الصندوق العربي الأسود
الصندوق العربي الأسود
لا ندري كيف، ومتى، ومن فتح صندوق العرب الأسود، وخرجت منه الأفاعي، بكل سمومها الفتاكة، وإذا تأملت في حال المنطقة العربية وأحوال شعوبها، تصدم كيف تشابك الزمان واتصل ما انقطع من قرون طويلة، فكأن الزمان استدار لتجد الشعوب العربية، اليوم، في زمن الحروب السحيقة بكل ما فيها من فتن طائفية عرقية، وهنا، يجب أن نسمي الأشياء بمسمياتها، لأن ذلك بداية الحل، فقد خرج إلى العلن، وبوجوه سافرة، الصراع السني - الشيعي- والعلوي .. إلخ!
ليس هذا وحسب، بل عاد الصراع العرقي والتنافس الإقليمي بين العرب و"الفرس"، والأتراك، كما كان في عصر القبائل، وبالزخم وبالشراسة نفسيهما، وكل عرق يريد استرداد نفوذه التاريخي في المنطقة، ويبحث عن أمجاد غابرة، ولا ننسى العدو الإسرائيلي المتربص، والذي يطمح، وبشدة، إلى بسط نفوذه، بحسب أمنياتٍ تاريخية توراتية. وهذا كله يقع على رأس الشعب العربي الصابر الذي لا تنقصه أزماته الآنية المستحكمة من تخلف بكل ألوانه سياسي- معرفي- اقتصادي- اجتماعي- ثقافي، هو مستهلك فقط لحضارة الغير، يعيش التيه لا يعرف دوره بين الأمم، لا بل تقع عليه فتنٌ، مفروض أنه عفا عليها الزمن.
إذن، كيف خرجت أزمات وفتن العصور السحيقة، واتخذت مكان الصدارة في المنطقة، ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين؟ هناك سببان ساهما، وبفاعلية، فيما تشهده المنطقة، ونقصد هنا جمود الوعي وثبات الذاكرة الجماعية للأمة نكوصياً في حقبة قديمة، حيث تجمد الوعي، والثقافة، وتجمدت النصوص، والزمن يمضي والحضارات تتغير، ونحن محتجزون فكراً وثقافة في ذاك العهد، بكل فتنه وأزماته.
وقد يتساءل أكثرنا، هل من سبيل إلى الخروج من وحل هذه الفتن؟ لكن، ما لم يُفصل بين ما هو سياسي وما هو ديني، أي أن لا تصبغ الأهداف السياسية بالصبغة الدينية، وذلك يتطلب وعياً عميقاً بالذات، وبمتطلبات العصر، وسبل المستقبل، لأن من يتحمل كلفة العصبية الدينية هو مواطن المنطقة البسيط، لن نستطيع الاهتداء إلى ما فيه خير لنا.