الشباب مورد يتجه إلى الندرة

الشباب مورد يتجه إلى الندرة

31 أكتوبر 2014

تظاهرة للنساء العاملات في ريو دي جانيرو(22 أغسطس/2014/Getty)

+ الخط -

يحذر تقرير التنمية البشرية من الفجوات الاجتماعية والأزمات الناشئة عن عدم استيعاب الشباب وتشغيلهم، ويلاحظ أن الأزمات الاجتماعية التي حدثت، أخيراً، أظهرت الفارق الكبير بين عدد الشباب المتعلمين وفرص العمل المتاحة أمامهم؛ ما يزيد الإحباط واليأس.

تبلغ نسبة الشباب (15 – 24 عاما) 19.6% من السكان، وهي من أعلى النسب في العالم، وهي نسبة تتناقص في جميع أنحاء العالم، ويتوقع أن تصل إلى 10% في منتصف القرن الحالي، وسوف ترتفع نسبة كبار السن فوق 60 عاما لتصل إلى 20 – 25% من السكان، ولا يبدو، حتى الآن، أن عمليات تأهيل الشباب وتشغيلهم في الوطن العربي تلاحظ أهمية هذا المورد البشري المتزايدة، في حين تسعى الدول المتقدمة إلى استقطاب الشباب للعمل فيها من جميع أنحاء العالم، وتمنح تسهيلات كبرى في الإقامة الدائمة والتجنس للذين يحصلون على عقود عمل في مجالات عملٍ، تعاني فراغا حاليا، أو متوقعا في المستقبل.

وعلى الرغم من تناقص نسبة الشباب، فإنهم يتعرضون للبطالة والتهميش والتشغيل في ظروف غير مواتية، وغير قانونية أيضاً، وعندما تقع الأزمات الاقتصادية، فإنهم أكبر الخاسرين، ولا تتحسن فرصهم مع انحسار الأزمات! ولم يحسن النمو السريع في التعليم فرصهم في الارتقاء بحياتهم، ومستوى معيشتهم، بل إن التعليم أسهم في زيادة البطالة، وأدى إلى غياب كبير عن قطاعات حرفية ومجالات عمل واسعة.

أتوقع أن وجود مؤسسات اجتماعية وثقافية فاعلة تستوعب الشباب، تشجع على انخراطهم في أعمال كثيرة، يعزفون عنها، لأنه، وببساطة، سوف تمنح المؤسسات والأطر النقابية والاجتماعية تعويضاً واسعاً للشباب، ليعبروا عن طموحاتهم وتطلعاتهم، وفي الوقت نفسه، يمارسون أعمالاً قد تبدو لا تحقق لهم ذلك، فيستطيعون، بمشاركتهم في الأندية الرياضية والأنشطة الثقافية والفنية، أن يواصلوا ارتقاءهم ونموهم المعرفي والاجتماعي، وغالباً ما تتحسن فرصهم في العمل، بسبب ذلك، وينتقلون إلى أعمال تمنحهم الشعور بالرضا والتقدير.

هذا الغياب المفزع للمؤسسات الاجتماعية والثقافية يجعل محاولات البحث عن المعنى والجدوى والتدريب والتواصل للشباب تمضي في طريق مسدود، فلا عمل مناسب ولا مشاركة متاحة، وليس متوقعاً بعد ذلك سوى الأزمات الاجتماعية والانحراف والإدمان والجريمة والاضطرابات الاجتماعية، وقد يقع عدد كبير منهم ضحية الاتجار بالبشر والهجرة غير المشروعة.

يقول المدير السابق لمنظمة العمل الدولية، خوان سومافيا، إن العالم يشهد اضطراباً بسبب الانتقال من رعاية الدولة إلى السوق، وما صحب ذلك من تنمية غير مستدامة وتدمير للبيئة، واضطراب في الرؤية والتخطيط، ومطلوب منا، اليوم، أن نصغي لحركات الاحتجاج التي تشمل العالم، مؤكدة أن السياسات المتبعة لا تلائم الناس، وتجعلهم يشعرون بعدم الرضا، فسياسات الخصخصة يجب ألا تمنع، بل يجب أن تزيد سياسات الحماية الاجتماعية والعدالة والمساواة وتمكين المجتمعات، وببساطةٍ، أن تستهدف الاستثمارات القائمة، والمخطط لها تشغيل الناس ومشاركتهم الاقتصادية.

ندرك ونوافق، بالطبع، أن الشركات تهدف، أساساً، للربح، وهذه هي وظيفتها، ولكن، يمكن التفكير في استثمارات اجتماعية تزيد أرباح الشركات المنظورة وغير المنظورة، ففي مساهمتها في التدريب والتطوير وبناء أطر ومؤسسات اجتماعية للعاملين فيها أو الأمكنة والمجتمعات القريبة منها، فإنها تزيد مستوى الثقة والرضا وكفاءة العمل لديها.

وعندما يتطور التنظيم الاجتماعي والمهني إلى مكاسب إضافية للعاملين والمجتمع المحيط، مثل الإسكان والادخار والمشاركة في المؤسسات والتعاونيات، فإن منظومة اقتصادية جديدة تتشكل، ويزيد ارتباط الشباب بعملهم، لأن العمل ليس سلعة، لكنه أسلوب حياة، فهذه التشكيلات الاقتصادية والاجتماعية تنشئ فرصاً وآمالاً للشباب المبتدئين في أعمالهم، تجعلهم قادرين على النظر إلى أنفسهم بعد سنوات من العمل، يملكون بيوتهم ومدخرات ويتمتعون بتقاعد وتأمين صحي ومشاركة اجتماعية وثقافية إيجابية في المجتمع والاقتصاد، ويرون أبناءهم يتمتعون بتعليم، ورعاية تشكلت، أيضاً، حول المؤسسات والموارد.

توطين هذه التشكيلات وتطويرها يتعدى بكثير حل مشكلة البطالة، ونزف التحويلات المالية إلى الخارج، لكنها عملية متصلة جوهريًّا بتطوير الأسواق واقتصاد المعرفة وبناء وترسيخ الهوية والثقافة الوطنية، وتعمل على نحو أعمق بكثير من فرص الوظائف والوفر المالي، ماذا يعني غياب العمالة الوطنية عن أعمال الزراعة والبناء، على سبيل المثال؟ فهذان القطاعان مرتبطان على نحو وثيق وعميق بالاقتصاد والثقافة والتخطيط الحضري والاجتماعي.

ففي غياب العمالة الوطنية عن الزراعة، تغيب العلاقة مع المكان، وتنتهي رواية الانتماء إلى المكان والطبيعة والجبال والسهول والأودية والبوادي والغابات والزهور. وهي الثقافة المنشئة للدول والحضارات، على مدى التاريخ والجغرافيا، وهكذا تصاب الهوية الوطنية والثقافة الجامعة للناس، وعلاقتهم بالمكان والمجتمع والتاريخ بضربة قاصمة، يتحول المكان إلى مجرد سلعةٍ، مثل الأدوات المنزلية المستوردة على سبيل المثال.

وتغيب، أيضًا، التجمعات الحضرية والاجتماعية حول الزراعة، ولا يعود ثمة حاجة للإقامة في البلدات والمناطق الزراعية؛ لأنها لم تعد موردًا اقتصاديًّا، وتكون الإقامة فيها لمن لا يستطيع الإقامة في المدن، والعلاقة بها مجرد مأوى، وتغيب، بطبيعة الحال، المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المرتبطة بهذه البلدات، كالنوادي والمكتبات والجمعيات والتعاونيات.

لقد بدأ دي سيلفا، رئيس البرازيل السابق، حياته عاملاً، وطور نفسه حرفيًّا، واستطاع، من خلال التنظيم الاجتماعي للعمل، أن يكون قائدًا سياسيًّا، ثم يغير مسار البرازيل، ويبدو أنه يغير العالم!

دلالات

428F6CFA-FD0F-45C4-8B50-FDE3875CD816
إبراهيم غرايبة

كاتب وباحث وصحفي وروائي أردني، من مؤلفاته "شارع الأردن" و"الخطاب الإسلامي والتحولات الحضارية"، وفي الرواية "السراب" و"الصوت"