يسيطر الاستبداد على الصحافة بشتى السبل والوسائل، ويحولها أداة لتجمّل وجهه القبيح، وتقبّح وجه العدالة والحرية غير مكتفٍ بسلبهما وقهر تطلعات الشعوب لتحقيقهما، بل يسعى لتشويه مفاهيمهما وإعادة صياغتهما وفقاً لقاموسه.
يضيق الاستبداد بالكلمة والصحافة المخلصة لدورها المنحاز للحقيقة المتناقضة بالضرورة مع انحيازه للتضليل والكذب والخداع، فيقاسمها العداء لإدراكه العميق أنها تقضم من شرعية وجوده واستمراره، وتعكر مشاريع سيطرته واضطهاده.
تتنوع وسائل وأدوات المستبد للسيطرة على الصحافة، بهدف إدخالها حظيرته، أو مصادرة أصوات من يفشل في استمالتها ترغيباً وترهيباً، إذ تشهد دولٌ تسيطر عليها أنظمة متوحشة حالات قتل ممنهج أو اختفاء قسري للصحافيين، وفي أحسن الأحوال تعمد إلى تشويه سمعة العازفين خارج نشاز جوقتها، أو تحرمهم المنابر لتجعل الكلمات أسيرة حناجرهم.
كذلك يغدق المستبدون الأثرياء الأموال على الصحافيين والمؤسسات لتجنيدهم في معارك اضطهاد الشعوب، فيقتنع صحافيون أو يقنعون أنفسهم تحت تأثير الأعطيات أنهم في مرتبة أعلى من مرتبة وعي المواطنين بحقوقهم، وعليه فإنهم يتحولون سياطاً تجلد حقوق البشر بدل أن يكونوا صوتاً وكلمة في خندق الدفاع عنها.
من البؤس مقارنة البؤس بالبؤس، فمفاضلة بيئة عمل الصحافة بين نماذج الاستبداد المتعددة والمتنوعة تكشف الفوارق الهامشية في أدوات القمع الممارس، فيصبح إغلاق المنابر أمام الأصوات المعارضة أقل حدة من تشويه السمعة، وتشويه السمعة أكثر رأفة من الاختفاء القسري، والاختفاء القسري أرحمُ من القتل، ويكون انصياع البعض للمستبد غنيمة لا تفوت، وهدفاً يرتجى.
ما تمارسه أنظمة الاستبداد بحق الصحافيين والصحافة جريمة موصوفة لا تقل بشاعتها عن الجريمة الأصلية التي يقترفونها بحق الوطن والمواطنين، غير أن انحياز صحافيين ومؤسسات للمستبد وتنفيذ رغباته جريمة مزدوجة تجعل منهم شركاء في تجريد مهنتهم من رسالة الحق وحرف دورها القائم على منح مساحة لأصوات الناس وحكايتهم لتحصينهم من الوقوع في براثن اليأس المطلق.