السيسي... وانحطاط الخطاب السياسي

السيسي... وانحطاط الخطاب السياسي

10 ديسمبر 2015
انحطاط الخطاب السياسي (Getty)
+ الخط -

وصولنا لهذا القاع والابتذال في مصر، واللغة المنحطة "الرسمية"، التي ليس لها أي معنى ولا تعبر إلّا عن أوهام، ولا تضيف إلّا جهلاً لمن يقرأها أو يسمعها، هي اللغة التي تكاد أن تكون الأولى والوحيدة للجنرال، عبدالفتاح السيسي ومن معه في ركبه، ولا تليق حقيقة حتى بالجهلاء وأنصاف المتعلمين، فهي لغة تعتمد علي شيء واحد فقط، هو بيع الوهم والخرافات والأكاذيب في محاولة ادعاء بطولات أو تبرير مواقف وانتكاسات.


والمقصود هنا بالقاع والمبتذل ليس فقط ركاكة الكلمات التي يستخدمها الجنرال في جميع أحاديثه ومن معه من مبتذلين مثله بل المقصود بها هي لغة تغييب العقل والمنطق وتبرير الأفعال بابتذال أكثر منه في دولة أصبح الوهم والخيال هو الحقيقة، والظلام أصبح هو الشمس والتجارة بأحلام البشر واحتياجاتهم هو التجارة الرابحة.

فتجد الفشل في مصر، هو إخفاء للإنجازات من أهل الشر أو بسبب حروب من الجيل الثالث والرابع، والرد على بصيص من الانتقاد من ركاب زفة الجنرال بالردح وبكلمات مثل "ما يصحش كده، وأنتم عندكم كوارث"، وتجد الفصال في إنجاز أي شيء هو فصال في السنوات بعيداً عن أي دراسات علمية أو هندسية، وعليك أن لا تندهش إذا وجدت القضاء المصري يحكم بأحكام بالإعدام متبنياً أحاديث خرافية تحدثت بها من أطلق عليها الشيخة ماجدة والتي تبنت روايات مثل اقتحام السجون من حماس وحزب الله، وأنهم ارتدوا زي الشرطة، أو أن يكون سبب الأمطار الغزيرة التي تعم كل أنحاء العالم هو مؤامرة كونية من مجلس إدارة العالم على مصر بالتحديد، وعندما تتحدث الداخلية عن أن السبب في غرق الشوارع والمنازل هو تنظيم إخواني يدعى تنظيم "البلاعات" كل هذا وأكثر منه بكثير أصبح المنطق في مصر بالإضافة الي تحول الفتاوي الدينية الى لغة سب ولعن بعيداً عن أي فقه أنها جمهورية "اللا منطق وحتى اللا أخلاق".

اللغة التي أصبحت رسمية ويصدقها كثيرٌ من أفراد الجيش والشرطة والقضاة لتبرير أفعالهم وجرائمهم وتنفيذ الأوامر التي تأتي لهم، هي لغة تحمل فقط أكاذيب وأوهاماً وأساطير بعيدة عن الواقع وعلى الرغم مما تلقاه من سخرية في مواقع التواصل الاجتماعي وفي كل مكان في مصر من الأطفال قبل الكبار، أصبحت هي المنطق في دولة يقتل فيها العلماء والأطباء والمهندسون والمثقفون ويلقى بهم في ظلمات السجون، ويصبحون مطاردين خارج البلاد، في حين أصبح النور هو ظلام ثقافة البذاءات أمثال مرتضى منصور وأصحاب مقاعد برلمان الجنرال وقيادات دولة اللا منطق.

فرحلة الوصول الى ذلك القاع، بدأت منذ زمن بعيد من الحكم العسكري، ولكن ظلت الشعارات الجوفاء التي تحمل لغة عميقة هي شعار الدولة، مثل تخفيف كلمة هزيمة حرب 67 بكلمة نكسة وغيرها من الأحاديث والخطط الخمسينية والمفهوم الاستراتيجي ومؤشرات التنمية، وكانت تلك اللغة المستخدمة من الأكاذيب المجملة من مبارك ونظامه حتى قامت ثورة يناير، ولم تشفع له تلك الكلمات في مواجهة الجماهير الغاضبة لتختفي تلك اللغة رويداً رويداً وطفا على السطح الابتذال الواضح استغلالاً للجهل الذي زرعه العسكر في مصر وسطع نجم توفيق عكاشة، عضو الحزب الوطني، مالك قناة الفراعين، التي ظهرت قبل الثورة بفترة قليلة وتغيرت لغته تماماً من الأشعار المؤيدة لمبارك الى لغة مبتذلة تسب وتلعن وتتحدث عن الماسونية والمؤامرات الخارجية.

وبدأ بعد ذلك ظهور شخصيات أكثر تخلفاً في الأحاديث وفي مقدمتهم أحمد سبايدر ليتحدث بلغة أكثر انحطاطاً من لغته وكأنه مخمور أو مخبول في الهجوم على الثورة وتطورت تلك اللغة التي تتحدث عن مؤامرات ماسونية وليشارك في ركبها عدد ليس بقليل في مقدمتهم ملحن الشؤون المعنوية للجيش، عمرو مصطفى، لتصبح لغة المؤامرات الكونية على مصر هي لغة رائجة في الأسواق المصرية، وأصبح هناك من يصدقها بشهوة الهروب من الواقع والحقيقة.

ووسط تعامل طائفة الثورة والشباب والمثقفين وكثيرين مع هذه الخطابات على أنها مادة للسخرية ولقطات "كوميديا" يسلون بها أوقاتهم، وتبنت المخابرات الحربية التي كان يقودها وقت الثورة عبدالفتاح السيسي تلك الخطابات المنحطة والتي أعجب به الجنرال ودعمها بشراسة إن لم يكن شارك في إطلاقها، وأصبحت قناة الفراعين التي تبنت ذلك الانحطاط هي القناة الرسمية للجيش المصري، ويتم تشغيلها طوال اليوم على شاشات الوحدات العسكرية وفي وسط معارك الثورة مع العسكر في الميادين، انتشرت تلك اللغة لتنهش في جسد الأمة المصرية لتواجه هي والرصاص لغة العقل والمنطق.

ورحلة الوصول الى تلك اللغة المنحطة الرسمية كانت رحلة ليست طويلة، رحلة بدأت بنزول بضعة مواطنين أمام المنصة وفي ميدان العباسية مصدقين تلك الأوهام ليلبيها بعد ذلك آلاف في الميادين، وأصبح بها الكاذبون والمجرمون أبطالاً والصادقون عملاء وخونة وكاذبين، لتصل في النهاية لتصبح تلك اللغة الهابطة البغيضة، هي اللغة الرسمية لعبدالفتاح السيسي، الذي يقول على نفسه إنه رئيس، هو ونظامه وقضاؤه وشرطته وإعلاميوه ومثقفوه وخبراؤه الاستراتيجيون، والتي يحاول بها مخاطبة البسطاء والزنّ على أذنهم بها، فالمعركة الآن هي معركة الوعي وإنقاذ العقل والمنطق من الفناء في مصر.

(مصر)

دلالات

المساهمون