الشعب وخلع المخلوع

الشعب وخلع المخلوع

06 سبتمبر 2016
+ الخط -
كان الشعب المصري يظن أنّ برلمان 2010 هو الأكثر فساداً في تاريخ مصر البرلماني، بتمريره القوانين القمعية والجائرة، والمهدرة حقوقه لحساب رجال الحزب الوطني، والمنتفعين من نظام المخلوع حسني مبارك، حتى جاء برلمان 2015 وأثبت أنّه الأكثر فساداً، ويتماهى مع السلطة الحاكمة على طول الخط، ويمرّر حزماً من القوانين هي الأكثر فساداً وإهداراً للمال العام، ولحقوق المواطنين في تاريخ مصر، مثل قانون الخدمة المدنية الذي سيهدر حقوق العمال، وسيتسبّب في تشريد عديدين منهم، وغيره العديد، فقد شملت الحزم الممرّرة في البرلمان قوانين كثيرة تمسّ الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي تحتاج صفحات وصفحات لمناقشتها وشرحها، وأهمها قوانين مكافحة الإرهاب والانتخابات والعقوبات وتنظيم الجامعات والإجراءات الجنائية وقوانين أخرى تتعلّق بالأزهر الشريف.
ولكن ليس هذا هو الغيم كله، وإنما يأتي الأكثر غيماً هو تعامل الدولة مع المواطن البسيط سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، إذ بات المواطن المصري البسيط لا يستطيع الحصول على أقل حقوقه المنصوص عليها فى الدستور، فهو لا يسطيع الاحتجاج السلمي، ولا قوبل بقانون التظاهر وزج به فى السجن، وأيضاً لا يستطيع الإضراب عن العمل، احتجاجاً على ممارسات الدولة بحقه، وإلا قوبل بقانون الخدمة المدنية، وطُرد من عمله، وأيضاً لا يسطيع التفوّه إعلامياً عن مشكلاته، لأن الإعلام الآن بات يُصنع من داخل النظام نفسه.
لم تكتف الدولة بذلك فقط، بل تزيده معاناة فوق معاناته، ارتفاع في أسعار السلع الاستراتيجية وأساسيات الحياة، وزيادة ضرائب، وارتفاع في أسعار الخدمات، مثل الكهرباء والماء والغاز والاتصالات، وإذا اعترض المواطن، وامتنع عن دفع الفواتير، تهدّده الدولة بقطع الخدمة عنه، والمواطن يعلم تمام العلم أنّ معاناته هذه لأجل تحسين مستوى معيشة فئاتٍ أخرى، منها أصحاب مناصب عليا في الدولة، والأمر هذا هو الذي جعل المواطن البسيط اليوم ينظر للدولة المصرية، وكأنها تشبه زوجة الشيطان إذا كان للشيطان زوجة.
ومع كل هذا التدهور الاقتصادي والسياسي الاجتماعي، لازال النظام الحاكم يتزّين بالمدنية إعلامياً، ويستخدم مسكناتٍ مؤقته للشارع، ليؤجل انفجاره، ويوجد تشابه كبير بين تلك المُسكنات ومُسكنات المخلوع، وكأنّ الطبيب نفسه هو الذى يكتب الروشتة نفسها ثانية، ولم يتعلّموا من أخطاء الماضي، ويتأكدوا أن المسكنات المؤقتة هي تفاعل كيميائي، ينشط مع الأزمات، ليصنع قنبلةً موقوتةً، لا يستطيع أحد توّقع نتائجها وحجم خسائرها، وأيضاً لا يتحمّل أحد كوارثها وأضرارها سوى المواطن البسيط، بينما يكتفي النظام الحاكم فقط بالتصدي للشظايا التي تصعد مع الهواء إلى أعلى.
وأيضاً لن تنسى الدولة فئة الشباب، فهي الأكثر حيوية في المجتمع المصري. ولذلك، كافأتهم الدولة بممارسات أمنية وحشية، في جميع المناسبات التي خرج فيها الشباب إلى الشوارع، ليعبروا عن رأيهم ورفضهم سياسات النظام الحاكم. أشهر هذه المناسبات هي تظاهرات الأرض التي عقبت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، والتي بموجبها تمّ التنازل عن جزء من إقليم الوطن بالمخالفة للدستور، وأدت تلك الممارسات إلى إصابة شبابٍ كثيرين، وسجن آخرين بدعوى التظاهر بدون ترخيص وتوقيع عقوبات مادية غليظة على آخرين، وصلت إلى حد مائة ألف جنيه مصري، فضلاً عن حصار حزب الكرامة في إبريل/ نيسان الماضي.
رسالتي للشعب: المظهر الأرستقراطي العام لنظامي المخلوع حسني مبارك والجنرال عبد الفتاح السيسى سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، أصبح متشابهاً إلى حد كبير، وهذا ما جعلني أقول إن الشعب المصري يمهد نفسه الآن، ليثور على نظام ثار عليه في السابق، وأجبره على الرحيل وترك السلطة. ولكن، هل سيكون الشعب، في هذه المرّة، على قدر كافٍ من الوعي بالسلطة، حتى لا يعود مرة أخرى إلى مبارك آخر في زي ثوري؟
FFB1ACCF-4503-4592-B486-02B99A1A1EBE
FFB1ACCF-4503-4592-B486-02B99A1A1EBE
محمود أبو الفتوح (مصر)
محمود أبو الفتوح (مصر)