السيسي وبناء تحالف أمني عربي ضد تركيا

السيسي وبناء تحالف أمني عربي ضد تركيا

19 مارس 2020
+ الخط -
شرع نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر، خلال الشهرين الماضيين، في جهود لإقامة تحالف أمني استخباراتي عربي ضد الحضور التركي تحديداً في ليببا وسورية. وقد زار مدير المخابرات المصرية، عباس كامل، السودان وشرق ليبيا والجزائر والمغرب (قد يزور تونس)، ثم استضافت القاهرة أواخر الشهر الماضي (فبراير/ شباط) ما سمّته المنتدى الأمني الاستخباراتي العربي، بحضور مصري سعودي إماراتي، مع استضافة علي مملوك، مسؤول مخابرات نظام بشار الأسد، على هامش المؤتمر، قبل أن يتوجه كامل نفسه إلى دمشق لمواصلة البحث في الخطوات العملية لمواجهة الحضور التركي، ليس في سورية فقط وإنما في ليبيا أيضاً، حيث حضر الملف الليبي بقوة على بساط البحث. ولفهم المشهد وتحليله، لا بد من تفكيكه أولاً، بالحديث عن هذه المعطيات الثلاثة الأساسية. 
سعت جولة عباس كامل الأفريقية إلى العمل على بناء تحالف أمني عربي لمواجهة تركيا في ليبيا تحديداً. وكانت زيارته السودان من أجل تجنيد مرتزقة للقتال إلى جانب الجنرال المتمرّد خليفة حفتر، بينما سعى، في زيارتيه إلى المغرب والجزائر، إلى الحصول على دعم أمني سياسي لمواجهة الحضور التركي في ليببا الذي أدى مباشرة، خصوصا بعد التفاهمات العسكرية والبحرية بين أنقرة وطرابلس، إلى انحسار الحضور المصري، مع تحول نظام السيسي إلى لاعب صغير في مواجهة تركيا وروسيا بصفتهما القوتين الأكثر حضوراً وتأثيراً في المشهد الليبي. وثمة محاولة لاستمالة الجزائر، عبر طرح فكرة عودة نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية، لجلبها إلى المحور الأمني الثلاثي من ناحية، وشرعنة أي دعم علني يقدّمه المحور الثلاثي لنظام بشار الأسد، من ناحية أخرى.
بدا لافتاً عدم ذهاب عباس كامل إلى تونس، وهذا غير مفاجئ، فمن الصعب نسج علاقة تحالف 
بين النظام التونسي الديمقراطي ونظام السيسي الاستبدادي، إضافة إلى الموقف التونسي المتزن عموماً من الأزمة الليبية، تماهياً مع معظم المواقف العربية والدولية. ومن هنا، تبدو تونس أقرب إلى أنقرة منها إلى القاهرة، لجهة تأييد الحكومة الشرعية في طرابلس والحل السياسي، بينما تدعم القاهرة الحكومة غير الشرعية والخيار العسكري الذي يقوده حفتر. وسبب آخر لغياب تونس عن جولة كامل، الاعتماد على الدور الإماراتي "المشبوه" هناك، والتحريض المسعور ضد تركيا عبر شراء سياسيين وإعلاميين لترويج "الأفكار" والسياسات التي يتبنّاها عباس كامل ونظامه.
بناء على التسلسل الزمني للأحداث، عقد المنتدى الاستخباراتي في القاهرة، بعد جولة عباس كامل الأفريقية، والحضور الإماراتي السعودي، هدف أساساً إلى التوافق على السياسات العامة، ودعم الجهود المصرية في ليبيا، وتقديم حوافز وإغراءات اقتصادية ونفطية لبعض الدول للانضمام للمحور الثلاثي ضد تركيا. وعلى هامش المنتدى، جرت استضافة علي مملوك وأحد مسؤولي قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا (وأوروبا وأميركا) إرهابياً، للبحث أساساً في كيفية مواجهة الحضور التركي في شمال سورية، مع السعي إلى التقريب بين الجهتين، وحتى تقديم دعم مالي أمني لـ"قسد" لخوض حرب استنزاف في مواجهة الجيش التركي. ولذلك انتقل عباس كامل، بعد المنتدى مباشرة، إلى دمشق لمواصلة هذا العمل، إضافة إلى تنسيق سفر مرتزقة من المليشيات التابعة للأسد إلى ليبيا، والتمهيد لما جرى بعد ذاك من تبادل دبلوماسي بين نظام الأسد والمناطق الخاضعة لسيطرة الجنرال خليفة حفتر. وهنا تحديداً جرى الدمج بين مواجهة تركيا في سورية وليبيا، واعتبار الأسد وحفتر رأسي حربة أقله علنياً في مواجهتها. ولافت في قصة المرتزقة وتولي عباس كامل هذا الملف بنفسه حديث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن نقاش الأمر مع نظيره الروسي فلاديمير ىوتين، وتوقع أخبار جيدة في هذا الصدد مع تسريبات وأخبار عن تخفيف حضور المرتزقة الروس إلى جانب قوات حفتر على الجبهات المختلفة في ليبيا.
بناء على ما سبق، ثمّة سؤال منطقي عن فرص نجاح الجهود المصرية المدعومة، بل المرسومة سعودياً وإماراتياً، في بناء تحالف أمني وعربي ضد تركيا في ليبيا وسورية. الإجابة قاطعة، لأسباب موضوعية وذاتية راسخة وواضحة للعيان، أيضاً، ففي ليبيا مثلاً، تدعم تركيا الحكومة الشرعية التي تدعمها الجزائر والمغرب، وهي مثلهما تدعم أيضا الحل السياسي المستند إلى اتفاق الصخيرات وقرارات الأمم المتحدة، ومشروع خليفة حفتر خطر على الدولتين. ولذلك وضعت الجزائر فيتو على دخوله ومليشياته طرابلس واعتبرت ذلك خطا أحمر. إضافة إلى ذلك، الحضور التركي قويّ راسخ إلى جانب الحكومة الشرعية، بدعمٍ من فئات وشرائح شعبية واسعة مع إقامة قاعدة عسكرية كبيرة في طرابلس، علماً أن هذا الحضور أدّى إلى تحوّل في مجريات الأحداث، مع الانتباه إلى أن تعثر مشروع حفتر، الموجه مصرياً وإماراتياً، كان قد حصل حتى قبل الحضور التركي، وهو أي الفشل، كان السبب المباشر في الاستعانة بمرتزقة فاغنر الروسية، وبالتالي تحول روسيا إلى القوة الكبرى مقابل تركيا.
وبشأن سورية، تبدو الإجابة أسهل وأكثر وضوحاً، ففي غرب الفرات، وبعد عملية درع الربيع،
 واتفاق موسكو أخيرا بشأن إدلب، القوتان الأكثر تأثيراً هما تركيا وروسيا. وبعد رفع الثانية الغطاء الجوّي أياما فقط، وجهت الأولى ضربة ساحقة للجيش، أو بقايا جيش النظام والمليشيات الإيرانية المساندة له. في شرق الفرات، وعلى الرغم مما تم ويتم تقديمه لقوات سوريا الديمقراطية، تم عملياً إجهاض مشروعها، وقطع تواصل كيانها الانفصالي، ولم تعد قادرة على تشكيل خطر جدّي على تركيا، أو حضورها ودورها في سورية، مع ملاحظة أن أميركا هي القوة الكبرى والأكثر تأثيراً وصاحبة القرار على "قسد"، تحديداً فيما يتعلق بوتيرة تقاربها مع النظام.
إضافة إلى الأسباب الموضعية السابقة، ثمّة أسباب ذاتية للفشل، تتعلق بالنظام المصري وحلفائه وداعميه في الرياض وأبوظبي، فالنظام المذكور فاشل مأزوم داخلياً، فاقد الهيبة والقدرة والتأثير خارجياً. ويمكن القول نفسه عن رعاته في أبوظبي والرياض، على الرغم من قوتهما المالية. ثمة مشكلات وأزمات داخلية وإخفاقات وتراجعات خارجية، وعجز عن حسم الأمور، حتى في المحيط الجيوبوليتيكي المباشر باليمن. من هنا، يمكن اعتبار السعار ضد تركيا بمثابة هروب مأزوم إلى الأمام منهما. وفي المقابل، تبدو تركيا قوة صاعدة على كل المستويات، وصاحبة واحد من أقوى الاقتصادات الناشئة في العالم، مع ديمقراطية مستقرة ومتماسكة داخلياً. والأهم أنها في سورية وليبيا تحديداً باتت قوة كبرى إلى جانب القوتين العظميين، أميركا وروسيا.
أما السبب الحقيقي لمعاداة تركيا فهو دعمها الثورات العربية، علماً أنها ليست السبب في اندلاعها أو إبقاء جذوتها حية، على الرغم من العثرات، بينما يظن محور الشرّ آثماً أنها تمثل عائقاً أمام عودة (واستقرار) أنظمة الفلول الساقطة التي يتم إعادة استنساخها وتحديثها، في محاولة يائسة لإعادة عقارب ساعة التاريخ إلى الوراء. وقبل ذلك وبعده، لا يمكن أصلاً مواجهة أو التصدّي لتركيا بالاعتماد على بشار الأسد وخليفة حفتر وعبد الفتاح السيسي نفسه.
وأمر مهم آخر يستحق الانتباه فيما يتعلق بهذا الاستنفار"العربي" ضد تركيا، واعتبارها أكثر خطراً حتى من إيران، كما قال الأمين العام لجامعة الدول العربية الأسبق، عمرو موسى، صراحة (في قناة سعودية أخيرا)، وبحسب ما تؤكده الوقائع على الأرض، علماً أن أبوظبي هي صاحبة وعرّابة الفكرة.