السيناريو المصري وغضبة الشارع السوداني

السيناريو المصري وغضبة الشارع السوداني

31 ديسمبر 2019
الشارع السوداني أجبر الحكومة على تأجيل زيادة سعر الوقود(Geety)
+ الخط -

تصورت الحكومة السودانية برئاسة عبد الله حمدوك أنها يمكن أن تكرر بسهولة السيناريو المصري الخاص بتطبيق برنامج اقتصادي قاسٍ على المواطن، من أبرز ملامحه زيادة أسعار السلع والخدمات، وخفض الدعم، خاصة المقدم لسلع رئيسية كالوقود (بنزين، سولار، غاز، كهرباء) والمياه، وزيادة الضرائب والجمارك والرسوم الحكومية، وهو ما يفتح لها الباب لإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي يتبعه اغتراف قروض بمليارات الدولارات من الخارج.

فحكومة حمدوك التي لم يمض على تشكيلها سوى شهور أجازت، يوم الجمعة الماضي، مشروع موازنة العام الجديد 2020، من أبرز ملامحه خفض دعم المشتقات النفطية تمهيدا لإلغاء الدعم بالكامل، بل وحدد المشروع شهر إبريل المقبل، موعداً لبدء زيادة سعر البنزين، يتبعه زيادة سعر الغازولين في شهر سبتمبر 2020.

وترجمت حكومة حمدوك القرار بسرعة؛ حيث نصت الموازنة الجديدة على خفض مخصصات الغازولين إلى 61.5 مليار جنيه في 2020، مقابل 134 ملياراً في 2019، وخفض دعم البنزين إلى 5.5 مليارات مقابل 22 مليارا، مع ثبات الدعم في غاز الطهي عند 56 مليارا.

وعقب إقرار مجلس الوزراء السوداني مشروع موازنة 2020 انقلب الشارع رأسا على عقب، فـ"قوى إعلان الحرية والتغيير" رفضت، وبشكل حاسم، القرار الحكومي، ودخلت في صدام مع وزارة المالية.

وانضم للتكتل الثوري رجل الشارع والفعاليات الاقتصادية التي رأت أن رفع الدعم عن البنزين والسولار والغاز له آثار سلبية خطيرة على المواطن والاقتصاد، حيث سيترتب عليه حدوث قفزات في أسعار السلع والخدمات، وزيادة في معدل التضخم، وشلل في القطاعات الاقتصادية مثل الصناعة والزراعة والنقل والمواصلات، وانتعاشاً في السوق السوداء للعملة خاصة مع ضعف الموارد الدولارية، وتآكلا للمدخرات المحلية.

كما يتنافى قرار زيادة سعر الوقود مع أهداف الثورة التي قام بها السودانيون ضد نظام البشير وطالبت بتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن، وزيادة الأجور، وتوفير الخدمات العامة بأسعار مناسبة تتناسب مع الدخول، ووقف الفساد المستشري وعملية نهب الثروات في البلاد، وحل أزمات نقص السلع الرئيسة كالخبز والدقيق والوقود وغاز الطهي، ووقف اتساع دائرة الفقر المنتشر في طول البلاد وعرضها

ولأن الحكومة السودانية جاءت من رحم ثورة شعبية، ولا زالت تحت عين الثوار، فقد استجابت وبسرعة لضغوط الشارع والقوى السياسية وتراجعت عن خطتها، حيث قررت، اليوم الأثنين، تأجيل رفع الدعم عن المحروقات لحين عقد مؤتمر يدرس الأوضاع الاقتصادية في البلاد في شهر مارس المقبل يتم خلاله دراسة بدائل زيادة سعر الوقود وخض الدعم الحكومي، وإمكانية تنفيذ برنامج اصلاح اقتصادي وطني بعيداً عن رقابة وتوصيات واملاءات صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية.

حكومة حمدوك لن تستطيع بسهولة تمرير السيناريو المصري الذي أغرق مصر في موجة من قفزات الأسعار المتواصلة والديون الخارجية والمحلية وعجز الموازنة العامة، وقضى على الطبقة الوسطى وضاعف نسبة الفقراء، لأسباب منها أن الشارع السوداني لا يزال يعيش حالة ثورية، وأن هناك قوى سياسية لا تزال تعبّر عن الحالة.

كما أن تطبيق السودان السيناريو المصري يتطلب استخدام العصى الأمنية الغليظة في فرض القرارات المتعلقة بزيادة الأسعار والرسوم والضرائب وتحرير سعر الوقود ورفع فواتير المياه والكهرباء والاتصالات العامة وحذف ملايين المواطنين من بطاقات التموين، وربما استخدام هذه العصا مؤجل في المشهد السوداني لبعض الوقت، وربما تحول الظروف الحالية ويقظة رجل الشارع دون استخدامها من الأصل.

المساهمون