Skip to main content
الصحافي والمؤلف
عصام سحمراني
بعد اجرائه المقابلة (فريد دوفور/ فرانس برس)
فرضت المقابلة فرضاً على الصحافي، إذ طلب منه رئيسه في الجريدة أن يلتقي شخصاً محدداً. ذلك الشخص لا يعرفه الصحافي، لكنّه كان أستاذاً لرئيسه في إحدى الجامعات العربية يوماً ما.

الأستاذ بدرجاته العلمية العديدة واختصاصاته المتعددة كان مؤلفاً غزير الإنتاج. أما الصحافي فبعيد عن المجالات التي يؤلف فيها. لكنّه بعدما أجرى الاتصال اللازم وأخذ موعداً للمقابلة، جعل يجمع المصادر المعرّفة بالمؤلف وإنتاجه. من ذلك شراؤه آخر كتابين له أصدرهما في الأعوام الثلاثة التي سبقت المقابلة. عنوانان جذابان، لكنّهما لم يمرّا عليه.

قرأ أحدهما وتصفح الآخر سريعاً بسبب ضيق الوقت، ثمّ حضّر أسئلة المقابلة التي كانت أقرب إلى الحوار بما أنّه بات قادراً على محاججة المؤلف ونقده في أفكاره الخاصة واستشرافاته.
بالفعل، كان حواراً مشوقاً، وكانت مادة مميزة جداً لدى نشرها، نال عليها الصحافي والمؤلف معاً الكثير من الثناء.

كان ذلك قبل عشر سنوات بالضبط، انقطع التواصل تماماً بينهما، ولم يعد أحدهما يعرف شيئاً عن الآخر. على الأقل، هذا ما كان الصحافي متأكداً منه من جهته عندما صادف في مكتبته كتابي المؤلف بين كومة من المؤلفات التي يخطط لقراءتها يوماً ما ولا يسعفه الوقت لذلك. أو ربما عادة القراءة تبدلت في هذا الزمن عمّا كانت عليه قبل عشر سنوات لدواعٍ اجتماعية عديدة، لعلّ أبرزها الوقت الضائع في التواصل الاجتماعي الذي بات ربما يمثل قطعاً معرفياً مع القراءات المعمقة وعادات المطالعة نفسها.

قرأ الكتاب الأول مجدداً، وتمعّن في الثاني أكثر. فاجأه أنّ بعض أفكاره الشخصية مذكورة فيه. وهي تلك الأفكار التي يحافظ عليها ويغذيها وينمّيها ويطوّرها في كلّ مرحلة لكنّ خلاصتها الأساسية بدأت معه منذ فترة طويلة.. منذ بدأ الكتابة والمهنة معاً قبل ربع قرن. هو يتعرف على أفكاره لأنّه صاحب منهجية فكرية، وليس من أولئك الكتّاب المشتتين الذين وإن كان لهم في المهنة خمسون عاماً، يكتبون اليوم شيئاً يناقضونه تماماً في اليوم التالي. هم منتشرون بكثرة، مع ذلك، هو ليس منهم عن وعي بموقفه وعن تأمل قبل بناء الموقف وعن منهجية محددة في طرحه.

وجد في الكتاب بالرغم من كمّ الأفكار الكبير الذي يستنسخ أفكاره في إحدى المسائل، هامشاً واحداً يشير إلى مقال له كمرجع. عظيم، لكنّ الهامش يلحظ اسم الجريدة التي نشر فيها المقال وتاريخها ورقم العدد والصفحة، لكن من دون ذكر اسم كاتب المقال.

لماذا لم يخبره المؤلف خلال مقابلتهما أنّه يعرفه أو يعرف كتاباته على الأقل؟ سؤال استمر يدور في رأسه حتى قرر الاتصال بالمؤلف. لم يتمكن من اكتشاف شيء أكثر من وفاته قبل سنوات.