الصناديق الملكية في الأردن: تجميلٌ طبقي

الصناديق الملكية في الأردن: تجميلٌ طبقي

03 نوفمبر 2016
(تصوير: محمد أبو غوش)
+ الخط -

كان الهدف من تأسيس "الصناديق المَلكية"، في الأردن، المساهمة في تنمية الشباب، ودعمهم في مختلف المحافظات وتحديدًا في المناطق المهمّشة، وجاء انتقاد آلية عملها وتنفيذها للمشاريع، على خلفية استغلالها من طرف مسيّريها لتحقيق مكاسب ومآرب شخصية، في إشارة إلى وجود خلل في آلية عملها وعدم تحقيقها الأهداف التي وجدت من أجلها، في مقابل ذلك، يرى البعض أنها ساهمت في تمكين الشباب ديمقراطيًا، وتحقيق التنمية المستدامة، وتوفير فرص عمل لهم.

هذه الصناديق تم تأسيسها بمبادرات ملكية، مثل صندوق الملك عبدالله للتنمية، والصندوق الأردني الهاشمي للتنمية البشرية، ومؤسّسة نهر الأردن.

الناشط السياسي منصور المعلا، يقول: "لا أرى لهذه الصناديق أيّ تأثير حقيقي على الشباب الأردني، ومردُّ ذلك أن معظم هذه الصناديق مقيّدة بمجموعة من الإجراءات والأطراف التي تتحكّم بها والتي تقوم بتسييل الأموال، ومنح القروض، وتصعيد شباب بوصفهم نخبًا يمثّلون قطاعات واسعة من الشباب بشكل غير علمي وغير ديمقراطي".

ووصف المتحدّث هذه الصناديق بأنها عبارة عن "غيتو"، محاطة بمجموعة من الشباب الذين لهم صلات مالية أو نفعية، ويشير المعلا إلى وجود طبقة برجوازية تحاول بناء طبقة سياسية بمواصفات محدّدة، وهذا ما نلمسه في موضوع المدارس الملكية مثلًا، يتم حسبه، اختيار الطلاب المتميّزين في المدارس الحكومية، ويأتون بهم إلى المدارس الملكية مثل مدارس الملك عبد الله للتميّز، وتقدّم لهم حوافز للحصول على تحصيل عال.

يفسّر الناشط السياسي توجّه المدارس الملكية، إلى اختيار المتفوّقين من الطلاب، بأنها تنسب الفضل إليها بعد تفوّقهم، واستشهد المعلا ببرنامج "مدرستي" لتحسين بيئة التعليم من الناحيتين المادية والتعليمية في المدارس الحكومية الأردنية الأقل حظًا، وبعد 6 سنوات من تطبيق المبادرة، انتفض المعلمون ليعلنوا عن فشلها.


التفاف على المؤسّسات
من جهته، يروي الناشط السياسي أيمن الحيصة، تجربته مع مؤسسة "نهر الأردن"، ويتطرّق في حديث إلى "جيل"، إلى بعض مظاهر الفساد والغش الموجود على مستوى هذه المؤسسات، يؤكّد المتحدّث، أنه وبعد عمله لأكثر من أربع سنوات كمهندس زراعي مع "نهر الاردن"، رفضت المؤسسة تجديد عقد عمله بحجة الاشتراك في مسيرة سلمية مع حراك ذيبان، وطلبت منه عدم الحديث والكشف عن أسرارها للجميع، مقابل دفع رواتب ستة أشهر كتعويض له عن ذلك، ولكنه رفض المال ولم يخضع لمطالبهم على حدّ قوله.

يعتقد الحيصة، أن "نهر الأردن" المؤسسة المستقلة التي تحصل على تمويلها من الحكومة الأردنية، وبالأخص من وزارة التخطيط، من أجل تنفيذ مشاريع في المناطق النائية لتنمية المجتمع المحلي، ساهمت في رفع مناطق الفقر في الأردن بمشاريع تدّعي أنها ناجحة، مستشهدًا بمشروع "لوز الفرك" في لواء ذيبان بمحافظة مأدبا، والذي كلّف خزينة الدولة ما يقارب المليون دينار، ولم ينجح، وتم تدميره من قبل مسؤولين في المؤسسة. إضافة إلى مشروع إنشاء مصنع ألبان في محافظة العقبة، توقّف الآن بسبب نفوق الأغنام، يضيف المتحدّث.

يتّفق الناشط العمالي، محمد السنيد، مع الحيصة في هذا الطرح، ويرى أن الصناديق الملكية هي التفاف على مؤسّسات الدولة الدستورية والوزارات السيادية، وبالتالي وجود هذه المؤسسات الملكية، يؤدي إلى ازدواجية في التعامل مع المواطنين والمرجعيات والقنوات الرسمية".


صناعة الوهم
ويعلّق السنيد "الهدف من هذه الصناديق هو الإعلام والترويج لمشاريعها، ولكن لا شيء تجسّد على أرض الواقع، ولا بد من وجود أسس وخطط ورقابة على عملها، لأنها لا تخضع للرقابة، فإن كانت مؤسسة نهر الأردن تترأس إدارتها زوجة الملك مثلًا، والصندوق الأردني الهاشمي تديره الأميرة بسمة، فمن سيراقبهما؟".

ويستطرد السنيد أن الصناديق الملكية تقوم بتبديد المساعدات الخارجية التي تحصل عليها، ولا ينعكس أثرها الإيجابي على الشباب والمجتمع، مقترحًا أن توجَّهَ هذه الميزانيات، إلى الوزارات السيادية التي أُفقرت من أي مشاريع، مردفًا قوله: "حصلت وزارة التخطيط قديمًا على مساعدات من الكويت للمساجد، واستحوذت مؤسّسة نهر الأردن على المنحة، وقامت بمبادرة أطلقت عليها مسجدي بيتي".

من جهتها، رفضت "مؤسسة نهر الأردن" في حديث إلى "جيل"، الإجابة على أسئلة تتعلق بالانتقادات التي وجهت لها، وتحدثت فقط عن برنامجها ومشاريعها: "ساهمنا في دفع عجلة التنمية لدى الشباب من خلال إشراكهم في كافة مراحل عمل المشاريع وتزويدهم بالمهارات اللازمة على المستوى الشخصي والفني".

ويذهب في هذا الاتجاه، مدير المشاريع في المؤسسة فراس عزّت، الذي تحدّث عن تجسيد عدد من المشاريع الخاصّة بالشباب؛ منها مشروع إعداد الشباب لسوق العمل، والتشغيل السريع، ومبادرة شباب عجلون "المبادرون"، وتمكين الشباب اجتماعياً واقتصادياً من خلال برنامج تمكين مناطق جيوب الفقر المرحلة الثالثة، إضافة إلى المبادرة التنموية الشامله في الأغوار، ومشروع شباب للعمل، ومبادرون الكرك، ومشروع شباب زين، وبرامج تتعلّق بالمحافظ الإقراضية الخاصّة بالشباب لتنفيذ مشاريعهم الخاصة بهم على تعبيره.

وأشار عزّت، إلى وجود عدد من المشاكل التي تواجه المؤسسة؛ منها بحث الشباب عن الوظيفة الدائمة، وأحيانًا عدم الجديّة في التعامل مع المشاريع والبرامج، وعدم الالتزام وارتباط الشباب ببرامج ومشاريع أخرى، وتشابه بعض المشاريع مع مشاريع جهات وهيئات محلية.

وتتمّ الرقابة والمتابعة على تنفيذ مشاريع "مؤسسة نهر الأردن" عندما تقدم للأفراد، من خلال إجراء الزيارات الميدانية الدورية، والإشراف على استلام المواد اللازمة لتنفيذ المشروع، واستلام فواتير الشراء ومحاضر الاستلام الخاصة بالمشتريات، وصرف المخصصات على دفعات لضمان استكمال التنفيذ، ودور الهيئات المحلية الشريكة بالمتابعة الدورية على مشاريع الأسر والشباب وتسليم التقارير الدورية كما أفاد عزّت.


انسحاب الدولة
تبحث هذه الصناديق عن الوسائل المناسبة لتوظيف طاقات الشباب ومهاراتهم وقدراتهم وتطويرها، إما لأجل المساهمة في مشاريع صغيرة كانت أو متوسّطة، أو تعلّم خبرات ومهارات جديدة، لتمكنهم من البحث عن فرص عمل، لذلك هذه الصناديق لها دور إيجابي في توظيف خبرات ومعارف الشباب لخدمة المجتمع المحلّي، وأي فشل لهذه المبادرات سيصيب الشباب بالإحباط، ويؤدي ذلك إلى العنف الاجتماعي وتسهيل انخراطهم في تنظيمات إرهابية، وخلق شباب ناقم على المجتمع بحسب المحلّل الاقتصادي حسام عايش. 

يعترف المتحدّث بأنه لا يستطيع القول إن هذه الصناديق أنجزت المهام المطلوبة منها، مشيرًا إلى وجود مشاريع إمّا يتم تبنيها بدون دراسة جدواها، أو بناءً على توصيات من هنا وهناك دون البحث في فرص نجاحها، وأحيانًا هناك مطامع لدى بعض الذين يعتقدون أنهم يستفيدون بشكل شخصي ولا تهمّهم المصلحة العامة. معلقًا بالقول: "هذه الصناديق تعمل وفق منطق اقتصادي، والمبادرة الفردية، واستثمار الطاقات والقدرات، وبالتالي نهجها ليبرالي إلى حدٍ كبير".

يعتبر عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الأردني عمر عوّاد، أن الصناديق الملكية تمثل انسحابًا كبيرًا للدولة الأردنية من الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والامتثال للسياسات الليبرالية العامة التي وضعت سياسة البلد تحت وصاية صندوق النقد الدولي من عام 1989 لغاية اليوم، موضحًا: "هذه الصناديق محاولة تجميل للواقع الطبقي البائس الذي يمرّ به أغلب الأردنيين".

وتعظم هذه المؤسسات الثقافة الليبرالية التي تعزّز الطبقية الاجتماعية بحسب المتحدّث، من دور الفرد على حساب الجماعة، ويشكل ذلك خطابًا للفرد وخلاصاً فرديًا له، وتمنع الحديث عن أي حرمان حقيقي في المحافظات.

المحلل الاقتصادي عايش يعلق "إذا كان الهدف من المؤسسات الملكية الاستعراض الإعلامي بدون المتابعة والتغذية الراجعة لمشاريعها وتقييمها في حال نجحت أم فشلت، ففي هذه الحالة لن تخدم الهدف المتوقع منها".

يشار إلى أن "جيل"، حاول التواصل مع صندوق الملك عبد الله للتنمية، والصندوق الأردني الهاشمي للتنمية البشرية على مدار أسبوعين للردّ على الأسئلة المتعلّقة بالموضوع، إلا أننا لم نتلقّ ردًّا على أسئلتنا حتى تاريخ نشر هذا الموضوع.


(الأردن)

المساهمون