السيسي وتجدّد الدماء في رمضان

السيسي وتجدّد الدماء في رمضان

08 مايو 2020
+ الخط -
باتت أمنية عسيرة المنال أن يمر شهر رمضان بالمصريين من دون أن يتسبب النظام في إهدار مزيد من دماء الأبرياء. في أربعة أيام، من 31 إبريل/نيسان حتى الأحد 3 مايو/ أيار الجاري، تجدد الإعلان عن طوفان الضحايا على نحو ضخم مُريب، فقبل إفطار الخميس انفجرت عبوة ناسفة في مدرعة للجيش جنوب مدينة بئر العبد، فاستشهد ضابط وضابط صف وثمانية مُجندين؛ بحسب المُتحدث باسم الجيش. وفي يوم الجمعة التالي، أعلن الجيش أيضًا عن مقتل تكفيريينِ خطرينِ بعملية نوعية في محافظة شمال سيناء أيضًا. وفي يوم السبت أعلن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤوليته عن حادث الخميس، لتردّ وزارة الداخلية في وقت مبكر من الأحد التالي، مُعلنة "مقتل 18 عنصرًا إرهابيًا" في المدينة نفسها. وبعد ساعات قليلة، أعلن الجيش قتله 126 شخصًا آخرين، وصفهم بالتكفيريين خلال 22 مداهمة عسكرية، و16 عملية نوعية، من دون تفصيل إن كان هذا كله تم في اليوم نفسه أم في أيام سابقة، وكما في حادثة الجمعة وغيرها؛ لم يُعلن عن الوقائع وأسماء الضحايا. اكتفت "الداخلية" بالقول إنها عثرتْ على 13 قطعة سلاح، وثلاث عبوات معدة للتفجير، وحزامين ناسفين في أحد منازل بئر العبد "تمهيدًا لتنفيذ عملياتهم العدائية"؛ فيما حرص الجيش على وضع مزيد من الأسلحة إلى جوار الضحايا كالعادة. 
شهد السبت، 2 مايو/ أيار الحالي، إعلان منظمات وشخصيات حقوقية استشهاد المخرج والمصور شادي حبش عن 24 عامًا في سجن تحقيق طرة في ملابسات مرضية غامضة؛ بعد أكثر من عامين من حبسه احتياطيًا بدون محاكمة، إثر إخراجه أغنية "بلحة" ساخرًا فيها من رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، والتي سُجنَ بسببها كاتبها أيضًا، فيما حصدتْ الأغنية التي أداها المُغني المُطارد رامي عصام نحو خمسة ملايين مشاهدة على "يوتيوب" منذ فبراير/شباط 2018.
الأزمة الأكبر في تسبب نظام السيسي بإنهاء حياة 147 مصريًا بين مدني وعسكري في أربعة 
أيام في شهر رمضان زعمه أنه في جميع الحالات يحارب الإرهاب؛ فالخلاصة لدى هذا النظام الانقلابي الفاشي الفاشل أن الجنود في رفح قتلوا في حربٍ مع الإرهاب. وقد سبق للسيسي نفسه، في 29 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، أن أعطى مهلة للجيش والشرطة لإنهاء الإرهاب في سيناء خلال ثلاثة أشهر، وهو ما لم يحدث، ولا يبدو أنه سيحدث في ظل نظام يستقوي بطوفان دماء المصريين، ليظل مستمرًا على أنفاسهم ما أمكنه من وقت. كما أن العنصريين التكفيريين (المزعومينِ) قتلا يوم الجمعة دحرًا لديه للإرهاب، قضى الفنان حبش في سجنه السبت أيضًا بموجب قانون مكافحة الإرهاب لعام 2015، وبدلًا من أنه شارك في انتقاد سياسات السيسي الفاشلة التي جرّت الوبال على البلاد والعباد، اتهمه الحاكم الشرير بـ"الانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وازدراء الدين، وإهانة المؤسسة العسكرية"،.. هل صار السيسي مُمثلًا للدين؟
أما قتل الجيش 122 تكفيريًا، بحسب وصفه، وقتل الشرطة 18 مصريًا آخرين، يوم الأحد، بزعم أنهم عناصر إرهابية؛ فيُضاده العقل والمنطق، وإلا لماذا تبقى هذه العناصر المُدعاة المزعومة في مدينة بئر العبد بعد تنفيذها عملية الخميس (على افتراض أنها التي نفذتها)؟ والأصل أن تهرب من الملاحقة؛ في وجود إمكانيات نادرة معها من أحزمة ناسفة وقنابل وأسلحة، وقدرة على الحركة السريعة المُفاجئة؛ أم أن النظام يريد إفهامنا أنهم بقوا في المدينة نفسها ليخططوا لانفجارات أخرى قريبة بالطريقة نفسها؛ وهم يعلمون أن النظام سيمشط المنطقة كلها، وسيقضي عليهم؟
الخلاصة أن السيسي يظن أن جميع المصريين في قبضته؛ والجميع يموت من معارضيه المدنيين وصولًا إلى الجيش والشرطة، نتيجة سياساته وإهماله وفشله في التنمية، حتى أن الذكرى الثامنة والثلاثين لخروج آخر جندي إسرائيلي من سيناء في 25 من إبريل/ نيسان الماضي استبقتها بأيام دعوة أطلقها مالك موقع محسوب على النظام (المصري اليوم)، إلى جعلها كسنغافورة وهونغ كونغ، على أن تُمنح إدارة سيناء لحاكم، يمتلك سيادة شبه مستقلة عن السلطة المركزية في العاصمة التي لا تمسك إلا بالعلاقات الخارجية والأمن. ودفع هذا الكلام مصريين إلى التساؤل بشأنه، وحذرت أجهزة الأمن أصحاب الدعوة، لكن السيسي أعلن، تاليا، أنه سيأخذ الدعوة "بعين الاعتبار" عند معالجته ملف سيناء المتأزم، على الرغم من إنفاقه قرابة 30 مليار دولار في الطرق العامة والبنى التحتية خلال خمس سنوات، بحسب مصادر من النظام استند عليها الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية، إيهود يعاري، في تقريره له على القناة 12 الإسرائيلية أخيرا.
لا يهم السيسي استمرار إهراق دماء المصريين في رمضان ولا غيره، حتى ليريق دماء عدد ضخم منهم في أيام معدودة، فضلًا عن أنه لا يلتفت إلى إهدار مليارات من أموالهم وإثقالهم بالقروض والديون؛ بل بيع البلاد أو حتى تقسيمها، فالمهم لديه هو البقاء في الحكم.