15 مايو 2025
الشقاء الجنسي للشباب ونمط إسلامي للحلّ
تتوقّع دراسات أن يدخل الأردن مرحلة تحوّل ديمغرافي تُعرف بـ"الهبّة الديمغرافية" من 2010 إلى 2015، إذ ستبلغ نسبة السكان في سن العمل نحو 64.5% من مجموع السكان الكلي، بينما تنخفض نسب المعالين إلى أقل من 35.5%. وحسب رأي مختصين، فإن هذا التحول سيشكل تحدياً أمام صانع القرار الأردني، يتطلّب رفع معدل النمو الاقتصادي لخفض معدلات الفقر والبطالة وتحسين نوعية الحياة، كما أن ظهور "الهبّة الديمغرافية" في المجتمع، في فترة زمنية معينة، يعني الزيادة المحتملة في أعداد الأيدي العاملة في المجتمع. لذا، سيزداد الناتج المحلي الإجمالي، إذا ما توفرت لهذه الأيدي العاملة فرص العمل المنتجة، وهذا يتطلب إعداد سياسات جيدة، في مجالي الصحة والتربية والتعليم، وإعداد أنظمة مالية وتطوير أسواق مناسبة قادرة على استيعاب الشباب.
"الهبّة الديمغرافية" سلاح ذو حدين، حيث يمكن استغلالها لتنمية وبناء المجتمع وإحداث تغييرات جذرية، وشاملة، تتبعها نهضة شاملة للقطاعات الاجتماعية كافة، في حين أن عدم استثمار الشباب، في هذه الفترة، بما يحقق مصلحة المجتمع والتنمية سيحوّل الهبّة الديمغرافية إلى نقمة، وهي تمثّل تحدياً كبيراً، فيما يبدو، ليس في الأردن فحسب، بل في بقية الدول العربية التي يغلب على سكانها العنصر الشبابي، وخصوصاً أن اهتمامنا بالشباب الذين سيشكلون نحو ثلثي السكان قريباً (إن لم يكن هذا الأمر قد حدث فعلاً!) ما زال اهتماماً شكلياً موسمياً، لا يكاد يذكر إلا في ندوة عابرة، أو "موضوع إنشاء" في حصة "التعبير" في المدارس. وحتى حين نكتب عن الشباب، ربما ينصرف قراء كثيرون عن متابعة ما نكتبه، باعتبار أن موضوعه يندرج في باب لزوم ما لا يلزم، وقد تعرّضتُ شخصياً للوم متكرّر ومرير من الشباب، كوني لا أفرد حيّزاً معقولاً لهم!
ربما يكون كلامي هنا مفاجئاً بعض الشيء، إذ أعتقد أن علينا أن نطوي الملف الاجتماعي في حياة الشباب، قبل أن نبحث لهم عن فرص عمل، وهذا الملف تحديداً يحتل ذيل سلّم أولوياتنا، باعتباره عيباً أو ترفاً. وحل المشكل الاجتماعي في حياة الشباب يحولهم إلى بشر مبدعين، وبتعبير أكثر وضوحاً، لا بد من حل مشكلة "الشقاء الجنسي" في حياة الشباب، قبل أن/ أو بالتوازي مع إدخالهم إلى سوق العمل، فالشاب الجائع لا يمكن أن يفكر بالإبداع، كما أن الشاب غير المستقر عاطفياً شخص مستلب ومتوتر، ولا يمكنه إلا تشغيل جزء يسير من "خطوط إنتاجه"، ليكون عنصراً مفيداً في عملية التنمية. وتغفل بحوث كثيرة هذا العنصر الخطير، ونادراً ما يتطرق الخبراء إلى هذا الجانب من حياة الشباب، علماً بأنه ملف يشغل بال جميع مَن أدركوا سن النضج، ولم يتمكنوا من إشباع رغباتهم بشكل سويّ، وهي رغبة لا تقلّ في خطورتها عن الرغبة في إطفاء نار الجوع.
أعرض، هنا، شكلاً من أشكال الحلول المقترحة لهذه المعضلة، وهي فكرة كان العالِم اليمني، الشيخ عبد المجيد الزنداني، قد طرحها، في دعوته المسلمين في الغرب لاتّقاء "شرور الفتن الأخلاقية"، بإيجاد الحلول الشرعية المناسبة من خلال تيسير زواج الشباب، وقال في مقابلة أجرتها معه شبكة "إسلام أون لاين"، إنه يمكن للمسلمين إيجاد صلة زواجية جديدة، باسم "زواج فريند" Zawaj friend بدلاً من نظام "جيرل فريند" Girl friend الموجود في الغرب، ويمكن للشاب والشابة في هذه الصلة الزواجية الجديدة أن يرتبطا بعقد زواج شرعي، من دون أن يمتلكا بيتاً يأويان إليه، إذ يُكتفى في البداية بأن يعود كل منهما إلى منزل أبويه بعد اللقاء. وطالب الزنداني العلماء والباحثين المسلمين الذين يعيشون في الغرب بالعمل على تطوير ما يسمى "فقه الأقليات"، لأن أساس الفقه التيسير على الناس، وتفهُّم خصوصية المكان والزمان اللذين يحيون فيهما.
والشيخ الزنداني من أعلام الحركة الإسلامية المعاصرة، وهو مؤسس ورئيس جامعة الإيمان الشرعية في اليمن، وترأس مجلس الشورى في حزب التجمع اليمني للإصلاح، وله مؤلفات وفتاوى ورؤى شرعية عديدة، وحديثه عن فقه "الأقليات" ليس جديداً، لكن الجديد هنا ما يمكن أن نضيفه إلى هذا الفقه، أن الإسلاميين الملتزمين في مجتمع بلا هوية يمكن أن يكونوا أقلية، ويمكن أن ينطبق عليهم ما يسمى فقه الأقليات، ما يعني أن مقترح الزنداني بخصوص أسلمة مفهوم "الجيرل فريند"، يمكن أن ينطبق على الذين يقيمون في مجتمعات تسمى إسلامية!
وكان علماء مسلمون عديدون، بينهم رئيس المجلس الفقهي لأميركا الشمالية، الدكتور طه جابر العلواني، قد دعوا إلى تأسيس فقه الأقليات، والمثير في كلام العلواني، والذي يرأس جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية في الولايات المتحدة، وترأس المعهد العالمي للفكر الإسلامي، تشديده على ضرورة ألا يقيّد أبناء "الأقليات المسلمة" أنفسهم باصطلاحات فقهية تاريخية، لم ترد في الوحي مثل "دار الإسلام" و"دار الكفر"، موضحاً أن "عليهم أن يشاركوا في الحياة السياسية والاجتماعية بإيجابية، انتصاراً لحقوقهم، ودعماً لإخوتهم في العقيدة، أينما كانوا، وتبليغاً لحقائق الإسلام، وتحقيقاً لعَالَميته".
رأي الشيخ الزنداني ومداخلة العلواني، يفتحان باباً واسعاً للنقاش بشأن أخطر مسائل "الملف الاجتماعي" الذي يزدحم بجملة من أكثر قضايانا جدلاً، وهي "أزمة الشباب"، ذكوراً وإناثاً، من دون أن نوليها ما تستحق من اهتمام. خذوا مجتمعاً مزدحماً بالبشر كالمجتمع المصري، يعاني من وجود 13 مليوناً من الجنسين، فاتهم قطار الزواج لأسباب اقتصادية، ومثلهم، أو أكثر، في باقي الدول العربية، وأضعافهم في العالم الإسلامي، ترى هل من العدالة أن يبقى هؤلاء بلا زواج، لهذا السبب أو ذاك؟
نحن بحاجة ماسة لفقه معاصر جريء، يتصدى للمشكلات العويصة المسكوت عنها، وتطحن "جبهتنا الداخلية" سراً، وتقف عائقاً كبيراً في طريق تحررنا، وبالتالي، تحول دون التصدي لملفاتنا الاقتصادية والسياسية والعسكرية والحضارية. وربما يبدو هذا الكلام مفاجئاً، لكن، علينا أن نتذكر أن أحداً في أمتنا، وعبر تاريخها الغابر، لم يكن مسموحاً له أن ينام وحيداً، ولنتذكر أيضاً قصة سعيد بن المسيّب، وهو أحد كبار تابعي صحابة رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، حين كره لأحد تلاميذه الفقراء أن ينام وحيداً، ولو ليلة واحدة، بعد وفاة زوجته، فزوجه ابنته من دون مهر تقريباً، علما أنه رفض أن يزوجها لابن "أمير المؤمنين". وتورد كتب التاريخ أن عبد الملك بن مروان خطب بنت سعيد بن المسيّب لابنه الوليد، حين ولاه العهد، فأبى سعيد أن يزوجه، فلم يزل عبد الملك يحتال على سعيد حتى ضربه مئة سوط في يوم بارد، وصبّ عليه جرّة ماء وألبسه جبّة صوف!
ولئن كان هذا شأن ابن المسيّب مع تلميذه، فما بالنا نسدّ الأبواب في وجوه شبابنا، ونتركهم يتقلّبون على فراش الحرمان، تصعيباً وتعقيداً لسبل الزواج؟ كيف نطلب من الشباب أن يكونوا أعضاء أسوياء في المجتمع، وهم يعانون ممّا كرهه سعيد بن المسيّب لتلميذه؟