الصين ليست مستقبل العالم

الصين ليست مستقبل العالم

27 مارس 2020
+ الخط -
تريد الصين إقناع العالم بأنها سيطرت على وباء كورونا، وكفّت، منذ حوالي أسبوعين، عن تصدر أرقام الإصابات والوفيات الكارثية. وباتت إيطاليا وإسبانيا في المقدمة، على الرغم من أنهما تمتلكان نظامين صحيين على قدر عال من الجودة. وتعتمد خطة الصين حتى الآن على كبح انتشار الفيروس بالاعتماد على نظام العزل الصارم الذي يشمل البشر والأماكن، ومنع أي اتصال. وإلى حينه، لا توجد وسيلة لفحص مصداقية الأرقام التي قدمتها وتنشرها بكين كل يوم عن عدد الإصابات والوفيات، بل هناك مصادر طبية غربية على صلة بمكافحة الوباء تشكك بكل ما يصدر عن الصين من أرقام. 
وعلى الرغم من التشكيك في الأرقام الصينية، لا أحد ينكر أن نظام العزل الشامل الذي جرى تطبيقه هناك بصرامة قد أثبت جدواه، في حين تأكد أن تفشي الوباء في بعض دول أوروبا يعود إلى التراخي في التصدّي للوباء. والمسؤولية هنا جماعية، تنسحب على الحكومات والأفراد. ولو أن إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا سارعت، منذ شيوع أخبار المرض في الصين، إلى إجراءات استباقية، لما وصل الحال إلى ما هو عليه اليوم. وتتحمّل هذه الحكومات مسؤولية أخرى في أنها لم تسارع إلى توعية الرأي العام، ولذلك تفشّى الوباء بهذه السرعة، حتى بات يهدّد بالخروج عن السيطرة في إيطاليا، البلد الأوروبي الأول الذي انتقلت إليه العدوى من الصين في أواسط يناير/ كانون الثاني الماضي، حين توفي سائح صيني وزوجته في أحد فنادق روما. ومن يعود إلى الصحافة في ذلك الوقت يجد مقالات ربطت وفاة السائحيْن بظهور الفيروس القاتل في الصين. واللافت أن الحكومة الإيطالية لم تأخذ الأمر بجدّية، على الرغم من توسع رقعة الوباء في منتصف فبراير/ شباط الماضي.
وقد يكون الأسلوب الصيني نجح في احتواء الهجمة العنيفة للفيروس، إلا أنه ليس المثال الذي يُحتذى، فهناك أساليب أخرى لا يتم الحديث عنها، ومنها الكوري الجنوبي والياباني. وهذان البلدان قريبان جغرافياً من الصين، وفيهما نسبة عالية من كبار السن. وهناك أيضا المثال الألماني، حيث تمكّن هذا البلد من تقليل نسبة الوفيات بصورة كبيرة، ولم يلجأ إلى إجراءات العزل الصارمة أو منع التجول. ويعود الفضل في ذلك إلى متانة النظام الصحي، والالتزام الذاتي لدى الشعب الألماني الذي اتبع الإرشادات الحكومية. والدرس الألماني لا يفيد فقط في الرد على الحالة الصينية، بل يصلح لأن يتعظ منه رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، الذي كانت ردود فعله في مواجهة الوباء بعيدة عن العقلانية والحسّ الإنساني. وينسحب هذا على الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي ألغى قانون الرعاية الصحية المعروف بـ"أوباما كير"، لصالح شركات التأمين الصحي الخاصة، وبرّر قراره بأنه يزيح عن كاهل الحكومة عبئا كبيرا. ويظهر اليوم الخطأ الكبير الذي وقع فيه الرئيس الذي كرّس القسط الأكبر من الموازنة للدفاع، ويتبين أن الصحة مسألة في صلب الدفاع عن سلامة البلد الذي يرشّحه الخبراء ليكون بؤرة الوباء المقبلة. وعليه، سيكون ترامب أول الخاسرين، وسيتبخّر حلمه بولاية رئاسية ثانية، إذا صدقت التقديرات المتشائمة حول تطورات الموقف الصحي في الولايات المتحدة.
مناعة الجنس البشري اليوم بالميزان، ويمكن استخلاص درس أساسي من المحنة الحالية، أن شرط مواجهة الأوبئة هو حماية البيئة التي دمّرها البشر عن طريق الحروب الاقتصادية الوحشية التي لا تنشد غير الربح، وهذا ما يعبر عنه، صراحة، النموذج الصيني الذي كشف القناع عن إمبريالية أخطر من الإمبرياليات السابقة، لأنه عابر للحدود بكل مشكلاته وأمراضه. الصين التي تصدّر الصناعات الرخيصة، تصدر كل عدة سنوات نوعا قاتلا من الأنفلونزا. .. هذا البلد لا يمكن أن يكون قدوة لأحد.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد