تفيد آخر الإحصاءات الصادرة عن "اتحاد منظمات ضد عنف الشرطة"، غير الحكومي، في الولايات المتحدة، بأنّ أكثر من 700 أميركي قتلوا على أيدي الشرطة بالأسلحة النارية منذ بداية العام الجاري 2015.
ومع ذلك، تغيب الإحصاءات الرسمية حول عنف الشرطة، لأنّ الولايات غير ملزمة من جهة، أو لا تجمع وتسلّم إحصاءاتها للحكومة الفدرالية من جهة أخرى.
تصدّرت أخبار عنف الشرطة في السنوات الأخيرة وسائل الإعلام لعدة أسباب. ومن ذلك انتشار ونشاط المنظمات غير الحكومية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتصوير بعض من تلك الحوادث بالصدفة من قبل أحد الموجودين في مكان الحادث أو عن طريق كاميرات الشرطة ونشرها.
وعلى الرغم من ذلك، غالباً ما تبقى حوادث القتل من دون أي محاسبة للشرطة. بل إنّ البعض يكتب تقارير كاذبة عن ملابسات الحادث الذي تورط فيه ولا يتم كشف الكذب إلا عن طريق الصدفة. وهو ما حدث في قضية مقتل الشاب الأسود صامويل دوبوا على يد شرطي أبيض في جامعة سينسناتي في شهر يوليو/ تموز الماضي، بسبب مخالفة سير. فبحسب تقرير الشرطي القاتل راي تنسينغ، فإنّ دوبوا حاول دهسه بعد أن قام بتوقيفه لأن سيارته لا تحمل لوحة. وعند توقيفه تبيّن أن دوبوا لا يحمل رخصة قيادة كذلك. وقرر دوبوا مغادرة المكان بسيارته. إلا أن الشرطي أطلق النار على رأسه من دون أي مبرر يذكر ومات فوراً. وبعكس تقرير الشرطي، وشهادة شرطيين آخرين كانا بالقرب من مكان الحادث، فإنّ دوبوا لم يشكل خطراً على الشرطي ولم يسحله بسيارته، كما جاء في تقريره. وأظهر الفيديو من الكاميرا الجسدية للشرطي (أجبر عناصر الشرطة على وضعها كما أجبروا على وضع كاميرات في مراكز الشرطة بضغط من المنظمات الحقوقية)، وكذلك كاميرات أخرى، أنّ ادعاءات الشرطي كانت كاذبة، وأنّ دوبوا لم يشكل خطراً على حياة تنسينغ. وتعد هذه واحدة من حوادث كثيرة اكتشفت بالصدفة، وتعطي مثالاً على عنف الشرطي الأميركي غير المبرر تجاه المواطنين، خصوصاً أبناء الأقليات من السود أو المتحدّرين من دول أميركا اللاتينية.
هذه القضية والإحصاءات المختلفة أشعلت النقاش مجدداً حول عنف الشرطة. كما سلّطت الضوء على إشكالية العنف الرسمي. من جهته، يقول العضو في "اتحاد مناهضي الحرب" في نيويورك، علي عيسى: "هناك علاقة ما بين عنف الشرطة في الولايات المتحدة، والحروب التي تقودها أميركا خارج حدودها في العراق وأفغانستان ومناطق أخرى. المواطن الأميركي العادي لا يعيش تبعات الحروب المباشرة التي تقودها بلاده بعيداً عن حدودها. لكن مع عسكرة الشرطة نحاول في مؤسستنا توثيق هذا العنف وتأثيره على المجتمع الأميركي".
في الكثير من الأحيان تقمع قوات الشرطة المتظاهرين وهي ترتدي لباساً أقرب إلى لباس الجيش من لباس الشرطة. وقد حصل الأمر في عدة مناطق، كفيرغسون التي شهدت الكثير من الاحتجاجات على مقتل شباب سود عُزّل. وكان الكونغرس قد خصص منذ العام 1997 برنامجاً خاصاً باسم "1033"، يتم بموجبه تزويد الشرطة المحلية بأسلحة قتالية تتجاوز قيمتها 4 مليارات دولار. وهنالك برامج أخرى منها "الأمن القومي الداخلي"، رصد له أكثر من 34 مليار دولار من أجل تزويد قوات الشرطة بأسلحة ومعدات حربية، بما في ذلك طائرات استطلاع من دون طيار ودبابات مصفحة.
وتشير التقارير إلى أنّ هذه الخطة تستهدف الإيفاء بالعقود مع الشركات الأميركية المصنّعة للأسلحة الحربية. ويأتي هذا الضغط على الشرطة من أجل استخدام العنف، كي تضطر إلى استخدام الأسلحة في فترة زمنية محددة من تاريخ حصولها عليها. وهذا ما يدفع الشرطة إلى استخدام الأسلحة في دورياتها ومهامها الروتينية، بما في ذلك ملاحقة تجار المخدرات، بالرغم من أنّ القيام بهذه المهام غالباً لا يتطلّب هذا الكم من العسكرة.
ويعلّق عيسى على تاريخ عسكرة الشرطة الأميركية وواقعه بأنّ "استخدام أسلحة معيّنة أو أساليب عنف من جانب الشرطة يعود إلى السبعينات والثمانينات، وما يسمى الحرب على المخدرات في ولاية الرئيس الراحل رونالد ريغان. فقد شهدت تلك الفترة نضال الكثير من الأميركيين السود من أجل الحصول على حقوقهم المدنية. وأحد الأساليب المستخدمة لقمع تلك الحركة كان عسكرة الشرطة وتخويف الحركة المدنية بحجة مكافحة المخدرات. واليوم نشهد أمراً مشابهاً وإن اختلفت طرق التعبير عنه".
وتكشف دراسة لصحيفة "واشنطن بوست" أنّ عدداً كبيراً من حوادث العنف التي استخدمت فيها أسلحة نارية كان بالإمكان تفاديها. وتظهر تقارير المنظمات الحقوقية وتحقيقات صحافية أنّ قوات الشرطة الأميركية تتعامل مع المتظاهرين بعنف مفرط، خصوصاً أولئك الذين يقطنون في المناطق الفقيرة. كما تكشف عن حالات من التجسس الجماعي تمارسه الشرطة الأميركية على جماعات بعينها بحجة الحرب على المخدرات أو الإرهاب. وهو ما ظهر في فضائح التجسس الواسعة النطاق على العرب والمسلمين في ولايتي نيوجيرسي ونيويورك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001.
وتحاول الجماعات غير الحكومية، بما فيها "اتحاد مناهضي الحرب"، تشجيع بناء تحالفات بين منظمات فاعلة على الأرض، من أجل العمل على قضايا جامعة يأتي على رأسها عنف الشرطة تجاه المواطنين.
إقرأ أيضاً: تمييز ضدّ السائقين السود في أميركا