الضربة القاضية للزراعة السورية

الضربة القاضية للزراعة السورية

23 فبراير 2017
المنتج الزراعي السوري في أزمة كبيرة (Getty)
+ الخط -
بات معلوماً لمن يهمه، أو لا يهمه الأمر، أن إيران لم يعد تطربها نغمات الممانعة والصمود والتصدي. وربما ولا حتى حماية العتبات المقدسة بسورية أيضاً. بل سعت، منذ أحست باستمالة الأسد لروسيا ورفض طلبها بميناء بحري بمدينة اللاذقية، إلى ضمان استرداد ديونها التي منحتها نظامَ الأسد، عبر سنين الثورة، إن كانت مبالغ مالية أو ثمن بضائع وأسلحة ونفطاً.

أبرمت الشهر الفائت ست اتفاقات تضمن لها الاحتلال المباشر واسترجاع أموالها، حتى لو سقط الأسد، وغيرت في الآن نفسه من سياسة الأمس، فأوقفت الخط الائتماني الذي وقعته مع الأسد بقيمة 3،5 مليارات دولار، وبالتالي توقفت تلقائياً شحنات الغذاء وإمدادات النفط.

تاه نظام الأسد، كيف يسد هذا الفاقد، الذي لم يحسب له ربما حساباً، وخاصة بواقع الإفلاس وتبديد المدخرات وعجز الموازنة الذي تعرفه حليفة، الأمس طهران، فسارع وبغير اتجاه، لضمان الاستمرار ولو لأجل، فسمح ولأول مرة للقطاع الخاص باستيراد المشتقات النفطية براً وبحراً، في خطوة يمكن قراءتها من وجوه عدة.

وفعلاً، وصلت أولى شحنات النفط المستوردة من القطاع الخاص براً، ليتكفل ولأول مرة، قطاع الأعمال السوري بتوزيع المشتقات النفطية، للصناعيين والشعب وحتى لحكومة الأسد، بسعر عالمي يضيف عليه ما يسمى تكاليف الاستيراد والنفقات المستورة.

قصارى القول: ربما لا خوف على من يمتلك المال وحقق عبر الثورة ومن خلالها، أموالاً وعلاقات، تقيه شرور العوز والأيام السوداء التي أوصل الأسد الوريث، سورية والسوريين إليها.

ولكن ماذا لجهة من لا يمتلك الدولار ليستورد، ولا يمتلك فائض مال ليشتري المحروقات من تجار الأزمة بسعر الأزمة، وهنا نرمي إلى الفلاحين ومربي الثروة الحيوانية، وأغلبهم أو جميعهم ربما، من أصحاب الحيازات الصغيرة، تآكل رأسمالهم وصغرت أعمالهم بعد سنوات الحرب والحصار والنضال التي فرضها النظام الممانع.

وفي وجع ذي صلة، عانى من صمد وبقي من الفلاحين بسورية، من أقسى أنواع التهجير وتتريك العمل الزراعي، إذ زادت أسعار مستلزمات الإنتاج، من بذور وأسمدة ومحروقات، أكثر من ثلاثين ضعفاً خلال الثورة، بل وعجزت حكومة الأسد عن تأمين أبسط مستلزمات العمل الزراعي، ما راجع - نتيجة - الإنتاج الزراعي بسورية إلى أكثر من 60% بشكل عام، وحوّل بلداً ينتج 4 ملايين طن من القمح سنوياً، إلى متسول على أبواب اللئام، لتأمين الخبز حتى عبر مقايضته بغذاء السوريين، كما يعد له بين الأسد وروسيا الآن.

نهاية القول: إن لم نأت على أن سورية بلد زراعي بتركيبتها الجغرافية والتاريخية، وأن الزراعة هي مصدر قوتها وكفايتها أولاً، وبقتل الزراعة سيتحول جل من فيها لعاطلين وجوعى ثانياً، لنسأل فقط عن القرارات الرشيدة التي أصدرتها حكومة الأسد أخيراً، ومن هم تجار وموزعو المحروقات الجدد؟!.

أو لم نتطرق إلى من سيستورد النفط والذي، وفق ما رشح حتى الآن، لا تغيير بذهنية العصابة والشللية يذكر، فمن حصل على إجازة استيراد النفط من القطاع الخاص، وسيتحكم بالإنتاج الزراعي والصناعي، بل ودفء السوريين، هم "شركة ايبلا، وباسم علي سليمان، وباسم وائل داود" ولئلا يُنعت النظام العلماني بأي انحياز مناطقي أو طائفي، ترك لدمشق "ايبلا" نصيباً من نصيب اللاذقية، بصرف النظر عن عائدية شركة "ايبلا" ومن يديرها وأين ستصب عائدات وأرباح استيراد النفط؟

لنسأل فقط عن مصير الزراعة السورية بعد خروج 50% من المساحات عن الإنتاج، وعن أسعار المنتج الزراعي النهائي، في بلد يستورد مزارعوه البذار والمحروقات والأسمدة وحتى عبوات التغليف، ومن السوريين المثبتة أجورهم والمحاصرين بلقمة عيشهم، سيتمكن من شراء الخضر والفواكه، ولو عبر الحبة الواحدة، كما يحصل بدمشق الآن.

المساهمون