

هذا هو حال هؤلاء المواطنين الذين يقومون بالاحتجاج بهذه الطريقة، بدلا من مراسلة المسؤولين أو تقديم عرائض، وذلك بعد أن سئموا من إخلال المسؤولين بوعودهم والتزاماتهم. ومن يعرف هذا الميدان في الجزائر يعرف أن هذه هي الطريقة التي أثبتت نجاعتها أمام فشل وتعنت المسؤولين.


الأسبوع الماضي مثلاً قام مواطنون من قريتين من قرى بلدية أيت يحيى موسى بولاية تيزي وزو، منطقة تبعد 100 كم عن العاصمة الجزائرية، بإغلاق مقر بلديتهم وذلك ببناء جدار إسمنتي على بابها، يوم الثلاثاء الماضي، وبعد خمسة أيام من قيامهم بإغلاق الطريق الوطني الذي يمر عبر منطقتهم وذلك بالجلوس طيلة اليوم في وسط الطريق ومنع مرور المركبات باستثناء سيارات الإسعاف وتلك التي تنقل المرضى، وذلك من أجل لفت انتباه السلطات حول افتقارهم لضروريات الحياة من ماء، طريق، كهرباء، غاز.

بعد خمسة أيام من الانتظار دون أن تلتفت إليهم السلطات سواء المحلية منها أو الولائية، قرر هؤلاء المواطنون الناقمون غلق مقر بلديتهم رمزياً ببناء جدار على بابه، تعبيرا منهم على استيائهم من عدم اهتمام تلك الهيأة التي تتكون من مواطنين انتخبوهم لتمثيلهم وتسيير بلديتهم، بهم وبمطالبهم.

هذا المشهد اعتاد عليه الجزائريون في السنوات الأخيرة، بحيث توجد دائما مناطق مثل هذه البلدية تفتقر لأساسيات الحياة، ويوميا وفي مختلف مناطق الجمهورية هناك مواطنون يحتجون على افتقارهم لهذه الأساسيات بإغلاق الطرق وإغلاق الإدارات، والسلطات غالباً ما تكون آذانها صماء أمام هذه المطالب الشرعية للمواطنين.

لكن حتى ولو أصبح كل هذا عادياً عند الجزائريين لأنهم اعتادوا عليه فهو في الحقيقة ليس كذلك. فليس طبيعياً ولا مقبولاً أن يفتقر مواطنون في بلد غني مثل الجزائر لأساسيات الحياة، وليس طبيعياً ولا مقبولاً أن لا يقوم المنتخبون المحليون بدورهم من توجيه ومرافقة المواطنين لحل مشاكلهم حين يعجزون هم عن توفير تلك الحلول، وليس طبيعياً ولا مقبولاً أن يكون إغلاق الطرق والإدارات هو الوسيلة الوحيدة للمواطن لإسماع صوته، ليس طبيعيا ولا مقبولاً أن تتواصل اليوم معاناة سكان هذه المنطقة حتى بعد الاستقلال وهم الذين قام آباؤهم بالأمس برفع السلاح ضد الاستعمار الفرنسي في 1947 أي سبع سنوات قبل اندلاع الثورة التحريرية، والذين قصفهم ذلك المستعمر بالنابالم، وهم أيضا الذين جمعهم نفس المستعمر في محتشدات.

بعد هذه الحركة الاحتجاجية وبعد كل مثيلاتها لمواطنين لا يطلبون شيئا سوى الحياة الكريمة، وبدلاً من طرح الأسئلة حول لماذا يلجأ المواطنون لمثل هذه الطرق للاحتجاج وكيف يمكن تجنب تكرارها مستقبلاً، كثيراً ما يفضل بعض المسؤولين وبعض الصحافيين اختصار المسافات، وذلك بإطلاق النار على الحلقة الأضعف في هذه السلسلة وهي ذلك المواطن المطالب بحقوقه.

يمكن تفهم ردة فعل مواطن يجد الطريق مغلقاً ويمنع من مواصلة سيره لقضاء مصالحه من طرف محتجين بعد قطعه لمسافة طويلة، لكن هل يمكن تفهم أنانية أولئك الجالسين في منطقة راحتهم وبدلاً من لوم المسؤولين على إخفاقهم فإنهم يلومون ضحايا ذاك الإخفاق على احتجاجهم؟

بديهي أنه كلما اشتد المرض والألم كلما اشتد معه الصراخ والأنين، والتصرف السوي للأصحاء أمام مريض يئن ليس تأنيبه على أنينه، لأنه يزعجهم به، بل السعي لعلاجه وتخفيف مرضه.

إن كان هناك مسؤول عن هذا الوضع فهو النظام، فالنظام لم يرد وجود أي وسيط بين السلطة وبين المواطن، فهو مركزي في التسيير والجماعات المحلية جردها من الصلاحيات ولم يجعل منها سوى مجرد مصاص للصدمات، والمجتمع المدني الذي كان يجب أن ينشر ثقافة المواطنة قام بتقييده، أما الصحافة فهي وفي بلد بحجم قارة مثل الجزائر مرتكزة بقنواتها وجرائدها في العاصمة وحين تمنح الكلمة للمواطن فالوحيد الذي له هذا الحظ هم المارون عبر ساحة "أودان" في قلب العاصمة، ببساطة الصحافة التي يجب أن تكون صوت من لا صوت له تجد نفسها اليوم عاجزة حتى عن الدفاع عن حريتها.

ما سبق ذكره ليس تشجيعاً لهذه الطريقة من الاحتجاج، بل فقط لفتا للانتباه إلى أنه مثلما في غلق الطريق، سواء بالمتاريس أو بالجلوس في وسطها، عنف واعتداء على حق مواطنين آخرين في التنقل كذلك في احتجاج الأطباء مثلاً بالإضراب، الذي هو حق، اعتداء على حق مواطنين آخرين في العلاج، كذلك في تنظيم الجزائريين لمسيرات ضخمة أيام الجمعة تغلق فيها حتى أرصفة الطرق للمطالبة بتغيير النظام، الذي هو حق أيضا، اعتداء على حق مواطنين آخرين في التنقل، كل هذا فيه ضرر لكن هو ضرر لا بد منه، كذلك ما سبق ذكره هو دعوة للنظر لهذا الموضوع نظرة شخص يعيش واقع بلده ويتضامن مع غيره لا نظرة مقيم في برجه العاجي ينظر بازدراء للضعفاء والمقهورين.