الشرطي السويدي والشرطي المجري... والطفل اللاجئ

الشرطي السويدي والشرطي المجري... والطفل اللاجئ

14 سبتمبر 2015
طفلة لاجئة في وسط عائلتها في بودابست (العربي الجديد)
+ الخط -


لعلك حين ترى المشهد، وتشتم رائحة اليأس، والموت المؤجل محمولاً على نظرات في الفراغ، ستعرف ما معنى أن يكون يوم الحشر نوماً مسيفاً... جسد ملقى على بلاط جامد وعامل المحطة يرفع ساقه ليسقطها حيث الفراغ عند قدم يبدو باطنها بلون غير لون الوجه الحنطي، أو عند وجه طفل أو طفلة إن شئت، ما يزال شعرها يحمل علامة لفراشة صامتة صنعت أمها لها "جدولة صغيرة" في رحلة الكذب عند سكة القطار في مشوار طويل وهي تسأل لاهثة: متى نصل...


ستعرف بأنه عليك ألا تبكي، ولا ترفع هامتك أمام المطرقين نظرهم في خيم تفترش المساحات... إنه مشهد من عوالم أخرى... حيادي... مهني... وصنعة ألا تقترب من قدم أحدهم فتفزعه كما يفعل ذلك الكاره لذاته، حين يلقي بمفرقعة كراهية على آلاف تتكدس أسفل جسر يفصل الشارع عن محطة قطار... ينهض بتثاقل البعض، بينما يفزع على أربعته آخرون... أطفال يبحثون عن حضن قريب منهم ليخفف عنهم فزعهم، وذلك الكريه يقهقه ويتلو عليهم من الأعلى بضع كلمات أن: ارحلوا... والشرطي المجري في درج المحطة لا يهمه من كل المشهد سوى إياه...

قال لي ذلك العربي: الشرطي المجري فيه إنسان... ما أن ينزع حلته الرسمية حتى يكون إنساناً ويتصرف كإنسان... ربما، وما أعرفه هو التالي: الشرطي، وإن كان يرتدي حلته الرسمية ويضع نجمات على كتفه هو شرطي يتواضع إذا ما كان طفل قد مد يده ليعطيه ما بيده... لكن أن يتصرف كالأبله فيفرد يديه رفضاً لطفل يدرك أنه المانع له من العبور فذلك ليس بشرطي... بل آلة صماء في معبد الكراهية المتأصل.

ذلك شرطي إنسان... رغم كل ما لا تشتهيه سياسة الظل في بلده، قرفص الشرطي الدنماركي يداعب طفلة صغيرة على شارع سريع في بلده... فأسر القلوب دون أن يدري أن أحداً يلتقط له صورته... لم أكن هناك، بل هنا حيث التجهم عنوان الكراهية المعلن عنها في ركلة "زميلة"، وأخرى أكثر سطحية في استشراقها تبحث عن مقايضة قصة بتذكرة سفر إلى ألمانيا...

في السويد، شرطي آخر... صباح الأحد كتب على الصفحة الرسمية لشرطة لوند جنوب السويد: بحق الجحيم ما الذي نفعله؟ ونال حوالي مئة ألف إعجاب على مواقع التواصل الاجتماعي خلال ساعات قليلة.

هنا وهناك... اللاجئ محور حديث يطول... لكن الفارق هو بين أن نكون بشراً أو آلات صماء... لا يأبه شرطي من زمن أصم أن يسقط بالقرب منه شخص مصاب بمرض قلب... بينما الشرطي السويدي "توبي" يسأل بحرقة: ما الذي نفعله بحق الجحيم؟ يسأل بعد أن أنقذ طفلاً لاجئاً في السادسة عشرة من محاولة انتحار في بلده السويد... طفلاً حاول فجر الأحد 13 سبتمبر/ أيلول وضع حد لحياته في السويد... ليس السؤال الآن عمن أرسله وحيداً بوهم أن "الطفل رجل" سيأتي لأهله بإقامة... ولا سؤال الأغبياء في حزب "ديمقراطيي السويد" حين يصف الأطفال بـ"من يسمون أطفالاً لاجئين"... ولا حتى عن دوافع طفل بسيط مدفوع بغريزة البقاء لتقليد الكبار بطريقة الهجرة من أتون دمار بلد كامل من أجل حاكم واحد يحيطه معاتيه.

اقرأ أيضاً: أطفال بعيدون عن أهلهم المهاجرين

لم يخبرنا الشرطي كيف سمحت له "قيادته غير الحكيمة"، بأن يسرد بكل أريحية قصته مع غضبه على البشر، وهو يحاول في سيارة الإسعاف أن ينقذ مراهقاً نحيلاً جاء يطلب اللجوء في بلده... يصف الشرطي توبي كيف تم اكتشاف المراهق مصادفة من زميل له في الغرفة، وكيف أنه أصيب بنوبات ذعر في سيارة الإسعاف وقد وجد نفسه محاطاً بشرطي يثبته لتلقي الإسعافات الأولية ريثما يصلون به إلى المستشفى. ويضيف:" كم أنت مسكين أيها الصغير، أي رعب عشته في حياتك؟ ما الذي مررت به حتى أوصلك إلى هذه المحاولة. لا بد أن ماضيك مليء بالفظاعات".

قال ما قاله عن طفل وهو يوجه كلامه بالتأكيد لغير الكارهين، متسائلاً: "ألا تخجلون؟ ألا تشعرون بالعار"؟... يوجه الشرطي توبي نقده لكل الذين يحملون مواقف مسبقة من اللاجئين ويقول: "لو أنك أنت الذي كنت مناوباً ورأيت ما رأيت... ربما كنت ستغير رأيك وشعرت بخجل كبير..."

هل تردد الشرطي في بلده أن طالب الناس بمساعدة اللاجئين؟ هو من المفترض أنه حيادي، مهني وبارد الأعصاب... لكنه لم يجد سوى القول: ساعدوا هؤلاء اللاجئين الهاربين من جحيم حرب طاحنة في سورية... ولو لم يجد ذلك الشرطي صداه الإنساني في أكثر من مئة ألف إعجاب ومشارك لما كتبه لكنا بالتأكيد أمام سؤال حقيقي عن "كيف سمحت له قيادته الحكيمة"... أن يعبر عن إنسانيته على صفحتها الرسمية؟

اقرأ أيضاً: اللاجئون السوريون.. مأساة القرن

المساهمون