شهدت العاصمة مقديشو سلسلة تفجيرات دامية منذ يونيو/حزيران الماضي، في انعكاسٍ للتردي الأمني في البلاد عموماً في هذه المرحلة الحساسة، بل اعتُبرت التفجيرات الأخيرة التي ضربت مقديشو، بمنزلة تحذير مبكر من انهيار المنظومة الأمنية التي أعادت الهدوء والاستقرار إلى العاصمة بعد سنوات من الفوضى الأمنية. وقد أودت هذه التفجيرات الأخيرة بحياة ما لا يقل عن 50 شخصاً من بينهم مسؤولون أمنيون، فضلاً عن جرح العشرات.
سياسة الدفاع التي تتخذها الأجهزة الأمنية لإحباط هجمات الحركة غير كافية
في السياق، يقول الصحافي في شبكة "شبيلي" الإعلامية، أويس نور، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن غياب استراتيجية أمنية حكومية لمواجهة تهديدات "حركة الشباب" وهجماتها الانتحارية، يعزز التصعيد العسكري، مشيراً إلى أن خطة الحكومة الأمنية تفتقد للكثير من الاستراتيجيات الأمنية. ويرى أن قطع شوارع مقديشو بالسواتر الإسمنتية قلل من حجم التفجيرات الانتحارية التي كانت تنفذ بواسطة سيارات مفخخة، لكنها لم تعد سياسة أمنية ناجعة، إذ تستمر هجمات "حركة الشباب" ضد أهداف حكومية وشعبية. ويضيف نور أن سياسة الدفاع التي تتخذها الأجهزة الأمنية لإحباط هجمات الحركة غير كافية، وذلك بدل أن تشمر الجهات الأمنية عن سواعدها لشن حملات عسكرية ضد الحركة منعاً لارتدادات أمنية داخلية. وبعد سلسلة تفجيرات هزت مقديشو أواخر عام 2017 اعتمدت الأجهزة الأمنية في العاصمة على إجراءات أمنية شديدة لتطويقها، من خلال قطع شوارعها بالسواتر الإسمنتية وحواجز التفتيش الأمنية، إلا أن التصعيد الأمني الأخير ينذر بعودة المدينة إلى حمامها الدموي السابق.
في هذا الصدد، يقول أستاذ الإعلام في جامعة هرمود، أحمد جيسود، لـ"العربي الجديد"، إن التصعيد الأمني الخطير في مقديشو حالياً، يرجع لخلافات حادة تعصف بالبلاد، على خلفية قرب موعد الانتخابات الرئاسية (فبراير/شباط المقبل)، وعدم نجاح المشاورات السياسية للاتفاق على نموذج انتخابي في البلاد. ويشير جيسود إلى أن الإطاحة بالحكومة الفيدرالية التي كانت تتولى الملف الأمني، خلطت الأوراق، وكشفت عن ترهل المنظومة الأمنية، إلى جانب انشغال المسؤولين الصوماليين بالأزمة السياسية.
ويضيف جيسود أن "البلاد تمر حالياً بمنعطف سياسي خطير نتيجة قرب موعد الانتخابات، إلى جانب عدم وضوح الرؤية السياسية المتفق عليها بين الأطراف الصومالية بخصوص النظام الانتخابي الذي ستعتمد عليه البلاد، لاسيما بعد تواتر أنباء عن إمكانية تأجيلها إلى أجل غير مسمى، و كل هذه الأمور كانت عوامل كفيلة بتفخيخ الوضع الأمني في البلاد".
وعاش الصومال منذ نحو ثلاثة عقود في فوضى أهلية وحرب عصابات بين مليشيات مسلحة قبلية وبين مسلحين من التيارات السلفية، ما دفع إثيوبيا عام 2006 إلى التدخل عسكرياً والإطاحة بالمسلحين، ومنذ ذلك الحين تقاتل "حركة الشباب" الحكومة الصومالية. كما أن غياب الاستقرار السياسي في البلاد حالياً ولا سيما في ظل الخلاف حول تحديد نظام للانتخابات، ورفض المعارضة السياسية إمكانية إجراء انتخابات مباشرة وفقاً لرغبة الرئاسة الصومالية، ألقت تأثيراتها السلبية على الوضع الأمني الهش في مقديشو.
عدم الاتفاق على نظام للانتخابات سيكون مدخلاً لتدهور أمني أكبر
ويقول الخبير العسكري المتقاعد شريف حسين، في حديث مع "العربي الجديد" إن غياب التنسيق بين الشعب والأجهزة الأمنية من أسباب تردي الوضع الأمني في مقديشو، كما أن تراجع المعنويات النفسية لعناصر الشرطة نتيجة الخلافات السياسية من بين جملة الأسباب التي تهدد أمن البلاد. ويوضح أن عدم الاتفاق على نظام للانتخابات بين الرئاسة الصومالية والمعارضة، سيكون مدخلاً لتدهور أمني أكبر في البلاد، بسبب ضعف النظام الأمني في مقديشو، وهو ما يُفقد عناصر الشرطة الأمان النفسي قبل مواجهة تهديدات وهجمات حركة "الشباب" المرتبطة بتنظيم "القاعدة".
وبحسب خبراء، فإن الصومال يعاني من تفكك أمني منذ سنوات، نتيجة عدم بناء الجيش بشكل فعلي، وعدم تأهيل أجهزة الشرطة الصومالية بشكل يخدم حماية أمن مقديشو، هذا فضلاً عن تدني الأجور لدى أفراد وعناصر الشرطة المحلية، مما قد يعرقل جهود المجتمع الدولي والمحلي لفرض استقرار أمني في البلاد، ومكافحة حركة "الشباب" التي تنفذ وعيدها بين الحين والآخر ضد مقار حكومية وشعبية.