الطلاق البائن بين السبسي والغنوشي

الطلاق البائن بين السبسي والغنوشي

02 أكتوبر 2018
+ الخط -
حصل الطلاق بين الشيخين، لكن كلا منهما يزعم أن الآخر هو الذي يتحمّل المسؤولية السياسية في ذلك، فالرئيس التونسي، الباجي السبسي، أكد، في حواره التلفزيوني أخيرا، أن حركة النهضة هي التي سعت إلى القطيعة، بعد أن وجدت مصلحتها مع غيره، في حين صرح أكثر من مسؤول قريب من الشيخ راشد الغنوشي بأن الحركة فوجئت بالإعلان عن انتهاء التوافق.
تعدّدت الخلافات بين الرجلين، وبدأت علاقاتهما تتآكل تدريجيا، بعد شراكة استمرت أربع سنوات على الأقل، وتحمّل كل منهما تداعيات هذه العلاقة من انتقادات حادّة من جهات متعددة، حتى أصبحت كلمة "التوافق" أشبه باللعنة التي ينفر منها كثيرون. هذا التوافق الذي ضمن للبلاد والمؤسسات حدا أدنى من الاستقرار، في ضوء استمرار ضعف الاقتصاد، وتدهور الأوضاع الاجتماعية واستمرار التهديدات الإرهابية.
فرح كثيرون بانهيار هذا التوافق، بدءا من أعضاء حزب نداء تونس، وصولا إلى معظم مكونات المعارضة. وفي المقابل، تضاعفت المخاوف من المستقبل، وتعزّزت التساؤلات بشأن مصير الانتقال الديمقراطي.
دخل الخلاف بين الشاهد وخصومه مرحلته الأخيرة، فالسلطة التنفيذية تعاني من انشطار حاد، حيث يتعرّض وزراء "نداء تونس" للضغوط من أجل إقناعهم بضرورة الاستقالة والالتحاق بصفوف الحزب، في حين يتمسّك بعضهم بالبقاء ضمن الفريق الحكومي، مهما كانت النتائج.
وفي السياق نفسه، تتسارع وتيرة الفرز داخل الحزب الحاكم، فرئيس الحكومة، يوسف الشاهد، يسعى بذكاء نحو إفراغ "نداء تونس" من كوادره، من دون الكشف عن نياته. هل يتجه نحو تأسيس حزب جديد، مستفيدا من موقعه الراهن في الدولة، أو أنه يرغب في افتكاك "نداء تونس" من نجل الرئيس، حافظ السبسي، الذي يبدو كأنه الخاسر الرئيسي من المنعرج الذي دخلت فيه الأحداث، على الرغم مما يقال إن والده وقف إلى جانبه في معركته ضد الشاهد. في حين أن رئيس الدولة ابتعد أكثر عن نجله، ونصحه بالمغادرة "قبل أن يجد نفسه معزولا". والأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت التي ستحدّد الخاسر من الرابح في هذه المعركة الشرسة على الحكم.
لا أحد يستطيع أن يجزم بأن حركة النهضة، وزعيمها راشد الغنوشي، قد خرجا منتصرين في هذه المعركة. ويعود ذلك إلى أن الخلاف بشأن بقاء الشاهد أو رحيله انتقل إلى داخل "النهضة" نفسها. هناك من يعتقد أن رئيس الحكومة يمكن أن يكون البديل الأفضل للسبسي الذي يقترب من نهاية مشواره السياسي. وبالتالي على الحركة أن تستفيد من هذه "الفرصة" وتجعل من الشاهد الحليف الذي يمكن الاعتماد عليه بعد انتخابات 2019. ويقود هذا التيار رئيس الحركة، وعدد واسع من القياديين القريبين منه.
في المقابل، وجهت كوادر مخالفة لهذا التوجه رسالة إلى الغنوشي، حذروه من الاستمرار في هذه الخطوة، التي حسب اعتقادهم ستعود بالوبال على الحركة، فهم يعتقدون بأن الشاهد "شخصية مخيفة ومريبة"، وهو ما جعل أحد الموقعين على الرسالة يذهب إلى حد القول إنه في حال استمر الشاهد ستكون تونس "حبلى في الشهر السادس بالدكتاتورية". وهو ما سيترتب عنه، حسب اعتقاده، انقلابه على حركة النهضة، والتنكيل بأعضائها بعد فترة وجيزة من توليه السلطة.
إنه خلاف عميق مرشح يربك صفوف النهضويين في هذه المرحلة الدقيقة، إلى جانب خلافات أخرى، بعضها ذو طابع تنظيمي، وأخرى فكرية وسياسية.
والغنوشي يقف حاليا على عتبة مرحلة جديدة، لا يستطيع أن يناور فيها مدة طويلة. عليه أن يحسم، وقد يكون الحسم مؤلما ومكلفا في الآن نفسه، فقطع الحبل مع الرئيس السبسي مسألة خطيرة ستكون لها تبعات، فالرجل ساعد "النهضة" كثيرا، ودافع عنها، ووقف إلى جانب الغنوشي في مؤتمرها العاشر، واعتبر أن مراهنة الغنوشي على الشاهد نوع من "خيانة لا تغتفر". لكن في المقابل لا يستطيع رئيس "النهضة" أن يخضع لجميع مطالب حليفه مهما كانت قاسية، خصوصا وأن المستقبل لن يرحمه، في حال بقي مرتبطا بحالة سياسية هشّة، وخالية من ضماناتٍ حقيقيةٍ للمستقبل.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس