السيسي يصدر تعديلات قوانين الجيش ومجلس الأمن القومي

السيسي يصدر تعديلات قوانين الجيش ومجلس الأمن القومي والمستشارين العسكريين

29 يوليو 2020
السيسي قنّن سيطرته العملية على المجلس العسكري (نيكولاس كام/Getty)
+ الخط -

أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ثلاثة قوانين أقرّها مجلس النواب الموالي له هذا الشهر، بتعديل اختصاصات وتشكيل بعض صلاحيات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتعديل بعض مواد تشكيل واختصاصات وتنظيم مجلس الأمن القومي، واستحداث منصب المستشار العسكري رسمياً للمحافظات، ومنحه اختصاصات جديدة واسعة.

ويتضمن القانون الأول إضافة فقرتين إلى المادة 103 من قانون شروط الخدمة والترقية (التي تحظر العمل السياسي للضباط)، تنصّ الأولى على "عدم جواز الترشح للضباط، سواء الموجودون في الخدمة أو من انتهت خدمتهم في القوات المسلحة لانتخابات رئاسة الجمهورية أو المجالس النيابية أو المحلية، إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة"، وبالتالي يصبح المجلس العسكري قيّماً على الإرادة السياسية للضباط الحاليين والسابقين، يسهل لمن شاء ويمنع من يخرجون عن المطلوب.

والفقرة الثانية تسمح (صورياً) لمن يمنعه المجلس العسكري بـ"الطعن على قراره أمام اللجنة القضائية العليا لضباط القوات المسلحة خلال 30 يوماً، ويكون قرارها في الطعن نهائياً، فلا يجوز الطعن في قرارات اللجنة أو المطالبة بإلغائها بأيّ وجه من الوجوه أمام أية هيئة أو جهة أخرى"، علماً أن هذه اللجنة يعيّنها وزير الدفاع، رئيس المجلس العسكري.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

ولا يمكن فصل هذه المادة التي تدخل المجلس العسكري للمجال السياسي، رسمياً وتشريعياً لأول مرة في تاريخ مصر، عن التعديلات التي أضيفت إلى قانون مجلس الأمن القومي، والتي تجعل المجلسين معاً قائمين على استمرار نظام السيسي الحاكم بتشكيله وشروطه ونظامه وهيئته، واستبعاد معارضيه وضمان عدم تغيير قواعد اللعبة السياسية. 

وتنص المادة على أنه "في الأحوال التي تتعرض فيها الدولة ومدنيتها وصون دستورها وأمن البلاد وسلامة أراضيها والنظام الجمهوري والمقومات الأساسية للمجتمع ووحدته الوطنية لخطر داهم، يجتمع مجلس الأمن القومي مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في اجتماع مُشترك برئاسة رئيس الجمهورية لاتخاذ تدابير وآليات عاجلة لمواجهة ذلك"، ويدعو رئيس الجمهورية المجلس بتشكيله للانعقاد في الأحوال المشار إليها، أو بناءً على طلب نصف عدد الأعضاء بالتشكيل المشترك (أي في حالة غياب الرئيس لأي ظرف)، ويُدعى إلى حضور الاجتماع المُشترك كل من نائب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشيوخ، ومن يحدده رئيس الجمهورية من رؤساء الجمهورية السابقين، ويكون له حق في التصويت، وتكون مداولات المجلسين بالتشكيل السابق سرية، وتصدر قراراته بأغلبية الأصوات، وعند التساوي يُرجّح الجانب الذي منه الرئيس، وتكون القرارات الصادرة بهذا التشكيل نافذة بذاتها ومُلزمة للكافة ولجميع سلطات الدولة".

السيطرة التامة التي يطمح لها السيسي لا تكتمل إلا بتسليط سيف المحاسبة على جميع المسئولين في المجلسين

 

وبدمج النصوص السابقة سوياً نجد أن السيسي يمهد لتشكيل كيان يشبه مجلس الدولة الصيني، أو مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، برئاسته، وبصورة تضمن تحكمه الكامل - وبنفسه - في الأعضاء والاختصاصات، وما سيصدر عن هذا الكيان المشترك الذي يجمع بين أعضاء مجلس الأمن القومي (رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ووزراء الداخلية والخارجية والعدل والمالية والصحة والتعليم والاتصالات ورئيس المخابرات العامة ورئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب) وبين أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

وبالنظر إلى تعديل آخر جرى تمريره، نجد أن السيسي قنّن سيطرته العملية على المجلس العسكري، القائمة واقعياً منذ 6 سنوات، والتي ترجمت بصورة صريحة عندما عين وزير الدفاع الحالي محمد زكي بدلاً من سلفه صدقي صبحي منذ عامين.

وبعدما كان قانون المجلس الأعلى للقوات المسلحة يحصر العضوية في عدد معين من القيادات بصفاتهم العسكرية، أضيفت فقرة "تجيز لرئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة ضمّ أعضاءً للمجلس من قيادات القوات المسلحة وفقاً للحاجة"، ما يعني تحكّم السيسي المطلق بعدد الأعضاء واتجاهاتهم أيضاً، واستطاعته - في أيّ وقت تتأزم فيه الأمور - إدارة الدفة لمصلحته.

وبينما كان القانون ينصّ على اختصاص المجلس العسكري بالموافقة على تعيين وزير الدفاع لدورتين رئاسيتين كاملتين بعد دستور 2014، جرى التعديل ليكون المجلس مختصاً بـ"الموافقة على تعيين وزير الدفاع طبقاً للقواعد والإجراءات التي يحددها رئيس الجمهورية"، أي التي يضعها السيسي، وذلك طبقاً للدستور المعدل العام الماضي.

وتعكس مبادرة النظام لتلك الخطوة استمرار افتقاره إلى الظهير السياسي المتماسك إلى حد اعتماده فقط على مجموعة من العسكريين والحكوميين لاتخاذ قرارات سياسية بحتة، من البت في ترشّح أشخاص للبرلمان والرئاسة، وحتى التدخل لحماية الوحدة الوطنية.

لكن السيطرة التامة التي يطمح إليها السيسي لا تكتمل إلا بتسليط سيف المحاسبة على جميع المسؤولين في المجلسين، الأعلى العسكري والأمني القومي، فاستحدثت مادة تسمح بمحاسبتهم جميعاً على مجموعة من الجرائم المطاطة التي قد تشمل أي أفعال غير مرغوبة، وهي ارتكاب أعمال من شأنها إفساد الحكم أو الحياة السياسية أو النظام الجمهوري، أو الإخلال بالديمقراطية أو الإضرار بمصلحة البلاد أو التهاون فيها، وإفشاء أسرار اجتماعات المجلس أو أي أسرار تتعلق بسلطات الدولة وأمنها القومي، والتدخل الضارّ بالمصلحة العامة في أعمال سلطة من سلطات الدولة. وإذا وُجِّه اتهام إلى أحد الأعضاء بذلك، يشكل رئيس الجمهورية لجنة للمحاسبة والتحقيق، توقع عقوبة أو أكثر تتدرج من حرمان حضور عدد معين من الجلسات، وحتى حرمان تولي الوظائف أو المناصب العامة القيادية لمدة 5 سنوات.

فيما يتضمن القانون الثالث تعديلاً جديداً على قانون الدفاع الشعبي الذي أصدره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد نكسة يونيو/ حزيران، يدعم وجود المستشارين العسكريين للمحافظات الذين كانوا دائماً يعينون بتنسيق بين الجيش والمحافظين منذ سبعينيات القرن الماضي في فترة خوض مصر حروبها ضد إسرائيل ونشاط ما كان يُسمى قوات الدفاع الشعبي، ووجود دور للمحافظات في حشد المتطوعين والمجندين المسرحين واستدعائهم، وبعد الحروب كان دور المستشارين العسكريين مقتصراً على مسائل شكلية تخصّ العلاقة بين الجهات الحكومية التابعة للمحافظ والجيش، لكن التعديل الجديد يجعل أولاً تعيينهم إجبارياً بمساعدين لهم، أي ستكون للجيش هيئة ممثلة في كل ديوان محافظة.

وامتداداً لاعتماد السيسي على الجيش والجهات السيادية الأخرى، مثل الداخلية والرقابة الإدارية للعب أدوار غير تقليدية، في المجالات الاقتصادية تحديداً، سيكون للمستشار العسكري اختصاصات نشطة، مثل المتابعة الميدانية الدورية للخدمات المقدمة للمواطنين والمشروعات الجاري تنفيذها، والتواصل الدائم مع المواطنين في إطار الحفاظ على الأمن القومي بمفهومه الشامل، ولتحقيق موجبات صون الدستور والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة، والتنسيق مع الجهات التعليمية على مستوى المحافظة لتنفيذ منهج التربية العسكرية وفقاً للقواعد التي تحددها وزارة الدفاع، وهذا الدور الأخير كان الوحيد الذي يلعبه المستشار العسكري من بين ما أُسند إليه.