Skip to main content
الطريق إلى "11 نوفمبر" في مصر
شريف أيمن
تصاعدت، أخيراً، دعوات إلى التظاهر في الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، لأجل إسقاط النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي، وتزامنت معها مواقف أثارت الانتباه، مثل تفاقم الأزمات المعيشية بشكل غير مفهوم، ومؤشرات الاستجابة الشعبية، والتعامل الرسمي مع الدعوات وموقف المعارضة السياسية المصرية منها.
لاستجلاء ذلك، يمكن القول إن عملية الحكم عقب 3 يوليو/تموز 2013 لم تكن سوى عملية إدارة لمجموعة الشركاء الذين أسقطوا الرئيس محمد مرسي، وكان الطبيعي أن يكون الطرف الأقوى هو الذي سيتولى عملية الإدارة تلك، لكن المؤسسة العسكرية قامت بالتوغل في مساحات الغير، فسيطرت على الملف الأمني، وقامت بتدخلاتٍ خشنةٍ في جهاز الاستخبارات، وسيطرت، بشكل شبه تام، على السوق الاقتصادي المتردّي أصلا، وبدأت في احتكار سلع أساسية، مثل لبن الأطفال، فالمؤسسة الأقوى تعاملت باعتبار الفوقية على جميع المؤسسات المهمة، وبطبيعة الحال على رجال الأعمال "المدنيين"، ما استدعى غضب الجميع، وحدوث خروق لم تعد صالحة للرتق بين قوى "30 يونيو"، ونسيت مؤسسة الحكم أنها شاركت في عقاب الداخلية، عقب ثورة يناير، في أثناء اقتحام مقرّات جهاز مباحث أمن الدولة، لتوغّله في شؤون الدولة، بما فيها مراقبة العسكريين، وتقوم الآن مؤسسة الحكم بما يستدعي معاقبتها من الجميع، وأصبحت هي التي مهدت الطريق إلى نوفمبر، وتحتاج المعارضة فقط إلى استكماله.
ليس خافياً أن هناك خلافاً بين أطراف النفوذ في الدولة وصل إلى درجة الصدام، بدءا من التسريبات، وانتهاء بتعميق الأزمات التي تضع نظام الحكم في موقفٍ مأزوم للغاية، وتساهم تلك الأزمات في احتقان الشارع. وفي ظل ذلك الصراع العلني، تقف كل أطراف المعارضة المصرية موقف المتفرج الذي لا يستطيع حتى رفع رأسه، لمتابعة ما يجري، وما فعله نظام "3 يوليو" أنه قتل كل القوى التي شاركته توجهه العام، واستطاع إخراج التيار السياسي الإسلامي من المعادلة السياسية، كفاعل رئيسي، وأعاده إلى أسوأ من وضعه أيام حسني مبارك.
خطورة إخراج السياسيين، على انتهازيتهم، أن أحد الأطراف قرّر إدخال البسطاء والمهمشين
في دائرة الصراع على إدارة الدولة، من دون وجود فاعلين سياسيين يحافظون على إطار عام للحراك، يمنع الفوضى والعنف من جهة، ويؤسسون، مع غيرهم، لمحدّداتٍ تحكم التوازنات بين كل الأطراف من جهة أخرى، والساسة المصريون جزء من أسباب الوصول إلى تلك الحالة، لكن أطراف النفوذ، على الرغم من ذلك، كان يمكن أن "تستغلهم" -كعادتها- في ضبط مسار الحراك لئلا ينتقل إلى الفوضى، إلا أن هناك من اختار ألا يشرك أحداً منهم في المشهد، ليستأثر هو بتحديد سقف الحراك ومساراته، ولتصل الرسالة إلى الجميع: إنكم لا قيمة ولا وزن لكم إلا ما نحدّده لكم، وليترك الأمور تصل إلى مداها لتحسين وضعية التفاوض، حتى لو تكرّر سيناريو الانفلات الأمني في يناير/كانون الثاني 2011، وذلك التوجه نحو صورةٍ من صور الفوضى، من دون إمكانية توقّع مداها، أصبح متردّداً ومسموعاً، بقوة في الشارع المصري، وهو أشْأم النُّذُر.
أصبح الشارع يترقب جمعة اليوم (11/11)، وهو لا يدري ما ستحدثه، وأصبح الساسة كذلك يترقبون، من دون وجودٍ لتصوّرٍ عما يمكن أن يحدث، وما يمكن أن يقوموا به، بموازاة أيٍّ من صور الاحتجاج أو عدمه. ويتحرك الشارع لأجل مطالب اقتصادية مشروعة، لكنها حركة من دون إدراك أن صلاح الاقتصاد مرتبط بصلاح السياسة، ولا سقف سياسيا لحراكٍ عنوانه "الغلابة"، بل إننا حتى لا نعرف غاية الحراك، هل سيهدأ الشارع، إذا تم تحسين الأوضاع الاقتصادية، وإقالة الحكومة مثلاً، خطوة أولى؟ أم سيهدأ بإسقاط النظام؟ أم سينجح قمعه؟ أم أنه لا يوجد حراك أصلاً، بل مجرد محاولة للابتزاز السياسي في ظل صراع نفوذ؟
كذلك لا يوجد تصور لمآلات ما سيحدث، فنحن أمام حالةٍ سائلةٍ تماماً، لا رأس ولا مطلب لها، وضعتنا أمام أربعة أسئلة: هل سيخرج حراك واسع ينجح النظام في قمعه سريعا؟ وحينها ستبسط السلطة قبضتها على جميع مفاصل الدولة، وستقوم بإجراءاتٍ شديدة العنف، على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية. أم هل سيتسع الحراك بصورة تصعّب على الحكومة إخماده، لكنها لا تقدر على السيطرة الكاملة عليه، ولا على ارتداداته التي قد تخرج منعزلةً، سواء في المدن الكبرى أو القرى، من دون التقاء مركزي لها؟ وسيصاحب ذلك أيضا قمع واسع سيزيد الاحتقان، ويظل اليوم أحد محطات مجابهة السلطة. أم إن شيئا لن يحدث؟ أم ستحدث استجابةٌ لسقف الشارع الذي سيتحدّد، حسب تعاطي الدولة مع الاحتجاجات؟
كل تلك التصورات واردة الحصول، ولا يمكن على وجه اليقين القطع بحدوث أحدها، وتلك
السيولة والغموض يبرّران، جزئياً، للمعارضة عدم الاشتباك حتى الآن، لكن أقل ما يمكن عمله، في تلك المرحلة، أن تتوجه قيادتها إلى خطابٍ يدعو، في صلبه، إلى الحفاظ على الممتلكات، وعدم الانجرار إلى العنف المفتعل من أي جهة، من دون توجيه الشارع إلى رأي متعلقٍ بالفعاليات. وبعد ذلك، تقرر المرحلة التالية من خطابها وفقا لحركة الشارع، أو حتى عدمه، فدعوة "11/11"، على الرغم من كل ما يحيط بها من غموض، كسرت جزءاً من حاجز الخوف الذي ينبغي استثماره، وحفزت كذلك الشارع للمطالبة بحقوقه، وسيكون من العبث تضييع تلك الحالة المتحفزة التي صُنعت، من دون تدخل من أي طرفٍ معارض.
دخلت الثورة المصرية التي اندلعت في يناير/كانون الثاني 2011 نفقاً مظلماً بعد فترة وجيزة من أولى نجاحاتها، وليس معلوماً ولا متوقعاً متى تخرج من ذلك النفق، إلا أن الشباب الذين مسّهم حلم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لا يزال طيفُه ماثلاً أمامهم، وربما يَتَحَيَّنون لحظةً مناسبةً لملامسة الحلم مرة أخرى. وتقول الصورة الحالية، بجلاء، إننا أمام معركة تنظيماتٍ، ومن سيتابع سيظل خارج المشهد، أما من سيستطيع تنظيم نفسه، وحده أو بائتلاف مع غيره، والحفاظ على تنظيمه (العسكري- المدني- السياسي - الديني) ليخرج بأقل قدرٍ من الخسائر سيشارك، لا ريب، في عملية إعادة ترتيب المشهد، ما يدفعنا إلى تساؤلٍ رئيسي: هل تمكن الاستفادة من صراعات النفوذ؟